الأربعاء 21 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

اكتئاب.. والجو بديع؟!

ريشة: نرمين بهاء
ريشة: نرمين بهاء

اكتئاب الربيع هو نوع من الاضطراب العاطفى الموسمى، لكنه أقل شهرة من اكتئاب الشتاء أو اكتئاب الخريف، قد يستغرب البعض أن يشعر الآخرون بالاكتئاب وهم على أعتاب الربيع، فى حين تملأ الألوان الزاهية وروائح الجو الندية الدنيا من حولهم، لكن الحقيقة أن اكتئاب الربيع يعانى منه كثير من الأشخاص فى صمت.



وكشف الدكتور جمال فرويز  -استشارى الطب النفسى- أن اكتئاب الربيع يحمل أعراض اكتئاب الخريف نفسها، حيث يوجد نوع من الاكتئاب يُسمى اكتئاب الفصول، وهو مرتبط بالتقلبات الجوية وحالة الطقس.

وأضاف أنه عند بداية عمله فى مجال الطب النفسى قبل 37 عامًا، كانت هناك مواسم لبعض الأمراض النفسية؛ فهناك شهور يزداد فيها الخمول والاكتئاب، وأخرى يكون فيها النشاط مرتفعًا. لكن مع التغيرات المناخية وتداخل الفصول، وسقوط أمطار يعقبها ارتفاع شديد فى درجات الحرارة ثم انخفاض مفاجئ، أصبحنا نشهد موجات حر فى يناير وديسمبر، ما أدى إلى تغير خريطة الاكتئاب الموسمى، أو ما يُعرف بـالتغير المزاجى، وأصبح من الصعب تحديد الشهور التى قد يتحسن فيها مزاج المرضى.

وللأسف، لم يعد بمقدور الطبيب تخفيف جرعات الدواء لمريض الاكتئاب، لأن المرض قد يظهر فى أى لحظة ودون سابق إنذار، ما يجعل التغيرات المناخية سببًا رئيسيًا فى زيادة النوبات الاكتئابية.

لكن لماذا يصاب البعض باكتئاب الفصول بينما لا يتأثر آخرون؟

أوضح الدكتور فرويز أن السيروتونين، المادة المسئولة عن الشعور بالسعادة، يُفرز نحو %60 منه فى الأمعاء، بينما تتراوح نسبة %30 إلى %40 مما يفرزه الجسم عبر الجلد، وهو ما يتأثر بالتغيرات المناخية، ما يؤدى إلى اختلال التدرج المزاجى بشكل أسرع مما كان عليه فى الماضى.

وتابع: الأمور أصبحت أكثر توترًا من ذى قبل، حيث يجد الأطباء أنفسهم فى حيرة بسبب عدم استقرار درجات الحرارة أو حال الطقس.

أما كيف يمكن تحسين المزاج؟ فأشار إلى أن بعض الأطعمة قد يساعد فى تحسين الحالة المزاجية، مثل الشوكولاتة والفواكه الطازجة، إضافةً إلى تأثير الموسيقى، المناظر الطبيعية، والأماكن التى يحبها الشخص.

 

 

 

وبخصوص من هم الأكثر عرضة للإصابة باكتئاب الفصول؟ فقال: هناك تسعة أنواع من الاكتئاب، من بينها الاكتئاب الوجدانى المرتبط بتغير الفصول، واكتئاب ما بعد الولادة، وهما من أخطر الأنواع، حيث قد تصل بعض الحالات الشديدة منهما إلى الانتحار.

وأكمل فرويز أن الاكتئاب فى جميع أنواعه لا يظهر إلا إذا كان لدى الشخص جينات وراثية، وقد يكون الجين متنحيًا، ما يفسر اختلاف احتمالية الإصابة بين الأشقاء.

ويكمل: بعد العامل الوراثى، تأتى ضغوط الحياة والصدمات العنيفة التى قد تؤدى إلى ظهور المرض.

أما عن الأعراض العامة للاكتئاب، فيعانى المصابون من فقدان الشغف، الخمول، قلة الكلام وبطئه، فقدان الشهية أو الإفراط فى تناول الطعام، وصعوبة التركيز. لكن فى حالات الاضطراب الوجدانى - حسب فرويز - يختلف العلاج لأن الحالة المزاجية قد تتغير أكثر من مرة خلال اليوم نفسه، ما يجعله من أخطر أنواع الاكتئاب. ويحدد «الاستشارى النفسى» أنواعًا أخرى من الاكتئاب بأنها الاكتئاب الوجدانى، وهناك أنواع أخرى، مثل: الاكتئاب التفاعلى، الذى يزول بزوال أسبابه، واكتئاب التقاعد عن العمل، واكتئاب ناتج عن تعاطى بعض الأدوية، واكتئاب انقطاع الطمث، واكتئاب ما بعد الولادة.

بينما يصف الدكتور أحمد خيرى حافظ - أستاذ علم النفس الإكلينيكى بجامعة عين شمس - الاكتئاب على أنه اضطراب وجدانى يؤثر فى المزاج والحالة العاطفية، وهو اضطراب فى الانفعالات والمشاعر. ولأن هذه المنطقة شديدة الحساسية عند الإنسان، فهى تتأثر بعوامل عديدة.

أما اكتئاب الفصول وتأثيره فيقول «حافظ»: مرضى اكتئاب الفصول يعانون من اختلاف تأثير اليوم العادى عليهم؛ حيث يكون هناك تفاوت فى حالتهم بين النهار والليل.

وعن الفرق بين الحالات المزاجية الطبيعية والاضطراب الوجدانى يوضح أن الفرق بين الشخص العادى والمصاب بالاضطراب الوجدانى يكمن فى شدة الأعراض ومدتها. فالإنسان العادى يمر بمراحل من الحزن والاكتئاب، لكنها تكون عابرة ولا تستغرق وقتًا طويلًا، بينما من لديه استعداد للاضطراب المرضى، يكون عرضة لأحد الشكلين وهما التكرار: تتكرر نوبات الاكتئاب بانتظام لفترات طويلة، والمدة: تستمر الحالة لفترة ممتدة، حيث تشير بعض الأدلة التشخيصية إلى أن الاكتئاب الذى يستمر ستة أشهر يتحول إلى اضطراب اكتئابى مزمن.

وتحدث حافظ عن الأعراض المصاحبة للاكتئاب، فأشار إلى أن الأعراض تكون أقل حدة، بينما تصل عند المصابين بالاكتئاب المرضى إلى تسعة أعراض رئيسية، إلى جانب الأعراض الفرعية، ويوضح أن أهم الأعراض هى: فقدان الحماس للحياة، الانعزال الاجتماعى، وضعف القدرة على الحركة والنشاط «الانهباط»، واضطرابات النوم، وأفكار انتحارية.

وعن علاقة الأفكار السلبية بالاكتئاب، لفت حافظ إلى أنه يوجد ما يُعرف بـ«مثلث الاكتئاب»، وهو مفهوم طوره «إيريك بيرن»، ويشمل:

رؤية سلبية للذات، ورؤية سلبية للمستقبل، ورؤية سلبية للماضى.

وأكمل: تكمن الأزمة الأساسية لدى الشخص المكتئب فى الشعور بالفقد، إذ يعيش دائمًا بإحساس أنه فقد شيئًا أو أنه سيفقد شيئًا، ما يجعله غارقًا فى هذه الفكرة بكل معاناتها، ويرى حاضره سلبيًا ومرهقًا.

أما الفرق بين الاكتئاب المرضى والاكتئاب العارض بعد الأزمات، فيقول: المعيار الأساسى فى التفرقة بين السواء النفسى والاضطراب النفسى هو القدرة على أداء الوظائف الاجتماعية. فإذا كان الطالب قادرًا على المذاكرة والنجاح رغم شعوره بالاكتئاب، فهو لا يُعتبر مريضًا. لكن عندما يعجز عن الدراسة أو أداء مهامه اليومية، فإنه يصبح مريض اكتئاب.

وعن علاقة الربيع بالحالة المزاجية فأوضح «الاستشارى النفسى» أنه فى فصل الربيع، تتفتح الأزهار وتنشر روائحها، وهو ما قد يكون له تأثير على بعض الأشخاص، كما أن الانتقال من كمون الشتاء إلى التفاعل مع الطبيعة فى الربيع قد يؤثر على بعض الأفراد.

 

 

 

أما عن الاكتئاب الوجدانى وتغير الفصول، فيرتبط الاضطراب الوجدانى المصاحب لتغير الفصول بالحالة المزاجية التى يعيشها الفرد داخل المجتمع، ويختلف تأثيره وفقًا لخصائص كل مجتمع واستجابة الأفراد له فى فترات مختلفة. 

فى حين قالت الدكتورة سوسن الشريف - الاستشارى النفسى والاجتماعي: علينا فى البداية التفرقة بين أسباب «الاكتئاب الموسمي» وتحديد ما إذا كانت ترجع إلى الشعور السلبى تجاه العوامل الطبيعية مثل قصر النهار وطول فترة الليل، أو إذا كانت ترجع إلى ارتباط الفصول بذكريات أو ظروف غير محببة للنفس. 

وتابعت: على سبيل المثال البعض لا يحب الشتاء لارتباطه ببعض الأمراض مثل الإنفلونزا، أو أدوار البرد الشديدة، أو آلام العظام والمفاصل التى تشتد ببرودة الجو، أو مشكلات برودة الأطراف مثل الإصابة بـ«قضمة السقيع». بينما البعض الشتاء بالنسبة له يعنى فترة بدء المدارس، وما يتبعها من ممارسات وضغوط وأعباء الدراسة والمذاكرة، والاستيقاظ مبكرًا عن الأيام العادية، ما يشكل عبئًا إضافيًا فى الحياة اليومية، فيصاب الآباء والأمهات بحالة من الاكتئاب. فى حين أن البعض لا يحب الصيف لشدة الحرارة، والإصابة بأمراض الحساسية من شدة الحر، وحالات الاختناق لارتفاع نسبة الرطوبة، والشعور بالكسل والخمول.

وأضافت أنه نتيجة التغير المناخى فقد تبدل المناخ بين الفصول، بمعنى الصيف صارت شهوره أطول وأكثر حرارة، والشتاء ازدادت البرودة رغم قصر فترته، والخريف صار أقرب للجو الربيعى المعتدل، حيث درجات الحرارة المعتدلة، وغياب السحب والغيمات القاتمة. بينما الربيع (وبخاصة فى الدول العربية) صار أقرب لأجواء الصيف الحارة، مع انتشار عواصف الخماسين المثير للرمال والأتربة.  

وأكملت: يوجد كثيرون يعانون من أمراض الحساسية فى فصل الربيع بسبب انتشار ذرات الرمال الناعمة فى الهواء، وحبوب اللقاح التى تنشط فى هذه الفترة من العام، تبعًا لهذه التغيرات اختلفت خصائص وملامح حالة «الاكتئاب الموسمي» عبر الفصول.

وعن روشتة للتعامل، تضيف «الدكتورة سوسن» قائلة: يمكن التعامل مع هذه النوبات الاكتئابية بعدة خطوات، أولها وأهمها تحديد أسبابه بشكل دقيق فى البداية، هل هو مرتبط بتغير أوقات تعاقب الليل والنهار وغياب ضوء الشمس، أم مرتبط ببعض الظروف والأحداث، أم مرتبط بالإصابة ببعض الأمراض العضوية. ولكل من هذه المسببات أسلوب فى التدخل العلاجى والوقائى باستخدام طرق طبيعية، وإحداث تغيير فى بعض من العادات اليومية. مع الأخذ فى الاعتبار الابتعاد بقدر الإمكان عن الأدوية والحبوب المهدئة، التى أثبتت الدراسات العلمية أن جميعها لها آثار جانبية سلبية مهما كانت ضعيفة التأثير.

وتنصح: بوجه عام علينا تحسين علاقتنا مع الطبيعة والعودة إليها بقدر المستطاع، والابتعاد قدر الإمكان عن التواجد فى الأماكن المغلقة مثل المولات التجارية، التى صارت متنزهًا للغالبية من الكبار والعائلات مصطحبين معهم أطفالهم، واستبدالها بالحدائق والأماكن المفتوحة، حيث التعرض للهواء الطبيعى، وضوء الشمس المفيد للصحة الجسدية والحالة النفسية والمزاجية.