
عادل حافظ
نهضة اليابان بعد القنبلة النووية
«مشرق الشمس» هو معنى ورمز لعلَم الدولة اليابانية، فهى تتكون من مجموعة جزر تقع عند مفترق الطرق بين المحيط الهادئ وبحر اليابان وبحر الصين الشرقى بشرق القارة الآسيوية. وهى الدولة الوحيدة التى تعرضت لضربة نووية فى الحرب العالمية الثانية.
بعد عام 1945، تحولت المدن اليابانية إلى أنقاض، وتوقف الإنتاج الصناعى تقريبًا، وأصبح الشعب يواجه مستقبلًا غامضًا. انتشرت المجاعة واليأس فى الشوارع بينما كافحت الأمة لاستيعاب هزيمتها.
وسط هذا الخراب، برز «شيجيرو يوشيدا» بصفته رجل برؤية واضحة، وخطة محكمة، وعزيمة لا تتزعزع لقيادة بلاده نحو مستقبل لم يكن يتخيله أحد.
وُلد شيجيرو فى عائلة من أصول الساموراي، بمنزل صديق والده كينزو يوشيدا - رجل أعمال ناجح درس فى إنجلترا -. حين ذاك، كان تسونا تاكيوتش - الوالد - ناشطًا فى حركة الحرية وحقوق الشعب. ونتيجة لنشاطه المعارض للحكومة سجِن بتهمة التآمر ضدها.
كان شيجيرو الابن الخامس لـ«تسونا» فى حين كان صديق والده كينزو يوشيدا لم يرزق بأبناء. فقام كينزو بتبنى الطفل ذى الثلاثة أعوام ليحمل شيجيرو اسم عائلة يوشيدا.
كنتيجة لهذا المزيج الفريد بين التقاليد اليابانية العريقة والتأثيرات الغربية شكلت رؤية يوشيدا الابن للعالم، حيث تعلم أن يحترم الماضى لكنه فى الوقت ذاته يؤمن بالمستقبل.

عند وصوله للمرحلة الجامعية، التحق بجامعة الامبراطورية بـ«طوكيو»، حيث درس القانون وأتقن فنون الدبلوماسية والاستراتيجية. لكنه لم يكتفِ بالتعليم الأكاديمي؛ بل سعى وراء المعرفة من خلال مراقبة للأحداث من حوله.
ومرت السنوات، ليتخرج فى كلية الحقوق عام 1906، وينضم إلى فريق وزارة الخارجية اليابانية كمساعد فى وفد بلاده بمؤتمر باريس للسلام عام 1918.
تقلد يوشيدا مجموعة من المناصب، عمل قنصلاً فى مدينة موكدين - مدينة شنيانج حاليًا - بالصين عام 1925، ثم أصبح نائبًا لوزير الخارجية عام 1928 كما شغل منصب سفير فوق العادة فى إنجلترا عام 1936. فخلال مسيرته الدبلوماسية، طوّر فهمًا عميقًا للعلاقات الدولية والاستراتيجيات الاقتصادية. طبقًا لما لموقع «المكتبة الوطنية للبرلمان الياباني».
فى هذه الأثناء، كان العديد من السياسيين اليابانيين يدفعون نحو التوسع العسكري، ولكن كان لـ«يوشيدا» رأى آخر فكان يؤمن بأن القوة الحقيقية تأتى بالنمو الاقتصادى والشراكات العالمية.
وفى عام 1945، تم اعتقاله بسبب مواقفه المعارضة للحرب، ودعوته إلى الاستسلام المبكر لليابان. وتم إطلاق سراحه بعد الاحتلال الأمريكى والحلفاء لليابان.
شكلت هذه الفترة نقطة للاستمرار بقوة بمعتقداته بأن الإيمان بالمرونة، والانضباط، وقوة النمو الذاتي، هى حجر الزاوية للعبور بالبلاد إلى شط الأمان. فذكر موقع «الموسوعة البريطانية» أنه وهو فى السجن، لم يتراجع. وظل عقله يقظًا، ورؤيته ثابتة.
فى هذه المرحلة الحرجة، كانت البلاد بحاجة إلى قيادة حكيمة يمكنها أن تقودها عبر الأزمات. فأصبح يوشيدا رئيسًا للوزراء عام 1946. فوقف ليس كزعيم يسعى للانتقام، بل كرجل أمضى حياته يستعد لهذه اللحظة.
فى السياق نفسه، ركز يوشيدا على إعادة إعمار الاقتصاد. صاغ ما سيُعرف لاحقًا بـ «عقيدة يوشيدا»، وهى سياسة أعطت الأولوية للصناعة، والتكنولوجيا، والتجارة على حساب التوسع العسكري. كان يؤمن بأن القوة الحقيقية لليابان سوف تأتى من الابتكار، والمرونة، والتأثير الاقتصادى.
فى يناير 1950، صرح «إن حق الدفاع عن النفس فى حالة اليابان سيكون حق الدفاع عن النفس دون اللجوء إلى القوة المسلحة». حسب ما ذكره جون دبليو داور فى كتابه «احتضان الهزيمة».
وفى عام 1951، وقّع معاهدة سان فرانسيسكو، التى أعادت السيادة لليابان رسميًا وأنهت الاحتلال. فازدهرت الصناعات، ودخلت اليابان حقبة من النمو الاقتصادى غير المسبوق والتى ستُعرف لاحقًا باسم «المعجزة اليابانية». جاء هذا المصطلح كفصل كامل فى كتاب «اليابان فى المرتبة الأولى» بقلم عزرا فوجل.
عندما تنحى يوشيدا عن منصبه عام 1954، كانت اليابان قد وضعت قدمها على طريق النجاح. لقد حوّل أمة مهزومة إلى قوة اقتصادية صاعدة. لكن إرثه الحقيقى لم يكن فقط فى السياسة وإبرام الاتفاقيات، بل فى العقلية التى زرعها فى اليابانيين وهى الإيمان بالمرونة، والانضباط، وقوة النمو الذاتى والاستراتيجي. لم يترك وراءه مجرد أمة مزدهرة، بل ترك درسًا خالدًا يتجاوز حدود السياسة والتاريخ.