الجمعة 9 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
وسط البلد.. ليه؟!

وسط البلد.. ليه؟!

استلهامًا من رائعة يوسف شاهين «إسكندرية ليه» أتساءل هنا: «وسط البلد.. ليه»؟ لماذا تحظى منطقة وسط البلد بالقاهرة بمكانة خاصة فى قلب المواطن المصرى على الرغم من التحديات الكثيرة التى تشهدها.. لا يوجد مواطن مصرى جاء إلى القاهرة ولم يزر وسط البلد، فلو كنت من خارج العاصمة وجاءت بك الظروف إلى القاهرة فحتما مررت بها. 



إن لم يكن للتنزه فى شوارعها المزدحمة والعامرة بجميع أنواع المنتجات، فربما حضور أحد الأفلام فى سينماتها العريقة، أو قد تكون الظروف أجبرتك عى استخراج أوراق رسمية من سفارة أو من مصلحة حكومية، أو زيارة طبيب معروف فى عيادته العريقة بوسط البلد، أو دفعك فضولك لمشاهدة تلك الشوارع التى تظهر فى معظم أفلام السينما المصرية عبر العقود المختلفة والجلوس فى مقاهيها الشهيرة التى كانت يوما مركزًا وملتقى المثقفين وكبار الكتاب المصريين، أو لزيارة سوق قديم يكتظ ببضائع متخصصة كأسواق التحف النادرة، أو لزيارة المتحف المصرى وميدان التحرير الشهير وما حوله من فنادق فارهة والجلوس على النيل أو الاستمتاع بنزهة نيلية مريحة بعيدا عن ضغط وازدحام القاهرة. 

 

 

 

وإن لم تزرها لكل الأسباب السابقة فحتما ستزورها رغما عنك لتعبر القاهرة من الجنوب إلى الشمال مارًا بها، فهى منطقة مرور عابر يربط بين أقسام القاهرة.. وهى منطقة كانت ولا تزال تشكل جزءًا من العقل الجمعى للمصريين، جزءًا من هويتهم جميعًا، سواء كان من سكان المدن أو القرى، فإنها بلا شك تحمل ذكرى خاصة لكل مصرى. 

ومن هنا فقط تنبع أهميتها ودورها المهم الذى تلعبه فى حياة المصريين.. ومن هنا جاء اهتمام الدولة بإحيائها وإعادة تأهيل عمرانها تعزيزًا للشعور بالانتماء، وتأكيدًا لوحدة الهوية المصرية وتجليها فى بعد مكانى واحد هو وسط البلد. 

فقد استوعبت تلك الرقعة الصغيرة من أرض العاصمة المصرية - إلى جانب قاطنيها وزائريها - الآلاف من غير المصريين على مدار عقود. فمنهم من جاء ليبنى ويعمر ويزرع فى حدائقها الغناء، فأعجبته وألفها واتخذها موطنا. ومنهم من جاءها بحثا عن الأمان والرزق فى زمن كانت أوروبا تئن فيه من ويلات الحروب العالمية، فأصبحت وسط البلد مستقرا لهم ولتجارتهم ولمواهبهم. 

وأصبحت وسط البلد أكبر تجمع للجاليات الأجنبية فى ذلك الوقت، فبات التواصل الثقافى وتبادل المعرفة والأفكار بين الثقافات المختلفة إيجابيا، حيث تمكن الأفراد من التعرف على ثقافات مختلفة وتبنى وجهات نظر متنوعة وفهم أفضل للعالم المحيط بهم.

ووسط البلد تزخر بالذكريات والتاريخ الجدير بأن يروى وينقل إلى الأجيال القادمة، فالتراث الشفاهى للمناطق هو جزء من كل يعرف باسم «هوية» المواطن. ولو كنا فى زمن غلبت عليه العولمة ما تسبب فى فقدان الهوية الثقافية المحلية لكثير من البلدان، ونتج عنها تبنى نماذج وسلوكيات ثقافية أجنبية على حساب التراث والتنوع الثقافى المحلى، فإن دورنا كمصريين هو حفظ ذلك التراث الشفاهى وتوثيقه ونقله، وأصبح واجبًا وضرورة حتمية. 

 ووسط البلد بالنسبة لى كما للمصريين جميعًا لى فيها سرديات وحكايات أعتز بمشاركتها مع الآخرين، كما الإسكندرية للمخرج المصرى العالمى الذى استلهمت منه العنوان، فكما كان الفيلم يروى السيرة الذاتية ليوسف شاهين فى سياق درامى رصد فيه التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التى طرأت على المجتمع، أدعو كل مصرى للمشاركة فى مبادرة ليروى سرديته عن وسط البلد وجمعها فى سياق «التراث الشفاهي» لوسط القاهرة من خلال مبادرة «ناس وسط البلد» التى توثق هذا التراث وتنشره لأجيال ربما لم تنعم بقدر كافٍ بجمال وسط البلد.

وللحديث بقية.