
عادل حافظ
فرابارت.. وتاريخ الساحرة المستديرة
على مر العصور، اختلف العالم وانقسم حول موضوعات وأحداث كثيرة، إلا فى كرة القدم أو «الساحرة المستديرة».. الرياضة الأكثر شعبية فى العالم، فوفقًا لتقرير صادر عن الاتحاد الدولى لكرة القدم «الفيفا» بعد بطولة كأس العالم 2022- التى أقيمت بدولة قطر الشقيقة- هناك أكثر من 5 مليارات مشجع لهذه اللعبة حول العالم، مع تركز قواعد الجماهير فى أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا.
ما يثبت أن تأثير كرة القدم يتجاوز كونها لعبة، لتصبح جزءًا من الثقافة والهوية فى العديد من المجتمعات، أنها توحد العالم بعيدًا عن العرق، أو اللون، أو النوع، أو اللغة.
ففى عالم تتحكم فيه السرعة والإثارة، هناك شخصيات تُحدِث فرقًا يتجاوز المستطيل الأخضر، من بين هؤلاء تبرز «ستيفان فرابارت»، الحَكَمة الفرنسية التى تحدت التوقعات وكسرت الحواجز فى مجال ظل لفترة طويلة تحت سيطرة الرجال، فكيف بدأت؟
وُلدت «ستيفانى أميلى مارث فرابارت» فى ديسمبر 1983 فى ضواحى باريس، ونشأت فى عائلة تعشق كرة القدم. كان والدها لاعبًا هاويًا، وكانت العائلة بأكملها تجتمع لمشاهدة المباريات بعطلات نهاية الأسبوع، مما جعل اللعبة جزءا لا يتجزأ من حياتها.
فى سن العاشرة، بدأت ستيفانى لعب كرة القدم، وكانت دائمًا مع الأولاد، وهو الأمر الذى منحها قدرة على فهم تكتيكات اللعبة من منظور مختلف.
لكن فى سن الثالثة عشرة، حدث تحوُّل غير متوقع فى مسيرتها الصغيرة، فقد قررت أن تخوض تجربة التحكيم بدافع الفضول ورغبة منها فى فهم قوانين اللعبة بشكل أعمق. التحقت بدورة تدريبية فى التحكيم، وبعدها بيومين وقفت على أرض الملعب لتدير أول مباراة لها، حيث أدارت لقاء للأطفال بعمر 9 و10 سنوات، لم تكن تعلم حينها أن هذه الخطوة الصغيرة ستقودها إلى تحطيم الحواجز فى عالم كرة القدم.
ومرت السنوات سريعًا، وكبرت ستيفانى وكبر معها شغفها بالتحكيم، لكن وبطبيعة الحال لم يكن الطريق مفروشًا بالورود.

ففى الجامعة، واجهت أول تحدٍّ صعب فى الموازنة بين دراستها الأكاديمية والتحكيم وممارستها لكرة القدم.
كان عليها اتخاذ قرار إما الاستمرار كلاعبة أو التركيز فى مجال التحكيم، لكن فى النهاية اختارت شغفها بالتحكيم.
إلى جانب الصعوبات الأكاديمية، واجهت ستيفانى عقبة أكبر وهى التحيز المجتمعى، فكونها امرأة فى عالم يسيطر عليه الرجال، كان عليها إثبات جدارتها فى كل مباراة تديرها. رغم أن بعض اللاعبين والأندية رحبوا بها، فإن هناك من شكك فى قدرتها على إدارة مباريات الرجال. لكنها لم تستسلم.
وفى عام 2014، جاءت أولى خطواتها الكبرى عندما أصبحت أول امرأة تدير مباراة فى دورى الدرجة الثانية الفرنسى. وبعد خمس سنوات، حققت قفزة تاريخية عندما أصبحت أول امرأة تحكم مباراة فى دورى الدرجة الأولى الفرنسى.
لم تتوقف عند هذا الحد، ففى 2019، أدارت نهائى كأس العالم للسيدات، ثم أصبحت أول امرأة تقود مباراة كأس السوبر الأوروبى بين فريقين انجليزيين هما نادى «ليفربول» و«تشيلسي»، وهو إنجاز غير مسبوق فى تاريخ كرة القدم الأوروبية.
أما فى 2020، فسجلت اسمها مرة أخرى فى كتب التاريخ عندما أصبحت أول امرأة تُحكِّم مباراة فى دورى أبطال أوروبا للرجال، حين أدارت لقاء بين نادى «يوفنتوس» الإيطالى و«دينامو كييف» الأوكرانى.
لكن الحدث الأهم جاء فى ديسمبر 2022، عندما تولت مسؤولية تحكيم مباراة بين فريقى «ألمانيا» و«كوستاريكا» فى كأس العالم للرجال، لتصبح أول امرأة تدير مباراة فى المونديال، وهى لحظة تاريخية ألهمت الملايين حول العالم.
ورغم الأضواء، كانت ترفع من سقف تحدياتها باستمرار، فلم تفقد ستيفانى الإدراك بالوعى الداخلى وبقيمة النمو الذاتى. لقد علمتها التجارب أن كل صعوبة هى فرصة للنمو، وكل نقد هو بمثابة مرآة تبرز نقاط القوة التى يمكن صقلها وتطويرها.
هل ترى فى هذه القصة ما يثير فيك الرغبة فى تحدى الصعاب ومواصلة المسير نحو أحلامك؟