سيناء «بوابة الأمل»

رصدت ملحمة التنمية: بسمة مصطفى عمر
ظلت سيناء أرضا للصمود على مر العصور، تلك الرقعة الذهبية من أرض مصر التى سجلت بطولات خالدة فى سجل معارك التحرير والانتصار، واليوم تعيد الأرض هذه العتيقة كتابة دورها وتاريخها على مسرح التنمية، فبين رمالها التى لازالت تحتفظ بآثار أقدام الجنود المصريين فى مختلف العهود ، تتحول بخطى ثابتة إلى نموذج تنموى متكامل، يعبر عن ملامح مستقبل تشهده جغرافيا الانتصار، بعبور جديد من نوع خاص تصنعه إرادة البناء، حيث تتوالى المشروعات القومية الكبرى على أرضها، لتعيد تشكيل معالمها، لا كمنطقة حدود، بل كمركز اقتصادى وسكانى نابض بالحياة.
فمنذ عام 2014، وضعت الدولة المصرية سيناء فى صدارة أولوياتها التنموية، ليس فقط باعتبار أهميتها القصوى جغرافيا، بل كمكون رئيسى فى إعادة تشكيل الخريطة السكانية والاقتصادية لمصر، لتتحول سيناء من موقع حدود إلى مركز للفرص والامتداد الحضارى.
ترصد مجلة «صباح الخير»، ما يحدث فى سيناء من هندسة مستقبل تلك الأرض، التى تتحول الآن إلى مختبر تنموى، يعاد فيه بناء النموذج الوطنى من الأطراف إلى قلب التنمية.

استثمار جغرافى
حين تتصدر سيناء أجندة الدولة المصرية التنموية، فالأمر يتجاوز كونها مجرد مساحة جغرافية حدودية، لتتحول إلى مشروع وطنى متكامل لإعادة بناء مجتمع جديد، تعاد فيه صياغة المكان والسكان معا، فلم تكن تنمية سيناء مجرد بند فى خطط الدولة المصرية، بل تحولت خلال الأعوام الأخيرة إلى قضية مركزية تتصدر أولويات الحكومة، ويعكس حجم الإنفاق هذا التوجه، حيث تجاوزت الاستثمارات الموجهة لتنمية سيناء حاجز التريليون جنيه، لتحويلها من أرض عبور إلى ساحة استقرار وإنتاج دائم.
كما بلغ حجم الاستثمارات المخصصة للمشروعات القومية فى سيناء ومدن القناة، نحو 530.5 مليار جنيه حتى العام المالى 2024/2025، من بينها نحو 58.8 مليار جنيه فى عام 2023/2024، ما يعكس حجم الالتزام السياسى والاقتصادى بتحويل سيناء إلى مركز تنمية حقيقى.
وشهدت شبه الجزيرة توسعا ملحوظا فى البنية الداعمة للمستثمرين، حيث تم إنشاء 3 مراكز لخدمتهم، بتكلفة إجمالية بلغت نحو 215.5 مليون جنيه تخدم الآن أكثر من 10.5 ألف شركة عاملة فى مختلف القطاعات.
إضافة إلى إدراج 377 فرصة استثمارية متنوعة، على الخريطة القومية منذ عام 2018، منها 180 فرصة صناعية، و139 فرصة خاصة بسيناء ومدن القناة، إلى جانب إطلاق 8 مناطق ومجمعات صناعية جديدة، لدعم النشاط الصناعى والتصديري، ليتحول المشروع من رؤية إلى واقع.
قفزة نوعية موجهة إلى سيناء ومدن القناة، حيث بلغ حجم الاستثمارات العامة بها خلال عام 2023/2024، نحو 58.8 مليار جنيه، حيث ارتفعت من 5.9 مليار جنيه فى 2013/2014، أى ما يعادل 10 أضعاف تقريبا خلال عقد واحد، بينما فى 2022/2023، تم ضخ 73.3 مليار جنيه للإنفاق على المشروعات القومية الموجهة للصناعة، مقارنة بـ 4.8 مليار جنيه قبل 10 سنوات، ما يمثل زيادة بأكثر من 15 ضعفا، ويعكس حجم الاهتمام بالمنطقة.
وفى إطار خطة تنموية شاملة بشمال سيناء، التى تمتد على مدار 5 سنوات، تستهدف الدولة ضخ استثمارات تقدر بنحو 363 مليار جنيه، لتنفيذ 302 مشروع تنموي، موزعة على 6 مراكز رئيسية، هى «رفح والعريش والشيخ زويد وبئر العبد والحسنة ونخل»، وتركز الخطة على تأسيس مجتمعات متكاملة، تدمج بين الزراعة، والصناعة، والسياحة، والإسكان، بما يسهم فى تحسين جودة الحياة للمواطنين، وخلق بيئة استثمارية تنافسية لجذب رؤوس الأموال.

لم تكن سيناء بمعزل عن الديناميكية التى تشهدها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، حيث تم تنفيذ 6362 مشروع قومى فى نطاق سيناء ومدن القناة خلال الفترة من 2014/2015 إلى 2021/2022، أسهمت فى توفير 80 ألف فرصة عمل مباشرة، ما يعزز من دور المنطقة كقاطرة للتنمية المستدامة، وتوطين الصناعات والخدمات اللوجيستية.
كما تم تنفيذ مشروعات لوجيستية وصناعية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتى تتضمن 4 مناطق صناعية و6 موانئ، مع 305 منشآت عاملة فى مجالات صناعية وخدمية.
ومن أجل تحويل الصحراء إلى خضراء، كانت المياه هى مفتاح المعادلة، حيث نفذت الدولة واحدة من أكبر عمليات إعادة تدوير الموارد عالميا، بإنشاء أضخم محطات معالجة مياه من أبرزها، محطة بحر البقر، بطاقة 5.6 مليون متر مكعب يوميا، تستهدف استصلاح 400 ألف فدان فى سهل الطينة، وبئر العبد، والقنطرة، وكذلك محطة المحسمة، بطاقة إنتاجية مليون متر مكعب يوميا، لرى 50 ألف فدان وسط سيناء، كما تم استصلاح 400 ألف فدان، وزراعة 285 ألفا منها فى 2024، مقابل 103 آلاف فدان فى 2014، لتحقيق الأمن الغذائي.
كما يجرى تنفيذ 13 تجمعا زراعيا إضافيا فى شمال سيناء، بالتوازى مع مشروعات تطوير البنية التحتية فى الجنوب، وعلى رأسها رفع كفاءة نفق طابا وطريق وادى وتير، إضافة إلى إقامة 15 تجمعا زراعيا فى جنوب سيناء، ما يعكس توجها واضحا لإعادة تشكيل الخريطة الزراعية للمنطقة.
تحولت سيناء إلى ورشة مفتوحة لمجالات البنية التحتية، من خلال تنفيذ عدد كبير من مشروعات تطوير شبكة الطرق لتيسير الحركة، وأبرز ما تحقق فى شبكات النقل للربط الفعلى بين سيناء وباقى المحافظات، إنشاء أكثر من 5 آلاف كيلو متر من الطرق والأنفاق، بما فى ذلك 7 كبارى عائمة على الممر الملاحى لقناة السويس بتكلفة 990 مليون جنيه، بالإضافة إلى 5 أنفاق لربط سيناء بمدن القناة بتكلفة 35 مليار جنيه.
وتستمر جهود تحسين البنية التحتية من خلال تنفيذ مشروعات مياه الشرب، والتى وصلت نسبة تغطيتها فى سيناء إلى 89.3% فى عام 2023، من خلال 55 مشروع بطاقة 697 ألف متر مكعب يوميا، بينما تم تطوير 86 مشروع للصرف الصحي، بطاقة تصل إلى 793 ألف متر مكعب يوميا.
إضافة إلى إنشاء أنفاق عملاقة مثل نفق الشهيد أحمد حمدى 2 بطول 4.25 كيلو متر، وعمق 70 مترا، لربط شرق وغرب القناة، وتطوير نفق شرم الشيخ بطول 342 كيلو مترا، وطريق الإسماعيلية العوجة بطول 221 مترا، وعرض 25 مترا، بما يعزز حركة التنقل والتجارة، لتصبح سيناء جزء فعال من شبكة العبور الجديد تحت الأرض.
أعادت الدولة رسم الخريطة السكنية لسيناء، عبر إنشاء مجموعة من المشروعات الإسكانية المتكاملة، والتى بلغت نحو 48.2 ألف وحدة إسكان اجتماعي، بالإضافة إلى تنفيذ 54.5 ألف وحدة لتطوير العشوائيات، بسيناء ومدن القناة، والتى تستهدف بناء مجتمعات مستقرة ترتكز على التنمية والخدمات، لإعادة إحياء المنطقة، وتوطين الأهالى فى بيئة آمنة ومتكاملة.

وضمت المرحلة الأولى من المشروع القومى للإسكان بمدينة رفح الجديدة، طرح 688 وحدة جديدة، إلى جانب 234 وحدة متبقية من الطرح السابق، مع بدء إجراءات التسليم خلال العام الجاري، تزامنا مع احتفالات نصر أكتوبر، فى رسالة تعكس العلاقة بين التنمية والتاريخ الوطني.
وتعد المرحلة الأولى جزء من رؤية الدولة لبناء مجتمع عمرانى متكامل برفح، يضم أكثر من 4352 وحدة سكنية، بالإضافة إلى مدارس، ومراكز شباب، ومساجد، وسوق مركزي، ومرافق خدمية متطورة، بما يعكس تحول رفح الجديدة إلى نواة حضارية مكتملة الأركان.
ويخصص هذا الطرح فى المقام الأول لأسر الشهداء والمصابين، وذوى الهمم، والعاملين بالمحافظة قبل عام 2014، فى تقدير واضح لدورهم فى الحفاظ على استقرار سيناء، مع تخصيص نسبة خصم تصل إلى 55% لأبناء رفح بقرار رئاسى مباشر.
وطبقا لتقرير التنمية الصادر عن مركز معلومات مجلس الوزراء، تم تنفيذ 4259 بيتا بدويا، و18 تجمعا تنمويا فى شمال وجنوب سيناء، يوفر كل منها خدمات تعليمية وصحية، ومرافق مياه وكهرباء، إلى جانب فرص العمل المباشرة وغير المباشرة للسكان المحليين، بما يعزز من استقرارهم واندماجهم فى المشروع الوطنى الشامل.
كما شملت جهود الدولة إنشاء 16 ألف وحدة سكنية بمدينة بئر العبد الجديدة، بما يسهم فى استيعاب الزيادة السكانية، وتحقيق التوزيع المتوازن للسكان فى شمال سيناء.
وبالتوازى مع هذا التوسع العمرانى، لم تغفل الدولة تحسين البنية الأساسية فى القرى والمناطق النائية، حيث تم إنشاء محطات محولات كهربائية جديدة، وإنارة مناطق مثل قرى الجدى والجوفة، إلى جانب تطوير شبكات الصرف الصحي، ورفع كفاءة الطرق فى المناطق الحرفية بمدينة العريش، لتلبية الاحتياجات الأساسية وتحسين جودة الحياة اليومية للمواطنين.
وضم قطاع البنية التحتية فى سيناء ومدن القناة تقدما كبيرا، حسب تقرير مركز المعلومات بمجلس الوزراء، خاصة فى مجال الغاز الطبيعي، حيث تم توصيله إلى 645 ألف وحدة سكنية حتى مارس 2024، مع زيادة ملحوظة فى أطوال شبكات الغاز ومحطات التموين، كما يسهم مشروع حقل ظهر فى زيادة إنتاج الغاز الطبيعي، مما يساعد فى تلبية احتياجات المنطقة من الطاقة وتعزيز المشاريع التنموية.
وتشمل مشروعات الكهرباء الكبرى، محطات جديدة مثل محطة الشباب بقدرة 1500 ميجاوات، ومحطة العين السخنة بقدرة 1300 ميجاوات، إضافة إلى تنفيذ مشروعات للطاقة المتجددة، مثل محطة جبل الزيت، لطاقة الرياح بقدرة 580 ميجاوات، بتكلفة 12 مليار جنيه.
بالتوازى مع بناء الحجر يتم تنمية البشر، والارتقاء بجودة الحياة والخدمات الأساسية المقدمة، حيث تم إنشاء 58 مستشفى و171 وحدة صحية، فى شمال وجنوب سيناء، لتغطية الاحتياجات الطبية، وتوفر رعاية شاملة للمواطنين، إلى جانب قوافل طبية، وعيادات متنقلة تجوب القرى والنجوع النائية، بينما أطلقت منظومة التأمين الصحى الشامل فى الـ 4 محافظات بتكلفة 24.2 مليار جنيه، وتقديم أكثر من مليون خدمة طبية فى المستشفيات التى تضم 279 سريرا.
وسرد التقرير معلومات عن تطوير القطاع الصحى فى شمال سيناء، تم ضخ استثمارات كبيرة فى مشروعات ضخمة، حيث تم الانتهاء من 8 مشروعات بتكلفة 609 ملايين جنيه، تشمل مستشفيات جديدة مثل بئر العبد النموذجي، ونخل المركزي، إضافة إلى تطوير مستشفى العريش العام، ووحدة طب أسرة الجوفة، وتنفيذ 3 مشروعات جديدة، شملت مبنى الغسيل الكلوى فى مستشفى العريش، ومستشفيات استقبال وطوارئ فى رمانة وبغداد، بتكلفة 224.2 مليون جنيه.
وفى قطاع التعليم، تم إنشاء 564 مدرسة جديدة، بنسبة زيادة 22.3% ليصل العدد الإجمالى إلى 3094 مدرسة فى 2024، بالإضافة إلى إنشاء 7 مدارس يابانية و4 مدارس تكنولوجية تطبيقية، و8 جامعات جديدة، تفتح آفاق التعليم العالي، والبحث العلمى أمام شباب سيناء، مما يدعم التنمية البشرية فى قلب البادية. واجهة حضارية
فى السياق السياحى، أطلقت محافظة شمال سيناء، مشروع تطوير كورنيش العريش، ليتحول إلى مشروع حضارى كبير، كما يستهدف تحويل المدينة إلى عاصمة ثقافية وسياحية للمحافظة، لجذب المزيد من الاستثمارات والفعاليات.
وأشار اللواء الدكتور خالد مبارك، محافظ شمال سيناء، إلى اشتمال المشروع على خطة لإنشاء ممشى ساحلى متكامل بطول الساحل، يتضمن ومناطق خدمية، وأماكن انتظار، ومرافق ترفيهية، وإنارة وتشجير، وكلها بعناصر تصميم تراعى البيئة والطابع الساحلى للمدينة.
أما فى جنوب سيناء وتحديدًا وفى سانت كاترين يقام مشروع «التجلى الأعظم»، الذى يعد أحد أبرز المشروعات السياحية، لعام 2025، والذى يهدف إلى تحويل المنطقة إلى مزار روحانى على الجبال المحيطة بالوادى المقدس، ويجعل من جنوب سيناء وجهة روحية عالمية لدعم الاقتصاد، من خلال السياحة الدينية والبيئية، وخلق فرص عمل محلية، وترسيخ صورة مصر كمقصد للتسامح، فضلا عن جهود الدولة فى مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة فى شمال سيناء، بتكلفة 60 مليون جنيه.

ما تشهده سيناء اليوم، هو ملحمة من المشروعات، ونقطة فارقة فى مسار التنمية، وتغيير جذرى يعكس رؤية الدولة لتحويلها إلى مركز جذب سكاني، واستثمارى متكامل، حيث تحولت مشروعات التنمية إلى واقع ملموس فى عدة مجالات، شملت البنية التحتية، فهى رؤية تنموية متكاملة تعزز الأمن القومي، وتعيد رسم خريطة التوزيع السكانى فى مصر.