السيدة التى كشفت شعرها دفاعًا عن الخليفة

رشدى الدقن
لو لقيت حد يحبك، فأنت إنسان محظوظ،... وإذا كان وفيًا صادقًا فى حبه، فأنت أكثر الناس حظًا.
الوفاء.. مش كلمة ولا سلوك.. هو طبيعة فى النفس الذكية.. تصرف يومى ليس وليد لحظة ولا موقف.. حكايتنا اليوم عن الوفاء.. ومن أجمل قصص الوفاء فى الدنيا وفاء السيدة «نائلة» زوجة سيدنا عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين.
تعالوا معًا نعود بالزمن أكثر من 1400 سنة.. وتحديدًا فى يوم الجمعة 18 ذى الحجة سنة 35 هجرية - 654 ميلادية.
سيدنا عثمان بن عفان صائم.. بيقرأ القرآن ورافض إن حد من الصحابة يدافع عنه أو يقاتل دفاعًا عنه... فى هذا الوقت كان القتلة محاصرين بيته من 40 يومًا بالتمام والكمال.
السيدة «نائلة» لم تترك البيت، تجلس إلى جوار سيدنا عثمان رافضة حتى مناقشة فكرة أن تخرج وتتركه لو ساعة واحدة تستريح فيها من المعاناة..
شريط حياتها مع سيدنا عثمان بيمر فى الذاكرة مشهد مشهد.. أول مشهد فيه وهى تدخل بيته بعد سفر طويل.. فهى قادمة من بلاد الشام «الكوفة».. تجلس بعيدًا عنه.. فانظروا كيف تعامل معها وهو خليفة المسلمين والرجل شديد الثراء بمنتهى الرقة والرقى والطيبة.. خلع العمامة من على رأسه.. فظهرت صلعته فقال لها: (يا بنت الفرافصة لا يهولنك ما ترين من صلعى فإن تحته ما تحبين)، يعنى ماتزعليش إنى راجل أصلع.. نظرت وسكتت.

فقال لها سيدنا عثمان.. إما أن تقومى لى أو أقوم لك.. يا تيجى جنبى يا آجى أنا جنبك.. خلى بالك اللى بيقول كده خليفة المسلمين.. سيدنا عثمان الملقب بـ«ذى النورين».
تعالوا نرجع بسرعة من الزمن الجميل لزماننا والنصيحة المتداولة «ادبح لها القطة أو ادبحى له القطة من أول يوم».
نرجع تانى لسيدنا عثمان.. وكيف استقبلت السيدة نائلة هذا الكلام وماذا فعلت.. ويا رب نتعلم منها.
قالت: (أمّا ما ذكرت عن الصلع فإنّى من النساء التى تحب الصلع، وأمّا قولك إمّا أن تقومى إليّ وإمّا أن أقوم إليك، فوالله إنّ ما عانيته من قطع الصحراء الواسعة، والسفر الطويل، لأبعد ما بينى وبينك.. بل أقوم إليك).
يعنى ببساطة ووضوح وفصاحة لسان وأدب شديد مع الزوج... أنا ست بحب الصلع.. وسفرى فى الصحراء مش أقصر من المسافة اللى بينى وبينك.. أنا اللى آجى لك.. شفتم عقل وحكمة أكتر من كده؟.. خلوا بالكم فى الوقت ده السيدة نائلة عمرها 16 سنة.
ثمّ قامت وجلست إلى جواره، فمسح على رأسها ودعا لها بالبركة، فعاشت فى بيت زوجها محبّةً ومطيعةً، وغمرها بكرمه وحبّه.
السيدة نائلة تفيق من ذكرياتها على القتلة يقتحمون جدار بيت الخليفة رافعين السيوف...فتدافع عنه بقوة وتخلع حجابها وتظهر شعرها على أمل يكون عندهم نخوة ورجولة ويتكسفوا على دمهم ويرجعوا.
فى هذه اللحظة تسمع صوت الخليفة عثمان يأمرها أن تغطى شعرها ويقول لها دخولهم علىّ وقتلى أهون عندى من حرمة شعرك.. يعنى.. يقتلونى لكن ما حدش يشوف شعرك.
السيدة نائلة بتغطى شعرها وتلتفت لتجد قاتلًا منهم يجرى بسيفه نحو سيدنا عثمان بتدافع عنه بيديها فالسيف بيقطع صوابعها.
قاتل تانى بيهاجم سيدنا عثمان ويضربه بسيفه فتتلقى الضربة معه وتتقطع صوابع يدها الأخرى.
يا الله على الوفاء.. تدافع عن حبها بحياتها كلها.
استشهد سيدنا عثمان وذهب إلى ربه وهو صائم.
والسيدة نائلة وضعت رأسه فى حجرها وجلست تبكى.. وفى اليوم التالى مساء.. ذهبت تنير الطريق إلى البقاع ليتم دفن الجسد الشريف.
هل انتهت قصة وفاء السيدة نائلة لسيدنا عثمان؟ أبدًا..
أخذت قميصه وعليه دمه وأرسلته إلى معاوية بن أبى سفيان ومعه أصابع يدها وخطاب يفيض حزنًا تطلب فيه القصاص لحبيبها وزوجها.

وعاشت السيدة نائلة بعده وفية لحبه.. خطبها كثيرون فهى جميلة وما زالت شابة فكانت تقول: والله لا أستبدل الخليفة بأحد.
حتى معاوية بن أبى سفيان خطبها لنفسه..فسألت النساء ما أجمل شيء فىّ.. قالوا: فمك وأسنانك.. فكسرت أسنانها وأرسلتها إلى معاوية.. حتى لا يطمع أحد فى جمالها بعد.
الوفاء طبيعة فى النفس الذكية.. تصرف يومى ليس وليد لحظة أو موقف.. ألم أقل لكم من يجد وفاء من حبيبه هو أسعد خلق الله.. وأكثرهم حظًا.