السبت 19 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ذكرى استشهاد «الجنرال الذهبى»

56 عاما مضت على استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض- الجنرال الذهبى الذى استشهد مقبلا غير مدبر على الخطوط الأمامية للجبهة المصرية إبان حرب الاستنزاف عام 1969.



 

 وعليه قامت القوات المسلحة المصرية بتخليد يوم استشهاده ليصبح التاسع من مارس فى كل عام يوم الشهيد وصار تقليدًا عسكريًا نحتفل فيه بجميع شهدائنا الذين ساروا على درب قائدهم وملهمهم.

وفى ذكرى يوم الشهيد نسترجع معا ميلاد وبطولة وقصة استشهاد قائد من قادة الجيش المصرى الذى أصبح أيقونة تزداد توهجا كلما مر الزمان، والتقينا العريف حامد العراقى آخر من تحدث إليه الجنرال الذهبى على الجبهة، ومن حمله على يديه بعد استشهاده.

 

عندما استشهد الفريق أول عبد المنعم رياض، ضرب أروع مثال على التضحية والفداء من أجل الوطن، فرغم كونه رئيسَا لأركان القوات المسلحة فى ذلك الوقت، فإنه كان دائما فى الصفوف الأمامية تأكيدَا على تلاحم القائد مع جنوده فى الميدان.

ووقع الاختيار على يوم 9 مارس ليكون يومًا للشهيد؛ تأكيدَا على أن جميع أفراد القوات المسلحة على قلب رجل واحد يتمنون الشهادة التى هى شرف يتوق له جميع قادة وضباط وصف وجنود القوات المسلحة فى سبيل الدفاع، وحماية الأمن القومى المصرى، وصون مقدسات الوطن.

فعلى مدى الحروب العسكرية التى خاضتها مصر، وانتهاء بحرب القضاء على الإرهاب الأسود الذى نجح أبطال القوات المسلحة فى اقتلاعه من جذوره..قدم أفراد الجيش المصرى أنفسهم فداء للوطن، ومن هنا كان لزاما، وحقا للأجيال القادمة أن تتعرف على بطولات محاربينا، ومن حقهم أن يتعرفوا على أبطال المعارك الذين قدموا العديد من التضحيات من أجل تحرير الأرض واستعادة الكرامة، وعلى رأسهم الشهيد عبد المنعم رياض.

 

 

 

ميلاد بطل

ولد الفريق أول محمد عبد المنعم محمد رياض عبد الله فى قرية سبرباى، إحدى ضواحى مدينة طنطا محافظة الغربية، وكان والده القائم مقام محمد رياض عبد الله قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية.

درس فى كتّاب القرية وتدرج فى التعليم حتى وصل إلى كلية الطب بناءً على رغبة أسرته، لكنه بعد عامين من الدراسة فضّل الالتحاق بالكلية الحربية حيث أنهى دراسته عام 1938، واهتم بالتحصيل العلمى فى العلوم العسكرية والمدنية، حيث نال شهادة الماجستير فى العلوم العسكرية عام 1944، وأتم دراسته معلما للمدفعية المضادة للطائرات بامتياز فى بريطانيا عامى 1945 و1946.

تدرج فى الحياة العسكرية واشترك فى العديد من الحروب

ففى عام 1941 عيّن بعد تخرجه فى سلاح المدفعية، وألحق بإحدى البطاريات المضادة للطائرات فى المنطقة الغربية، وقد اشترك فى الحرب العالمية الثانية.

وخلال عامى 1947 و1948 عمل بإدارة العمليات والخطط فى القاهرة، وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان فى فلسطين خلال حرب فلسطين، ومنح وسام الجدارة الذهبى لقدراته العسكرية.

فى 9 أبريل 1958 سافر فى بعثة تعليمية إلى الاتحاد السوفييتى لإتمام دورة تكتيكية تثقيفية فى الأكاديمية العسكرية العليا، وأتمها بتقدير امتياز، ولقب هناك بالجنرال الذهبى، شغل بعد عودته رئيس أركان سلاح المدفعية عام 1960.

وفى عام 1964 عيّن رئيسا لأركان القيادة العربية الموحدة، ورقّى عام 1966 إلى رتبة فريق، وفى مايو 1967، وبعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والأردن أصبح قائدا لمركز القيادة المتقدم فى عمان. بعد 5يونيو1967 وما ترتب عليها من إعادة بناء الجيش المصرى، قرر الرئيس جمال عبد الناصر تعيين رياض رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة.

فى أول مهمة له، وقع على عاتقه إعادة بناء القوات المسلحة، على مستوى الأسلحة والمعدات، والبناء النفسى وإعادة الثقة إلى نفوس الجنود والضباط، ليتبعها إعادة ثقة الشعب المصرى فى جيشه.

وبناء عليه قرر عبد المنعم رياض مع وزير الحربية محمد فوزى بدء المعارك على الفور وعدم الانتظار لاكتمال البناء، حيث أطلق «حرب الاستنزاف» وقد سميت على هذا الاسم لأن هدفها الرئيسى هو استنزاف قدرات العدو، وإعادة الثقة فى صفوف الجيش المصرى.

بطولات وإنجازات

حقق عبد المنعم رياض انتصارات عسكرية فى المعارك التى خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف مثل معركة رأس العش 1967 التى منع فيها مجموعة من أبطال قوات المشاة المصرية سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بورفؤاد. وتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات يوم 21 أكتوبر 1967، وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامى 1967 و1968، فضلا عن عشرات العمليات للقوات الخاصة فى قلب سيناء.

كما أشرف على خطة تدمير خط بارليف الإسرائيلى الذى كان العقبة الرئيسية أمام عبور القوات المصرية قناة السويس.

وحدد الفريق عبد المنعم رياض يوم السبت 8 مارس 1969 موعدا لبدء تنفيذ خطة تدمير خط بارليف، وفى التوقيت المحدد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لمدة أربع ساعات متواصلة، لتكبّد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر فى ساعات قليلة فى اشتباك عنيف.

فى صباح اليوم التالى لبدء المعارك الأحد 9 مارس 1969 قرر رياض أن يتوجّه إلى الجبهة ليرى عن كثب نتائج المعركة، وأن يزور أكثر المواقع قربا من خط المواجهة، حيث لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترا، فقامت برصده القوات الإسرائيلية التى قامت بتوجيه عدد من القذائف الإسرائيلية على الموقع وانفجرت إحدى طلقات المدفعية قرب رياض الذى استشهد بعد دقائق عن عمر يناهز الخمسين عاما.

 

 

 

شاهد عيان

حكى لنا العريف حامد عبد الحميد العراقى- بطل استطلاع معركة رأس العش وحرب أكتوبر1973 موقفا إنسانيا مخلدا فى قلبه، فهو آخر من تحدث إليه الشهيد عبد المنعم رياض، وأول من حمل جسده الطاهر بعد استشهاده.

قال: يوم 9 من مارس كنت قد طلبت من قائد الكتيبة عمل مركز ملاحظة متقدم يشرف على النقطة القوية المقابلة لمستشفى نمرة 6 وقد وافق على طلبى وإذا بشخص يدخل علىَّ ويرتدى الزى العسكرى الكامل الأنيق، وسأل أين المسئول فرد عليه أحد زملائى بالإشارة إلىَّ، فأعطانى 8 إحداثيات للتعامل معها فورا واستغرقت مقابلته 4 دقائق ونزل،  وبعد دقيقتين حدث إطلاق الدبابات بالنقطة القوية التى تفصلها عنا القناة فقط فتعاملت على الفور على مصادر النيران وإذا بمن يرافقنى يقول: من كان هنا أصيبت سيارته. وبعد توقف النيران من جانبنا؛ نزلت ومعى الجندى حسن عبد الشافى حمدان من دير مواس وإذا بالشهيد وفرد معه نزلا دشمة مدفع ماكينة بين مستشفى نمرة 6 الجديدة والقديمة.

وكان قد أطلق عليه طلقه «ش ف» التى تحدث خلخلة فى الضغط ما ينتج عنها تهتك فى الأذن والعينين وتهتك الجمجمة وما إلى ذلك.

فقمت بإخلائه ومن معه بجوار سور المستشفى، وعرفنا أنه عبد المنعم رياض، ونلت شرف أننى آخر من تحدث إليه وأول من حمل جسمه الطاهر وازداد الشرف أننى والنقيب رضا قمنا بإطلاق النيران على طائرة تقل قائد الجهة الشرقية الإسرائيلية والذى يعادل فى الرتبة الشهيد عبد المنعم رياض، ففجرناها وثأرنا له.