الجمعة 9 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مثلث النار يحرق آسيا

مع تنامى أهمية جنوب آسيا كمنطقة حيوية فى التجارة والطاقة والممرات البحرية، أصبحت القوى الكبرى تتعامل مع الصراع «الهندى - الباكستانى» ليس كمشكلة محلية؛ بل كعامل مؤثر فى الاستقرار العالمى. كما أن أى تصعيد بينهما قد يستدعى تدخلات غير مرغوبة من هذه القوى، مما يزيد من احتمالات تدويل الأزمات بشكل غير مسبوق.



وتمثل كل من أزمة كشمير والملف النووى وتزايد الحركات الانفصالية ومشروع طريق الحرير الجديد «الممر الاقتصادى الصينى-الباكستانى» نقاط نزاع وأدوات نفوذ مهمة تعكس تطلعات الدول الثلاث إلى تعزيز وجودها الاقتصادى والجيوسياسى فى المنطقة، ما يجعل التوترات فى جنوب آسيا موضوعًا رئيسيًا على طاولات التحليل السياسى العميق.

على ضفاف نهر السند يتصاعد النزاع الجيوسياسى بين البلدين، حيث تُعد قضية المياه من الملفات الإقليمية الحساسة، فالهند تتحكم فى منابع أنهار رئيسية تغذى باكستان، ما يخلق نوعًا من «الضغط المائى» الذى يُستخدم ورقة ضغط سياسى.

 

 

 

بدأ هذا الصراع منذ توقيع معاهدة مياه السند عام 1960 بوساطة البنك الدولى، وظلّت هذه الوثيقة الإطار القانونى الذى ينظم تقاسم الأنهار المشتركة بين الهند وباكستان، وبناء عليها تم منح باكستان حقوق الاستخدام الحصرى لثلاثة من الأنهار الستة الرئيسية (السند، جيلوم، وتشيناب). 

ومع ذلك، أعلنت الهند فى أبريل 2025 تعليق العمل بالمعاهدة بعد هجوم كشمير الدموى، ما أثار غضبًا باكستانيًا واسعًا، واعتبرت إسلام آباد الخطوة الهندية «إعلان حرب مائية»، ما يعكس كيف تحوّل الماء إلى أداة ضغط سياسى فى نزاع مزمن ذى أبعاد خطيرة، خصوصًا مع مشاريع السدود التى تطورها الهند، والتى تراها باكستان تهديدًا وجوديًا لأمنها المائى والغذائى.

■ إعادة الهيمنة 

يمثل طريق الحرير أداة نفوذ صينية قوية، وهو جزء من مبادرة الحزام والطريق التى تهدف لتعزيز نفوذها التجارى والاستراتيجى عبر آسيا وإفريقيا، ويربط المشروع ميناء جوادر فى باكستان بإقليم شينجيانج الصينى، ويشمل بنية تحتية ضخمة باستثمارات تتجاوز 50 مليار دولار. 

ورغم العوائد الاقتصادية المنتظرة، يواجه المشروع تحديات متزايدة، خصوصًا فى إقليم بلوشستان، حيث تعارض جماعات انفصالية التواجد الصينى وتعتبره استغلالًا لموارد المنطقة، كما تزايدت الأصوات النقدية فى باكستان التى تشير إلى تجاهل فوائد المشروع للمجتمعات المحلية. 

وعلى الجانب الصينى، فهذا الممر ضرورى لتفادى الاختناق البحرى فى مضيق ملقا، وتقليل مخاطر التوتر فى بحر الصين الجنوبى، التى تؤدى إلى تعقيد العلاقات الإقليمية بين الهند وباكستان، حيث تسعى كل منهما إلى الحفاظ على توازنها فى مواجهة النفوذ الصينى المتزايد.

 

 

 

■ الحركات الانفصالية 

إلى جانب التوترات بين الهند وباكستان، تبرز الحركات الانفصالية كأحد العوامل المؤثرة على استقرار المنطقة، ففى الهند، تعانى بعض المناطق مثل كشمير من حركات انفصالية تسعى لتحقيق الاستقلال أو الانضمام إلى باكستان، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمنى. 

وعلى الجانب الباكستانى، يتعرض إقليم بلوشستان لاحتجاجات متزايدة ضد الحكومة، حيث يرى العديد من السكان أن مشاريع التنمية تستغل مواردهم لصالح الأطراف الأجنبية، وهذه الحركات قد تؤجج الصراع الداخلى، وتزيد من تعقيد الأوضاع بين الهند وباكستان.

يمثل التسلح النووى بين الهند وباكستان أحد أبرز أوجه التوتر فى جنوب آسيا، حيث تعتمد الدولتان على قدرات ردع نووية لضمان عدم اندلاع حرب شاملة، منذ التجارب النووية فى التسعينيات، وحافظ الطرفان على استمرارية سياسة «الردع المتبادل»، لكنها لم تُلغِ مخاطر التصعيد المفاجئ.

وتميل الصحف الأمريكية إلى التهويل من شأن اندلاع حرب نووية بين الطرفين بسبب هشاشة التوازن أمام التصعيد المستمر، حيث قالت صحيفة «نيوزويك» الأمريكية إن تحديث الهند لترسانتها النووية، وردود باكستان على ذلك، يشكلان سباق تسلح غير معلن، يُبقى المنطقة دائمًا على حافة الانفجار.

وتظل احتمالية نقل أو تطوير تقنيات نووية جديدة عامل قلق دوليًا، خاصة مع غياب إطار إقليمى موحد للرقابة أو الشفافية النووية، حسب «نيوزويك».

ورفعت الاستخبارات الأمريكية السرية عن إحدى الوثائق التى تقدر حجم العواقب المحتملة لوقوع صراع نووى بين الهند وباكستان، وذلك قبل يوم واحد من حادث كشمير، مرجحة أن أى حادث إرهابى قد يؤدى إلى «تقدير خاطئ» أو «استجابة غير عقلانية»، ما يهدد بتحويل النزاع التقليدى إلى حرب نووية.

ووفقًا للتقديرات الاستخباراتية الأمريكية لعام 1989، كانت الحرب النووية بين الهند وباكستان قد تُسفر عن عواقب مدمرة على مستوى العالم، وفى هذا السياق، أشارت دراسة أعدها علماء المناخ والخبراء النوويون عام 2019 إلى أن مثل هذا الصراع قد يؤدى لوفاة 50 مليون شخص، فضلًا عن التأثيرات الكارثية على المناخ والإنتاج الزراعى.

وأشار التقرير المفرج عنه، إلى أن الهند بصدد شن هجوم وقائى على المنشآت النووية الباكستانية، فى حال شعرت أن برنامج باكستان النووى يمثل تهديدًا مباشرًا حسب خطط أنديرا غادى المعدة مسبقا.

جيوسياسيًا، يؤثر التصعيد بين الهند وباكستان على التوازنات الدولية، فالهند تميل بشكل واضح نحو الولايات المتحدة والدول الغربية، خاصة فى مواجهة الصعود الصينى، بينما تتمسك إسلام أباد بشراكتها الاستراتيجية مع بكين، وتلجأ أحيانًا إلى موسكو لتحقيق توازن دبلوماسى، وهذا التوزيع فى التحالفات يُعقد أى فرصة لتقريب وجهات النظر بين الجارتين، بل يخلق مساحة أكبر للتنافس الخارجى على حساب الإقليم.

 

 

 

■ الهند والصين

تجدد النزاع مع باكستان يضع الهند فى حاجة ضرورية إلى إعادة ترتيب أولوياتها العسكرية، صحيح أن باكستان تظل خصمًا تقليديًا، لكن الصين أصبحت اليوم التحدى الأكبر. ووفقًا لأحدث وثيقة استخباراتية أمريكية، فإن تطوير القيادة الهندية لترسانة نووية محدودة يعد خطوة لتحسين توازن القوى مع بكين.

فالأمر لا يقتصر على الردع فقط، بل يتعلق أيضًا بكسب احترام القوى الكبرى، وهو ما تعتبره نيودلهى هدفًا مهمًا فى هذه المرحلة.

وفى قلب التوترات بين الهند والصين، تبرز قضية التبت كواحدة من أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا، ووفقًا لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية: منذ أن استقبلت نيودلهى الدالاى لاما عام 1959 بعد فراره من التبت، فإن الصين تعتبر هذه الخطوة تحديًا مباشرًا لسيادتها. 

فالهند، من جهتها، تصر على أن استضافة الزعيم الروحى للبوذيين واجب إنسانى، لكنها تعلم أن وجود «الحكومة التبتية فى المنفى» على أراضيها مصدر إزعاج دائم لبكين، فهذا الخلاف، الذى يتجاوز الحدود الجغرافية، يعكس صراعًا أوسع على النفوذ والهيبة الإقليمية، فترى الصين أن الاعتراف بالهند كشريك ندّى لا يمكن أن يتحقق ما دامت نيودلهى تفتح أبوابها لرمز تعتبره بكين «انفصاليًا».

ولا يقل ملف التبت عن كشمير فى التعقيد، حيث تحاول الصين الضغط على الهند فى هذا الملف وتطالب بأحقية باكستان فى السيادة على أراضى كشمير، كورقة ضغط لتحقيق التوازن فى مشهد إقليمى معقد، ما يضع نيودلهى بين ضغوط الصين من الشرق وتهديدات باكستان من الغرب، وهى معادلة دقيقة، تسعى من خلالها إلى تثبيت مكانتها كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها.

■ باكستان جديدة «ثالثة»؟ 

هذا السؤال طرحته صحيفة «تايمز أوف إنديا» أكبر وأشهر الصحف الهندية باللغة الإنجليزية وأجابت قائلة: «إذا تفككت باكستان مرة أخرى، كما حدث عام 1971 حين انفصلت بنجلاديش باكستان الشرقية فإن السيناريوهات المحتملة ستكون عميقة التأثير على المنطقة، لكن الهند لن تخسر شيئًا، بل ستصبح «فرصة استراتيجية» لإنهاء تهديد دائم يواجهها من الجهة الغربية.

وذلك يعنى تقليص نفوذ الجيش الباكستانى داخليًا وخارجيًا، ما يمثل نهاية حقبة «الحرب الهجينة»، وهو ما ستتبعه تأثيرات إقليمية جديدة لدول مثل: إيران، الصين، وأفغانستان، التى تحاول ملء الفراغ فى بعض المناطق الباكستانية، بل ربما تظهر كيانات انفصالية جديدة (مثل بلوشستان، أو تحركات فى كراتشى أو خيبر بختونخوا) وفقًا لـ«تايمز أوف إنديا».