الخميس 13 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
هيلين كيلر.. من الألم إلى الهدف

هيلين كيلر.. من الألم إلى الهدف

الحياة الإنسانية مليئة بالقصص الملهمة التى تُعلمنا كيف نواجه تحدياتنا، وتُلهمنا لإعادة اكتشاف أنفسنا وتطوير مهاراتنا. ومن بين تلك القصص، تبرز حياة هيلين كيلر كواحدة من أكثر الحكايات إلهامًا. قصة فتاة عاشت فى ظلام وصمت منذ نعومة أظافرها، لكنها وجدت الطريق إلى النور وأصبحت رمزًا للصمود والإرادة.



فى عام 1880، وُلدت هيلين كيلر بمدينة توسكامبيا بولاية ألاباما الأمريكية. كانت طفولتها المبكرة مليئة بالفرح، لكنها سرعان ما اتخذت منحى مأساويًا عندما أصيبت بمرض غامض أفقدها البصر والسمع وهى لم تتجاوز 19 شهرًا، مما أغرقها فى عزلة شبه كاملة. بالنسبة لطفلة صغيرة، كان فقدان الحواس يعنى الانفصال عن العالم، وعدم القدرة على التعبير عن مشاعرها واحتياجاتها.

كان التحول الكبير فى حياتها وهى فى سن 7 سنوات، عندما التقت بمعلمتها آن سوليفان، التى أصبحت أكثر من مجرد معلمة. بتفانيها وصبرها، فتحت آن نافذة جديدة لهيلين على العالم. من خلال تجربة بسيطة، حيث علمتها كلمة «ماء» عبر كتابة الكلمة على يدها وسكب الماء على يدها الأخرى، بدأت هيلين تدرك أهمية اللغة كوسيلة للتواصل. كانت تلك اللحظة بمثابة ولادة جديدة، حيث أشعلت رغبتها فى التعلم والنمو.

وعلى الرغم من التحول الهائل، لم تكن رحلة هيلين سهلة. فقد واجهت صعوبات شخصية وثقافية، وكان من أبرزها اتهامها بالانتحال فى كتاباتها الأولى. ورغم الألم الذى سببته تلك الاتهامات، خرجت هيلين أقوى وأكثر التزامًا باستخدام تجربتها لإلهام الآخرين.

بفضل دعم معلمتها ومجتمعها، تمكنت هيلين من تحقيق إنجاز عظيم، إذ أصبحت أول شخص أصم وأعمى يحصل على شهادة جامعية من كلية رادكليف. كان هذا النجاح بمثابة إثبات أن الإرادة الصلبة يمكنها تحقيق المستحيل.

ذكرت هيلين فى كتابها «قصة حياتى»: «إن أى جهد نبذله لتحقيق شيء جميل لن يضيع أبدًا. فى وقت ما، وفى مكان ما، وبطريقة ما، سوف نجد ما نسعى إليه».

كانت حياة هيلين مليئة بمواقف أظهرت قيمة اللطف وقوة العلاقات الإنسانية. فقد تأثرت بالعديد من الأشخاص الذين دعموها وساندوها، مثل ألكسندر غراهام بيل ومارك توين. تلك العلاقات شكلت أساسًا لإيمانها بقيمة العمل من أجل الآخرين، وكانت مصدر إلهام لها لنشر الحب واللطف.

قال مارك توين الكاتب الأمريكى الساخر، كتب الشعر والقصص القصيرة والمقالات: «إن الشخصيتين الأكثر إثارة للاهتمام فى القرن التاسع عشر هما نابليون وهيلين كيلر».

ففى أحد المواقف المؤثرة، أعطتها طفلة صغيرة قطعة من الكيك أثناء إحدى زياراتها، وهو ما وصفته هيلين بأنه تعبير عميق عن الحب، رغم بساطته. تعلمت هيلين أن اللطف يظهر فى الإيماءات البسيطة، وأن هذه التفاصيل الصغيرة تعكس الإنسانية بأجمل صورها.

لم تكتفِ هيلين كيلر بالتغلب على تحدياتها، بل كرست حياتها للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة. عملت بلا كلل لتحسين حياتهم من خلال التعليم. ألفت كتبًا عديدة، وألقت محاضرات، وكانت دائمًا تسعى لإحداث تغيير إيجابى فى حياة الآخرين.

قالت هيلين «كل شيء له عجائبه، حتى الظلام والصمت، وأنا أتعلم أن أكون راضيه، مهما كانت الحالة التى أكون فيها»، وذلك فى كتابها «قصة حياتي».

قصة هيلين كيلر هى تذكير دائم بأن الألم يمكن أن يكون بداية لغاية أسمى. إنها شهادة على أن الصعوبات ليست سوى محطات فى طريق الإنجاز، وأن الحب واللطف يمكنهما تحويل الظلام إلى نور. إرثها ما زال حيًا، يلهم الملايين حول العالم لتحويل التحديات إلى فرص، والعمل على تحقيق شغفهم وأهدافهم.

وختامًا، فإن خياراتنا طوال رحلة الحياة تعتمد على مجموعة الخيارات التى نتخذها للوصول إلى حالة الإبداع والنجاح التى نرغب بها وبالتالى إلى حالة الرضا الكامل عما يصيبنا من ابتلاءات وعقبات. هذا ما أوضحه جون ماكسويل فى كتابة «النجاح هو اختيار» حين قال: «النجاح هو اختيارك. إذا كنت على استعداد للالتزام باتخاذ الخيارات الصحيحة، يمكنك تحقيق النجاح».