
د عزة بدر
أغنية مجهولة لعبدالوهاب!
«برهان الألحان»، هذا هو الاسم الذى أطلقه أحمد زكى باشا على الموسيقار عبدالوهاب فكتب يقول: «أما الآية التى جاء بها أحمد شوقى للشرق وللفن فى حالة وجوده، والتى مازال ينفخ فيها الحياة بعد وفاته، فهى الناطقة ببرهان الألحان، الماثلة للعيان، بألوان الأنغام، فى شخص محمد عبدالوهاب».
«وبرهان الألحان» ليس هو اللقب الوحيد الرائع الذى حصل عليه عبدالوهاب ولكنه أيضًا: «زعيم المجددين»، و«أمير الطرب»، و«مطرب النيل»، و«موسيقار الجيلين»، و«موسيقار العرب»، و«فنان الشعب»، ومطرب «الملوك والأمراء».
لقد حظى صوته الجميل الآسر، وألحانه بمحبة الجميع فوصفه العقاد بقوله:
«إيه عبدالوهاب أَبكِ شادٍ/ يُطرب السمع والحَجَا والفؤادا/ قد سمعناك ليلة فعلمنا/ كيف يهوى المُعذبون السهادا».. وقد اجتمع أمير الشعراء وعبدالوهاب على حب الموسيقى والشعر، ووصف أحمد زكى باشا ذلك فى قوله: «كانوا فى عصر شوقى يقولون أنه ولد ليكون موسيقارًا فصار شاعرًا، ولكنهم لم يدركوا أن الشعر هو الموسيقى، وأن الموسيقى هى الشعر، عبدالوهاب شاعر لأنه موسيقيّ، ولولا شاعريته ما استطاع أن يصل إلى أنغامه وألحانه، والشيء الوحيد الذى جمع بين شوقى وعبدالوهاب هو النغم أو هو الشعر، لا شعر بغير نغم، ولا نغم بغير شعر» لذا فقد آثر أمير الشعراء الفنان عبدالوهاب بالعديد من القصائد منها: «علموه كيف يجفو؟»، و«خدعوها بقولهم حسناء»، و«يا جارة الوادى»، و«ردت الروح».
كما غنى له عبدالوهاب أيضًا أوبريت «مجنون ليلى».

أما القصيدة المجهولة لشوقى، وغَنَّاها عبدالوهاب فلها مناسبة مهمة ذكرها الشاعر الراحل مصطفى عبدالرحمن فيقول:
«كتبها شوقى بعد أن قرر الموسيقار إلغاء حفلاته، والعودة إلى مصر، وكان حينئذٍ فى لبنان، وقرأ خبر وفاة والده فى جريدة «المقطم»، لكن شوقى نصحه بأنه لا يلغى حفلاته، وقال إنه يعلم مكانة الأب، لكن عدم غنائه سيسىء إليه».
ويضيف مصطفى عبدالرحمن فى كتابه:
«الشعر فى موسيقى عبدالوهاب»، فيقول:
وكان معهما فى تلك الرحلة عميد الأدب العربى طه حسين الذى أيّد رأى شوقى، وقال: «إن الحياة تحتمل كل شىء، وفيها كل شىء، فيها البكاء وفيها السرور، ليكن ذلك، ولتغنى للناس شيئًا حزينًا، وانضم إلى رأيهما فكرى أباظة.
ونهض أمير الشعراء فكتب مرثية يعود تاريخها لعام 1927، يقول فيها:
«الليل بدموعه جانى/ يا حمام نَوَّح ويايا نَوَّح واشرح أشجانى/ ده جَوَاك من جنس جَوَايا الشوق هاجك من روحك/ وشكيت الوجد معايا أبكى بالدمع لنوحك/ وتنوح يا حمام لبكايا /بُعْد الأحباب لَوَّعنا/ والصبر دواك ودوايا/ ومسير الأيام تجمعنا/ إن كان فى الصبر بقايا».. وغَنّاها عبدالوهاب بشجن عظيم، مَسَّ قلوب الناس، وعندما رحل شوقى رثاه عبدالوهاب فقال: «ذهب النور الذى كشف كلمة الحياة».
.. شاعرين وموسيقيين كانا، شوقى وعبدالوهاب.