
عاطف كامل
العملة الجيدة تطرد الرديئة
الدراما ليست مجرد انعكاس للواقع، بل هى أداة لفهمه وتحليله وإعادة تشكيله. فإذا اكتفت الدراما بعكس الواقع كما هو، فقد تصبح مجرد تسجيل للأحداث دون قيمة إبداعية أو تأثير.
أما إذا اتجهت فقط إلى تهذيب الواقع وتجميله دون الاقتراب من مشكلاته الحقيقية، فقد تفقد مصداقيتها وتتسبب فى تقديم صورة زائفة للمجتمع.
لذلك، يجب أن تحقق الدراما توازنًا بين عكس الواقع وتهذيبه؛ بأن تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية بجرأة، لكنها فى الوقت نفسه تقدم رؤية تحفّز على التغيير الإيجابي، سواء من خلال النقد، أو طرح البدائل، أو تقديم نماذج ملهمة. فالدراما الحقيقية هى التى تجعل المشاهد يرى نفسه فى مرآتها، لكنها أيضًا تدفعه للتفكير والتطور.
رمضان هذا العام كان بمثابة نقطة تحول فى مسار الدراما المصرية، حيث بدأت الأعمال الجيدة تفرض نفسها وتكتسب مكانتها المستحقة، بينما تراجعت المسلسلات التى كانت تعتمد على العنف، الإسفاف، والمبالغة فى المشاهد الدرامية المكررة. هذه الظاهرة تعكس حقيقة اقتصادية وثقافية قديمة: «العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة»، وهو ما حدث بالفعل فى موسم الدراما الرمضانية 2025.
لأعوام طويلة، اعتمدت بعض الأعمال الدرامية على تكرار نماذج محددة، حيث العنف المفرط والخيانة الزوجية والإثارة السطحية كانت هى العناوين البارزة، لكن مع مرور الوقت، بدأ الجمهور ينفر من هذه التيمات المستهلكة، وبات يبحث عن أعمال تمس وجدانه، وتحترم ذكاءه، وتناقش قضاياه الحقيقية.
هذا العام، لاحظنا أن المسلسلات ذات المضمون الهادف والأداء الراقى جذبت اهتمام المشاهدين، وأثبتت أن العمل الجيد قادر على إزاحة الأعمال الضعيفة من الساحة، لا سيما مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى التى أصبحت منصة للحكم الفورى على جودة أى عمل.
فى هذا الموسم، برزت مجموعة من الأعمال التى استطاعت أن تعيد للدراما المصرية بريقها وتألقها:
■ «أشغال شقة جدًا»: مسلسل اجتماعى كوميدى يبتعد عن الابتذال ويركز على مشكلات بطريقة ذكية وممتعة وكوميديا الموقف دون افتعال وأداء كوميدى راقٍ دون سخرية أو تنمر أو تشنج ،وهنا يثبت أنه مؤلف ومخرج موهوب هو وشيرين دياب المشاركة فى التأليف وأيضا يضع هشام ماجد ومصطفى غريب فى منطقة كوميدية متقدمة ليصبحا من نجوم العمل
■ «قلبى ومفتاحه»: دراما رومانسية أعادت تقديم الحب بشكل راقٍ، بعيدًا عن القصص المكررة والمبالغات العاطفية والذى يثبت باليقين ويؤكد على موهبة المخرج تامر محسن
■ «نقابل حبيب»: عمل إنسانى بامتياز، تناول العلاقات الاجتماعية بعمق شديد، وطرح تساؤلات مهمة حول الحب، القدر، والفرص الثانية فى الحياة.
هذه الأعمال لم تكتفِ فقط بتقديم قصص محبوكة وأداء متميز، بل أعادت تعريف مفهوم «الدراما الرمضانية»، مؤكدة أن الجمهور يريد محتوى جادًا وملهمًا، وليس مجرد تسلية وقتية.
لدينا جيل جديد من المسلسلات القادرة على المنافسة عربيًا ودوليًا لكن الأمر يتطلب وعيًا من صناع المحتوى، بحيث يدركون أن الزمن قد تغير، وأن الجمهور أصبح أكثر وعيًا وانتقاءً لما يشاهده.
النجاح الذى حققته هذه الأعمال الجيدة يجب أن يكون رسالة واضحة: الجودة وحدها هى التى تستمر، أما الرداءة، فمصيرها إلى زوال.