«رمضان المصريين» فى الغربة حنين للوطن لا يغيب.. و«السر فى التفاصيل»!

تقرير: بسمة مصطفى عمر
تعارف ثقافى وإفطار جماعى .. وأجواء رمضانية لترسيخ الهوية
على الرغم من بُعد المسافات واختلاف الثقافات، تنساب روح رمضان لتخترق الحدود، حاملة معها جمال الذكريات وأصالة التقاليد.. وبعيدا عن الأوطان، يصبح لكل لمحة رمضانية معنى أعمق، ولكل شعيرة.. روحانية مضاعفة، وتتسلل طقوس الشهر المبارك إلى كل زاوية، حتى وإن كانت بعيدة عن الوطن.
«صباح الخير»، تنقل تجارب بعض المصريين من دول مختلفة كنموذج، لنرى كيف يعيشون أجواء رمضان فى بلاد الغربة وكيف يحافظون على روحانياته، رغم البعد الجغرافى عن الأهل والأصدقاء والأجواء المعتادة. تحدث الدكتور أحمد مؤمن علاء، طبيب قلب وأوعية دموية بمعهد القلب القومى، عن الفرق بين رمضان فى مصر وإنجلترا التى يقطن بها الآن، موضحًا أن فترة الصيام لا تختلف كثيرًا عن مصر من حيث عدد الساعات، لكن الاختلاف الأكبر يكمن فى الأجواء المحيطة، ففى مصر نجد المحيط العائلى، والأصدقاء، وزينة الشوارع، وصوت المسحراتى، بينما فى إنجلترا، الأمر يتطلب جهدًا أكبر لتصنع تلك الأجواء بنفسك.
ويشير الدكتور أحمد، إلى أن العائلة لها دور محورى وخاصة فى رمضان، ففى مصر تتعدد فرص اللقاءات العائلية والسهرات الرمضانية، بينما فى الغربة يضطر للاكتفاء بلقاء الأصدقاء المقربين لتعويض هذا الشعور.

أما عن الشعائر الدينية فيقول: يتردد المسلمون على المسجد الكبير فى وسط المدينة للاستماع لأصوات المقرئين، وأداء صلاة التراويح، ومعها نصنع لأنفسنا الأجواء الرمضانية، بتعليق الزينة والفوانيس، وقراءة القرآن.
وعن المأكولات الرمضانية، يقول إن الحصول عليها ليس بنفس السهولة، لكنها متوفرة فى المتاجر أو عبر الإنترنت، مما يجعله وأصدقاءه يعدون الأكلات التقليدية بأنفسهم، ويتبادلون الخبرات فى الطهي.
وبالنسبة للتحديات التى تواجههم فى بلد أوروبى، يؤكد أن إنجلترا بلد متسامح، فيستطيع كل شخص ممارسة شعائره الدينية بحرية تامة، وحتى فى المستشفيات هناك أماكن مخصصة للصلاة والعبادة.
ويرى أن الغربة تدفعه لتقدير أبسط الأمور التى كان يعتبرها عادية فى مصر، مثل الجلوس مع العائلة أو تناول الطعام فى أماكن مفضلة، معتبرا أن رمضان فى الغربة يحمل دروسًا عظيمة ليقدر الإنسان ما يملكه من نعم داخل بلده.
شعور بالوحدة
وفى تجربة أخرى، تحكى منى عبدالرحمن، المقيمة مع زوجها فى كندا، عن رحلتها فى الغربة مع رمضان، موضحة أن التحدى الأكبر هو الشعور بالوحدة، خاصةً فى أول أيام الشهر الكريم، حيث تفتقد الإفطار مع عائلتها الكبيرة فى مصر، وتشير إلى وجود جالية مسلمة كبيرة فى مدينتها بكندا، بفضلها استطاعت تكوين صداقات جديدة، وأصبحت تشارك فى تحضير الإفطار الجماعى، الذى تنظمه بعض المراكز الإسلامية هناك، مما يخفف من وطأة الغربة، وتضيف إن هذه التجمعات ليست للعبادة فقط، ولكنها فرصة للتعارف وتبادل الثقافات بين مختلف الجنسيات.
وتتفق منى مع الدكتور أحمد مؤمن، فى أن رمضان فى الغربة يمنح الإنسان فرصة لإعادة اكتشاف نفسه، وتقدير ما كان يظنه يومًا عاديًا، وتقول رغم اختلاف الأجواء، فإن روحانيات رمضان قادرة على أن تجمعنا، حتى وإن كنا على بعد آلاف الأميال من الوطن.
فى إنجلترا، يقطن زوجان مصريان د.زياد الغمرى ود.آية الدسوقى يعملان فى المجال الطبى، ولديهما طفلتان، الكبرى تبلغ من العمر 6 سنوات، يحافظان على هويتهما الثقافية والدينية وسط أجواء الغربة، وفى شهر رمضان، تتضاعف جهود الأسرة لترسيخ القيم الروحانية والاحتفاء بالشهر الكريم.
حيث يحرص الوالدان على أن تحضر طفلتهما دروس اللغة العربية والقرآن الكريم، حفاظًا على لغتها الأم وترسيخًا لجذورها الثقافية، كما يسعيان إلى خلق أجواء رمضانية دافئة داخل المنزل، من خلال تعليق الفوانيس والزينة، ومشاهدة الكارتون الرمضانى الذى يعزز روح الشهر الفضيل لدى الأطفال.
وللحفاظ على المعانى الروحية للشهر، يحرص الوالدان على أداء صلاة التراويح فى المسجد، مما يمنح الأطفال تجربة روحانية مميزة تبقى فى ذاكرتهم، كما يشاركان فى تجمعات اجتماعية مع الأصدقاء والعائلات من الجالية المسلمة، لتعزيز الشعور بالمودة والتقارب، وإحياء الطقوس الرمضانية بروح جماعية، رغم بُعد المسافات.

أجواء مصرية
فى إحدى المدن الأمريكية اجتمعت عائلتان مصريتان هما أميرة وطارق، ومنال ومحمد، قررتا أن تنسجا خيوط الحنين إلى الوطن رغم بعد المسافات، وفدتا إلى أمريكا بسبب ظروف عمل أرباب الأسرتين هناك، ويلتحق أبناؤهما بالمدارس الأمريكية، لكن وسط هذه الغربة، قررت العائلتان ألا تتركا روح رمضان تغيب عنهما.
تتجدد الطقوس المحببة، وتبدأ الأمهات بتزيين المنازل بزينة رمضان الملونة، ويتشارك فيها الأطفال بحماس، يعلقون الفوانيس المضيئة على النوافذ والشرفات، لتصبح المنازل بمثابة واحة من الأجواء الرمضانية المصرية فى قلب الغربة.
ومع أذان المغرب، يتم تجهيز موائد الإفطار الجماعى، حيث تعد الأمهات أشهى الأطباق المصرية التقليدية، والحلوى المميزة مثل القطايف بالمكسرات، والكنافة بأنواعها، وتجتمع العائلتان حول المائدة، تتبادلان الدعوات، وتسترجعان ذكرياتهما عن الإفطار فى مصر، حريصتان على أن يتعلم الأطفال قيمة صلة الرحم والتواصل، رغم اختلاف المكان والزمان.
إضافة إلى ذلك تدعو العائلتان أصدقاءهما من مختلف الجنسيات للمشاركة فى هذه الأجواء، والإفطار معهما، وتبثان لهم روحانيات رمضان، فتتحول الليالى الرمضانية إلى جلسات حوار ثقافى، تمزج بين الشرق والغرب فى أبهى صوره.
إلى جانب ذلك، قررت العائلتان مشاركة لحظاتهما المميزة على صفحات التواصل الاجتماعى، حيث تنشران صور الموائد المزينة بالأطباق الرمضانية، وصور الأطفال وهم يعلقون الفوانيس بفرحة كبيرة، ويتشاركون الأجواء مع الأهل والأصدقاء، وأن فرحة رمضان تتجاوز الحدود، معبرين عن اشتياقهم لمصر، وأن قلوبهم لا تزال مرتبطة بها، ويتحول حسابهم الإلكترونى إلى نافذة تربطهم بالوطن، وتنقل حكاياتهم وأجواءهم إلى قلوب من يحنون لنفس الذكريات.
وبهذا استطاعت العائلتان، أن تحافظا على هويتهما وثقافتهما، وتعلمان أطفالهما أن رمضان ليس مجرد صيام، بل هو شهر للتواصل، والمحبة، ونشر الخير، حتى وإن كانت الأرض بعيدة عن الوطن.