
د. رانيا يحيي
أيقونة عابرة للزمن من قلب روما
رغم عشقى ومحبتى للكتابة والنقد اللذان أمارسهما لما يُقارب خمسة عشر عامًا، إلا أننى توقفت خلال الأشهر الماضية، بعد أن تم تكليفى بمهمة قومية وطنية تستحق التفرغ والاهتمام، ما دعانى أسعى للتركيز بكل طاقتى من أجل إنجاح هذه المسئولية المشرفة، وفى الواقع قبل أن أغوص فى الحديث عنها، أتوقف عند محطات رئيسية فى رحلتى المهنية الثقافية، فلكل منها اعتزاز ومكانة خاصة، الأولى حينما شرفت با نضمامى لعضوية المجلس القومى للمرأة بقرار فخامة رئيس الجمهورية عام 2016 وما مثله لى من تشريف، حفز داخلى مواصلة النجاح والسير على نفس الخطى التى آمنت بها منذ سنوات دراستى، والمحطة الثانية حصولى على جائزة الدولة للتفوق فى الفنون عام 2023 باعتبارها تتويج لرحلة كفاح مهنى بدأت من المرحلة الجامعية حين التحقت بكلية الحقوق جامعة القاهرة بجانب دراستى المحببة بالكونسيرفتوار وتعاقدى مع دار الأوبرا أثناء سنوات الدراسة ما جعلها بداية شاقة لكن ممتعة، واستمرت هكذا بصعوبات الحياة ومعوقاتها وكيفية التغلب عليها بالصمود والتحدى والإصرار على النجاح بين ملفات العمل الفنى والثقافى والتطوعى بالتوازى، وهو ما بات مجددًا لطاقتى ومحمسًا لمزيد من الإنجاز والعطاء حتى شرفت بجائزة تحمل اسم بلدى العظيم مصر، أما الثالثة فتمثلت فى تقلدى منصب عميد المعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون لما لهذا المعهد من قيمة حقيقية ربما لا يدركها الكثيرون، بينما هو قوة حقيقية دافعة للعمل الفنى والإبداعى وله دور معرفى وتوعوى غاية فى الأهمية وبحاجة إلى إعادة النظر لقيمته المستحقة.
أما الآن فأنتقل للحديث عن التكليف الأخير الذى شرفتنى به بلدى وشرفنى به معالى وزير الثقافة، لتولى رئاسة الأكاديمية المصرية للفنون بروما، هذا المكان الخلاب وسط العاصمة الإيطالية روما، فى واحد من أجمل وأهم المواقع فى قلب عاصمة الفن والجمال، إنها الأكاديمية التى تحاط بعدد ستة عشر أكاديمية مناظرة من أكاديميات الدول العظمى والمتقدمة، بينما يقف مبنى الأكاديمية المصرية بتفرده وعبقه وتاريخه بشموخ وإجلال وسط هذه الأكاديميات باعتبارها الأكاديمية العربية الوحيدة، حيث يمثل واجهة حضارية وثقافية ليس لها نظير، ولها عظيم التقدير.
لم تكن تلك المرة الأولى التى تطأ قدمى هذا المبنى الرفيع، حيث شاركت بإحدى أنشطتها منذ أكثر من ربع قرن بعد تخرجى مباشرة من الكونسيرفتوار، أحببت هذا الصرح بمكانته وعبقه الخاص، إلا أننى لم أكن أتصور أن يكون تواجدى فى المرة التالية بعد تقلدى رئاسته ما منحنى مزيدًا من الإصرار على مواصلة النجاح، لكن هذه المرة ليس نجاحًا شخصيًا، وإنما نجاح لبلدى العظيم وتمثيله بالشكل اللائق، ووضع تاريخه العريق المقدر أمام الجمهور الإيطالى والأوروبى، ومنح هويتنا الثقافية المتفردة ما تستحقه من اهتمام وتركيز، بجانب فتح آفاق التعاون مع المؤسسات الإيطالية والأوروبية وإثبات تفرد وريادة الدولة المصرية بفنونها وعظمتها وعظمة مبدعيها على مر العصور.
مهمة شرفت مسيرتى المهنية لاستكمال مسيرة من سبقونى وأدعو أن تكون مثمرة، تليق بالمكان والمكانة، وبقدر بيتى الأول أكاديمية الفنون العريقة والتى أتشرف بكونى أول من يتقلد هذا المنصب من أساتذتها، فحقًا هو فخر واعتزاز مقدر، يثير كل الدوافع لتجاوز جميع التحديات لإنجاح المهمة لتستمر مصر بقوتها الناعمة أيقونة ورمز عابر للزمن.