السبت 19 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ثلاثية الهيمنة على سوريا ـ 1

«ممر داوود» كعب أخيل الإسرائيلى لتطويق دمشق

وضعت حالة التغير السياسية فى سوريا، دمشق فى بؤرة استهداف المشاريع المعولمة الساعية للسيطرة على الجغرافيا العربية، باستغلال عمقها الاستراتيجى وجغرافيتها الحاكمة فى معادلة توازنات القوى الإقليمية والدولية، فمن «ممر داوود» الخادم لمشاريع الهيمنة والاحتلال الإسرائيلية إلى الشرق الأوسط الجديد المعضد لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية ونهاية بأنبوب الغاز القطرى- الأوروبى لتقف سوريا فى مفترق الطرق الثلاث محاولة إيجاد مخرج لوضعها المعقد ولمستقبلها المحفوف بالمخاطر والعقبات. 



هذا التداعى المتشابك ينسجم مع رغبة «إجبارية» للإدارة الجديدة الحاكمة فى دمشق للاندماج فى المجتمع العربى والإقليمى والدولى والتماهى قسريًا مع تلك المشروعات، فى محاولة لـ«غسل» سمعتها السابقة كفصيل متطرف وهو ما يعطى قوى السيطرة على المشروعات الثلاثة «فرصة» للتعامل معها كـ«غنيمة» متجاهلاً كفاحًا ونضالًا خاضه الشعب السورى على مدار 13 عامًا من الحرب الأهلية فى سوريا أدى إلى مئات الآلاف من الشهداء وملايين الضحايا والمهجرين.

 

من تجمعات الدروز فى سوريا
من تجمعات الدروز فى سوريا

 

وسوف نقدم فى هذه الحلقات الثلاث قراءة للمشروعات الثلاثة، وتأثيرها على المشهد السورى الجديد، فى محاولة للفهم وكيفية التعامل المستقبلى مع سوريا الجديدة، وما قد تحمله من تطورات دراماتيكية سيكون لها انعكاساتها السياسية والاقتصادية على مستقبلها، كما سنركز على طريقة تعاطى الإدارة الجديدة معها، وهل ستكون وفق مرتكزات الدولة الوطنية السورية ومؤسساتها أم وفق أيديولوجيتها السياسية البراجماتية التى انتهجتها منذ سقوط نظام الأسد. 

مشروع ممر «داوود»

يشكل مشروع ممر «داوود» جزءًا من المطامع الإسرائيلية فى الأراضى السورية، وجزءًا من أحلام تل أبيب التوسعية داخل المنطقة العربية، والتى تريد من خلالها توسيع مساحات الأرض الخاضعة لسيطرتها وربطها بمناطق نفوذها وتحالفاتها فى آسيا وباقى دول العالم، وفرض سياسة الأمر الواقع على الدول العربية لدفعها إلى القبول بدمجها داخل الخارطة العربية ولكن وفق رؤيتها القائمة على فرض الهيمنة، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو مؤخرًا بقوله: لن نسمح لقوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السورى الجديد بدخول الأراضى الواقعة جنوب دمشق ويجب نزع السلاح من جنوب سوريا، وتحديدًا فى محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء. 

حديث بنيامين نتنياهو يحدد ملامح مشروع ممر «داوود» بدقة باعتباره جزءًا أساسيًا من المطامع الإسرائيلية فى الجنوب السورى، التى تتحدد فى شكل ممر يبدأ من جنوب سوريا ليتمدد على خارطة يتم تشكيلها حاليًا لتغيير ملامح الشرق الأوسط الحالى، سبق تلك الخريطة بأخرى أكثر وضوحًا عرضها فى أكتوبر 2024 على منبر الأمم المتحدة، لتشكل النقطة المفصلية لهذا التوجه الذى تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كامل، وتتجه إليه الأمور فى المنطقة الشرق أوسطية بسبب الواقع الإقليمى الحالى الذى يشوبه التعقيد والتشابكات وتصارع المصالح الإقليمية والدولية. 

 

 

 

وتستند إسرائيل فى طرحها لتأسيس ممر داوود على نبوءات توراتية افتراضية تسعى لتحقيقها على أرض سوريا بهدف اختراق عمق الإقليم العربى المجاور لها، فمن مرتفعات الجولان حتى نهر الفرات إلى البحر الأبيض المتوسط، مرورًا بدرعا والسويداء والرقة ودير الزور والبو كمال والتنف، يربط «إسرائيل» بالفرات ليطوّق الحدود العراقية، ويكون منفذاً برياً لـ«إسرائيل»، يفضّ عزلتها وحصارها ويزيد من الحركة التجارية، وتقام فيه مشروعات للطاقة، إلى جانب المشروعات السياحية، ويعزّز من قوة «إسرائيل» العسكرية ويوسع من دورها الإقليمى ويشكل ضغطًا كبيرًا على العراق وتركيا وإيران. 

وتشكل الأراضى السورية جزءًا محوريًا من «ممر داوود» كإحدى الخطوات الأولية لما يسمى «إسرائيل الكبرى» وتعد منطقة الجنوب السورى فى محافظات درعا والسويداء والتنف ودير الزور معبرًا له للوصول إلى نهر الفرات فى العراق، مشكلاً مجالاً جغرافيًا لهذا الممر بما تشكله أراضيها الزراعية الخصبة ومواردها المائية والنفطية الغنية من أهمية اقتصادية تعد مطمعاً لتل أبيب التى بدأت فى خطواتها العملية نحو تنفيذه فى ديسمبر 2024 وعقب سقوط نظام بشار الأسد مباشرة بالاستيلاء على المنطقة منزوعة السلاح التى تفصل بينها وبين مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وشرعت فى إنشاء ذلك الممر عبر شق طريق بطول ثمانية كيلومترات جنوب شرق قرية مجدل شمس وعلى امتداد خط ألفا.

 

خريطة المنطقة كما عرضها نتنياهو
خريطة المنطقة كما عرضها نتنياهو

 

ولم تكتف إسرائيل بذلك بل عملت على ترسيخ وجودها بإنشاء 7 قواعد عسكرية فى الجنوب السوري، تمتد من جبل الشيخ فى الشمال حتى تل «قودنة» فى الجنوب، بالقرب من المثلث الحدودى الذى يربط سوريا بالأردن، وهى جزء من مخطط لبناء تسعة مواقع عسكرية أعلن عنه الجيش الإسرائيلى ويشمل أيضًا رفع عدد الألوية الإسرائيلية العاملة فى الجنوب السورى إلى ثلاثة ألوية، مقارنة بكتيبة ونصف فقط قبل 7 أكتوبر 2023، ويأتى ذلك بعد أن توغلت داخل الأراضى السورية لمسافة 25 كيلومترًا من العاصمة دمشق وتخطط للبقاء طويل الأمد فى المناطق التى سيطرت عليها داخل مرتفعات الجولان، وهو ما أكد عليه وزير الدفاع الإسرائيلى يسرائيل كاتس خلال زيارته إلى الجانب السورى من جبل الشيخ من أن قواته ستبقى فى سوريا إلى أجل غير مسمى.

رد خجول!

ويدعم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، خطط إسرائيل تجاه سوريا وممر داوود بقوله: «إن إسرائيل ستعمل على منع ظهور أى تهديد أو انطلاق هجمات بالقرب من حدودنا فى جنوب غرب سوريا وإذا كانت هناك اليوم أى قوة فى سوريا تعتقد أن إسرائيل ستسمح لقوات معادية أخرى باستخدام سوريا كقاعدة عمليات ضدنا، فهى مخطئة كثيرًا».

وبرغم هذا التوجه المعادى لا تزال السلطات السورية الجديدة «خجولة» فى مواجهة هذا التدخل، مما شكل تحديًا كبيرًا لها، خاصة وأنها تعهدت ضمنيًا بعدم رغبتها فى مواجهة إسرائيل بالرغم من عدم تعهد أى مكون سورى بذلك، حتى الجماعات المسلحة السورية الأخرى لم تتعهد بذلك للكيان الإسرائيلى على الرغم من التزامها الصمت فى وجه أعماله الاحتلالية.

وهناك العديد من المحفزات السياسية التى تدفع نحو تشكيل هذا الممر الخادم للمصالح الإسرائيلية على رأسها عدم وجود إرادة سياسية دافعة من قبل الإدارة الانتقالية فى سوريا للتعاطى بجدية مع مطالبات وحقوق الأقليات وعلى رأسهم الدروز فى الجنوب والأكراد فى الشمال الشرقى وهو الأمر الذى يدفع نحو إمكانية تنفيذه، يضاف إلى ذلك ما أحدثته المواجهة الإسرائيلية من تغير فى حالة الميليشيات شبه العسكرية ببعض الدول العربية والتى نتج عنها التخلص من الميليشيات الإيرانية التى ضاقت بها ذرعًا بسبب الفوضى التى أحدثتها على أراضيها كما أنها شكلت جزءًا من إحكام السيطرة على كل من حزب الله فى لبنان والحشد الشعبى فى العراق وفرصة مواتية لتفكيك النفوذ الإيرانى بها. 

 

الانتشار الإسرائيلى فى جنوب سوريا
الانتشار الإسرائيلى فى جنوب سوريا

 

على الجانب الآخر يشكل وجوده خطرًا محدقًا على وحدة سوريا وتقسيم «مضر» لأراضيها وسيدفع إلى تقسيم سوريا إلى دويلات وفق «حدود الدم»، و«إعادة هندسة خرائط المشرق العربى»، كما تحدث عنها كل من البريطانى برنارد لويس والأمريكى رالف بيترز وفى ظل الأطماع الإقليمية والدولية فى سوريا؛ فإن هذا السيناريو ليس مستبعدًا على الإطلاق، ولكن وعلى الجانب المتعلق بالكلفة يحتاج تنفيذ ممر داوود إلى تخصيص عدة مليارات من الدولارات وهو الأمر الذى يصعب تحقيقه فى ظل المشاكل الاقتصادية الحادة التى تعانى منها إسرائيل بسبب حرب غزة، وغموض التوجه الأمريكى نحو دعم ذلك المشروع فى ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، يضاف إلى ذلك الكلفة العسكرية التى تتطلب إقامة عشرات القواعد العسكرية وما يتطلبه ذلك من وسائل دعم لوجيستية باهظة التكاليف.

وبذلك يعد مشروع ممر داوود جزءًا من مخطط استراتيجى إسرائيلى لتوسيع هيمنتها على الجغرافيات المحيطة بها، وأن استغلالها للأوضاع الحالية فى سوريا ربما يساعدها بعض الوقت على تحقيق ذلك.

لكن على المدى البعيد، فمن غير المستبعد أن يواجه هذا التوجه رد فعل عسكرى عنيف خاصة من جانب الجماعات المهيمنة الجديدة على المشهد السورى بسبب ضغط الرأى العام أو لتحقيق مكاسب سياسية على حساب قضايا وطنية سورية تاريخية.