السبت 10 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هدايا بلا بريد فى عيد الأم.. «صدقة» وحنين

عندما يفقد أحدنا أمه، فإنه يخسر جزءًا من روحه، فالأم  الأمان الأول، والملجأ الدائم، والظل الذى لا يُستبدل.. وحين يهل عيد الأم   من كل عام، يجد الأبناء الذين فقدوا أمهاتهم، أنفسهم أمام موجة من الذكريات التى تعود بكل تفاصيلها، ولحظات كانوا يختبئون فيها بين ذراعيها، ويشمون رائحتها التى كانت تملأ البيت، وكلماتها التى كانت تسكن القلوب.



 

فى شهر مارس تُضاء البيوت بفرحة الاحتفال بـ«عيد الأم»، وتمتلئ بالهدايا والورود، وكلمات مفعمة بالحب والامتنان، كما يحمل هذا اليوم أيضًا وجهًا آخر أكثر هدوءًا، لا يقل حبًا ولا شوقًا، إنه وجه الأبناء الذين فقدوا أمهاتهم، فتغمر تلك المناسبة الفراغ، وتتخللها لحظات من الحنين، والذكريات التى تعيش بداخلهم.

 أما هداياهم، فهى من نوع خاص، لا تشترى ولا تلف بالأشرطة الملونة، بل تتجلى فى الدعاء، والتضرع إلى الله بأن يتغمدهن برحمته، ويغفر لهن، ويجعل مرتبتهن مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا.

 

 

 

وعندما يتزامن «عيد الأم» مع أجواء رمضانية مميزة، يضفى الشهر الفضيل على هذه المشاعر بعدًا روحانيًا أكثر عمقًا، فتتحول عبارات الامتنان والهدايا المادية إلى صدقات جارية، وختم للقرآن، ودعوات لا تنقطع، فهى هدايا معنوية قيمة، وذات أثر كبير لا يمحى.

ترصد مجلة «صباح الخير» كيف يمر «عيد الأم» على من غابت عنهم أمهاتهم؟ وكيف يحولون حزن الفقد إلى طاقة من الوفاء والعرفان بالجميل؟

الذكريات

تروى شروق محمد  36 عامًا، تجربتها مع «عيد الأم» بعد فقدان والدتها منذ 7 سنوات، قائلة «اختلف هذا اليوم كثيرًا، فلم يعد كما كان، حيث كنت أخرج لشراء الهدايا بلهفة، ولم يعد هناك من ينتظرنى بفرحة عند الباب، أصبح هذا اليوم من أصعب الأوقات التى تمر علىَّ، فأفتح صندوق ذكرياتى، وأستعيد كل شىء عن أمى، أتأمل صورها، وأسمع صوتها فى مخيلتى، وأحاول أن أحتفل بها بطريقتى الخاصة».

وتضيف: كنت أبتعد عن وسائل التواصل الاجتماعي، حتى لا أرى منشورات التهانى والاحتفالات، حيث كانت تؤلمنى، وتشعرنى بالغربة والفراغ الذى تركته والدتى، ولا يعوضنى عنها أحد، لكن من لطف ربى بى، أنه بعد زواجى رزقت بطفل، فتبدل هذا الشعور بداخلى إلى فرحة لا مثيل لها، وصرت أسترجع كلمات أمى ونصائحها، وأحاول أن أزرع فى طفلى معانى الحب والوفاء التى غرستها أمى فى، وكأنها لا زالت حاضرة بيننا.

 ورغم أن هذا اليوم يشكل ذكرى مؤلمة لكثيرين، فإن البعض يختار مواجهته بروح مختلفة، فلا يجعلونه يومًا للحزن، بل فرصة لتحويل الفقد إلى عرفان، والذكريات إلى أفعال تُعبر عن حبهم بطرق جديدة.

ويأتى «عيد الأم» هذا العام متزامنًا مع شهر رمضان المبارك، ليمنح الأبناء الذين فقدوا أمهاتهم، فرصة استثنائية للتعبير عن وفائهم لأمهاتم بطرق روحانية، مثل إخراج الصدقات، وإطعام الفقراء، وغيرهما من أعمال الخير، ليتجسد الحنين فى صورة أعمال تصل إليهن كأجمل هدية.

عمر أحمد 40 عامًا، فقد والدته وهو طفل، قال: فى السنوات الماضية كان يمر عليه عيد الأم بثقل شديد، لدرجة أنه كان يتجاهل هذا الشهر بأكمله، لكن مع مرور الوقت، تغير تفكيره، وواصل يقول: أصبحت أنظر إلى الأمر من زاوية مختلفة، وبدلا من الغرق فى الحزن أو إنكاره، تعلمت أن أحوله إلى حب وشوق، وكأننى أرى والدتى سعيدة بى رغم غيابها.

وأضاف: « وجدت فى رمضان فرصة مميزة لأهدى أمى شيئًا حقيقيًا، وشعرت بقربى منها رغم رحيلها، إذ أصبحت أخرج صدقة جارية باسمها، وأدعو لها بعد كل صلاة، فالعبادات تضفى على هذا العيد بعدًا روحانيًا مختلفًا، وجعلتنى أشعر وكأنها مازالت على تواصل معى، حتى وإن كان هذا من عالم آخر».

 

 

 

رسائل من الغائبات

التصدق باسم المتوفى من أسمى صور البر، حيث يمتد أثره بالخير، ويبقى ذكرى حية فى الدنيا والآخرة. ومع حلول «عيد الأم» فى هذه الأيام المباركة، تزداد هذه الفكرة قوة وتأثيرًا، حيث يختار البعض أن يحولوا هذا اليوم إلى فرصة للعطاء باسم أمهاتهم، فتتحول الذكرى من حزن صامت إلى خير يدوم أثره.

تتحدث بيلة محمود عن ارتباطها العميق بوالدتها، التى كانت كل شىء فى حياتها، فتقول: «لم أفقد أمى فقط، ولكن فقدت الأخت والصديقة والحبيبة، بل طعم الحياة ذاته، فمنذ عام رحلت والدتى ثم جدتى تباعًا،  وأنا أشعر أن عقد حياتى انفرط، وأن عالمى بأكمله يكاد يكون قد انتهى».

وتابعت، فى أشد لحظات حزنى، رأيت أمى فى المنام، وكأنها تحمل لى رسالة من السماء، طلبت منى أن أكف عن البكاء، وأن أخرج من حالة الحزن، وأن أتقرب إلى الله ليخفف عنى.

وشعرت أن هذه كانت رسالتها الأخيرة، فقررت أن أرسل لها هدية مختلفة هذا العام، أعددت حقائب إفطار للصائمين على روحها، وتبرعت لأماكن كانت تحبها، كما استخدمت هاتفها للاتصال بأحبائها، ليذكروها بدعوة صادقة دون أن أطلب ذلك منهم، عندها، أدركت أن العيد الحقيقى لها ليس فى باقة زهور ستذبل بعد أيام، بل فى أثر يبقى، وفى دعوات تظل تذكر اسمها.

هدايا بلا بريد

حين تعم الفرحة البيوت، هناك قلوب تتزين بالذكرى والدعاء، حيث لا يستطيع الأبناء إرسال رسالة نصية، أو مكالمة هاتفية لأمهاتهم الراحلات فى عيدهن، لكنهم يحملون رسائلهم إلى السماء، عبر الدعاء الذى لا ينقطع، فيجلسون فى هدوء، ويتذكرون اللحظات التى عاشوها معهن، والدروس التى تركتها فى حياتهم، ويرفعون أيديهم يهمسون بأسمائهن، ويرسلون كلماتهم الخفية المليئة بالدعاء، والحنين والحب الحاضر رغم غيابهن.

 

 

 

يقول «أمجد سامح»، الذى فقد والدته منذ 10 سنوات «كنت أرى عيد الأم يومًا صعبًا، لا أريد أن أتذكره، لكننى مع الوقت أدركت أن أمى لم ترحل عن حياتى، بل بقيت فى تفاصيلها، وفى دعواتها التى لا تزال تحميني، وأراها تستحق التكريم بطرق تتجاوز الهدايا التقليدية، بالصدقات والدعوات والمبادرات الإنسانية، لأنها تعبير عن حب لا ينسى، ووفاء لا يموت.

بعض الأبناء يختارون تحويل ألم الفقد إلى نور، فيزورون دور الأيتام، يحملون الهدايا والابتسامات لمن فقدوا حنان الأم، أو يكفلون أسرة محتاجة، ليكونوا سببًا فى رسم بسمة على وجه أم أخرى، وكأنهم بهذا يرسلون هدية إلى أمهاتهم، ولكن بلا بريد، تصل عبر قلوب تملأ بالامتنان.