
عادل حافظ
بداية جديدة
جيفرى.. وتغيير العالم
فى صباح بارد من شهر يناير عام 1964، وُلد طفل صغير فى مدينة «ألباكركي» بولاية «نيو مكسيكو» بالولايات المتحدة الأمريكية. لم يكن أحد يعلم أن هذا الطفل، الذى حمل اسم جيفرى - عرف لاحقًا باسم «جيف» -، سيصبح يومًا ما واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا فى العالم، وسيؤسس إمبراطورية ستغير مفهوم التسوق إلى الأبد، أو حتى أن يظهر على غلاف مجلة «تايم» باعتباره «شخصية العام» - بالفعل ظهر على الغلاف عام 1999 - حسب موقع الموسوعة البريطانية.
فى ذلك الوقت، كان مختلفًا. كان فضوله لا حدود له، وكانت الأسئلة التى يطرحها تفوق عمره بكثير. فحين بلغ الرابعة من عمره، تزوجت والدته من رجل يدعى «ميجيل انجيل «مايك» بيزوس»، الذى تبناه وأعطاه اسمه. كان والده بالتبنى يعمل بجد لإعالة العائلة، وكان مثالًا رائعًا للمثابرة والعمل الدؤوب، وهى قيم غُرست فى شخصية جيف منذ الصغر.
وفى وقت لاحق، انتقلت عائلته إلى مدينة «ميامي» بولاية فلوريدا الأمريكية، فبدأ جيف فى إظهار تفوقه الأكاديمي. كان نابغًا فى الرياضيات وعلوم الحاسوب، لكنه لم يكن مجرد طالب متفوق، بل كان يفكر دائمًا فى المستقبل.
فى سن المراهقة، أطلق مشروعه الأول، وهو معسكر صيفى تعليمى للأطفال أطلق عليه اسم «معهد الأحلام» حسب موقع «Biography.com». كان يؤمن بأن التعليم يمكن أن يكون ممتعًا، ولهذا صمم برنامجًا يُلهم الأطفال لاستكشاف العلوم والابتكار، لقد منحته التجربة خبرة قيمه فى مجال ريادة الأعمال.
وفى عام 1986، تخرج من جامعة «برينستون» - بولاية نيوجيرسى - وحصل على بكالوريوس الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسبات بامتياز مع مرتبة الشرف، لم يكن هدفه مجرد الحصول على شهادة، بل أراد أن يفهم كيف يمكن للتكنولوجيا أن تغير العالم.
بعد التخرج، بدأ العمل فى «وول ستريت»، حيث كان الجميع ينظر إليه على أنه عبقرى صاعد فى عالم المال. لكنه شعر أن هناك شيئًا مفقودًا. لم يكن شغوفًا بالأسواق المالية بقدر ما كان شغوفًا بالتكنولوجيا - الإنترنت التى كانت فى بداياتها آنذاك -. لاحظ أن عدد مستخدمى الإنترنت يتضاعف بسرعة مذهلة، وأدرك أن هذا المجال يخبئ فرصة لا تُقدر بثمن.
فى عام 1994، وبينما كان فى رحلة بالسيارة مع زوجته، طرح فكرته المجنونة: إنشاء متجر إلكترونى لبيع الكتب. بدا الأمر غير منطقى فى ذلك الوقت، فكان معظم الناس يشترون الكتب من المتاجر التقليدية، ولم يكن التسوق عبر الإنترنت قد انتشر بعد. لكنه لم يهتم، واتخذ القرار الذى سيغيّر حياته إلى الأبد. استقال من وظيفته ذات الراتب العالي، وانتقل إلى مدينة «سياتل» بولاية واشنطن ليؤسس شركته الجديدة.
فى يوليو من نفس العام، من مرآب صغير، بدأ جيف العمل على مشروعه، قام جيف بتأسيس شركة تحت اسم «كادابرا» - اسم مشتق من الكلمة المستخدمة فى الألعاب السحرية «أبراكادابرا» -، وبعد بضعة أشهر، قام بتغيير الاسم إلى «أمازون»، تيمنًا بأحد أشهر انهار العالم، فى إشارة إلى طموحه اللامحدود. كان يعمل ليلًا ونهارًا، يعبئ الطرود بنفسه ويرسلها للعملاء. لم يكن هناك فريق عمل ضخم أو استثمارات هائلة، بل كان مجرد رجل يؤمن بفكرته ويعمل بكل طاقته لتحقيقها.
مع مرور الوقت، بدأ الموقع يحقق نجاحًا متزايدًا، وسرعان ما توسع ليشمل منتجات أخرى غير الكتب، مثل الإلكترونيات والملابس وحتى الخدمات السحابية.
لم يكن النجاح سهلًا، فقد واجه جيف عقبات كثيرة. تعرض لخسائر مالية فى البداية، وأطلق منتجات فشلت، مثل هاتف «أمازون فاير»، لكن هذا لم يثنه عن الاستمرار. كان يعتقد أن الفشل ليس نهاية الطريق، بل مجرد درس يمكن الاستفادة منه. واصل العمل بجد، وأصبح أمازون ليس مجرد متجر إلكتروني، بل منصة عالمية غيرت طريقة التسوق إلى الأبد.
قال جيف بيزوس «لم أكن أتصور أننى سأندم على المحاولة والفشل. وكنت أظن أننى سأظل دائمًا أعانى من لعنة عدم المحاولة على الإطلاق» ذلك فى مقال بموقع «فوربس».
قصة جيف بيزوس تحمل العديد من الدروس التى يمكن أن تلهم الجيل الجديد. تعلّم من طفولته أن الفضول والابتكار هما مفتاح النجاح، وأن المخاطرة أحيانًا ضرورية لتحقيق الأحلام الكبيرة. أظهر أن الفشل ليس النهاية، بل خطوة نحو التعلم والتطور، وأن العمل الجاد والمثابرة هما أساس أى إنجاز عظيم. واليوم، بعد أن أصبح من أغنى رجال العالم، يظل الدرس الأهم من قصته واضحًا: النجاح ليس مجرد حظ، بل هو مزيج من الشغف والعمل الجاد والرؤية الواضحة للمستقبل. فهل تكون أنت رائد الأعمال القادم؟