
مصطفى أمين
جغرافيا الدم على أرض الشام
ترك هروب الرئيس السورى بشار الأسد إلى روسيا فى الثامن من ديسمبر من العام الماضي والذى تبعه انهيار الجيش العربي السورى، واقعاً جغرافياً «ممزقاَ» تتصارع عليه أذرع ميليشياوية متعددة الانتماءات ومعقدة فى الأيديولوجيات، فى وقت تتزاحم فيه العشرات من الجماعات الإثنية والعرقية والطائفية المسلحة وغير المسلحة التى تحاول أن توجد لها موطأ قدم للسيطرة والنفوذ في المستقبل السورى غير الواضح في ملامحه ونهجه.
كما تتوزع أيديولوجيتها ما بين اليمين واليسار وما بين الإسلام المعتدل والمتطرف بشكل غير «مألوف» على الأرض السورية ما قبل العام 2011، وهو ما حولها إلى مسرح مفتوح لصراع الفصائل الميليشياوية، وبالتوازى مع هذا الواقع المشتت ترفع إدارة الأمر الواقع الجديدة وحكومتها الانتقالية فى دمشق المكونة من طيف واحد غالبًا هم من «عناصر» هيئة تحرير الشام شعار الوحدة السورية، الغائب حتى داخل مكوناتها المنقسمة.

هذا المشهد الداخلى المتشابك فى سوريا يتصارع الآن على مسرحه أيضا ميليشيا عرقية للأكراد السوريين «قوات سوريا الديمقراطية» وأخرى درزية «رجال الكرامة» و«تركمانية» بفصائل من الجيش الوطنى السورى المدعوم من تركيا، وجميعهم «تحدى وجودي» لسلطة الأمر الواقع التى أوجدها الرئيس الحالى أحمد الشرع الذى كان ملقبا بـ«أبو محمد الجولانى» وهو الذى قاد «هيئة تحرير الشام» التى بدأ تكوينها فى يوليو 2016 بمبادرة فك ارتباطه كـ«أمير» لجبهة النصرة عن تنظيمه الأم «القاعدة» واندماجه مع جبهة الشام وحركة نور الدين زنكى وجبهة أنصار الدين ولواء الحق.
تقود سوريا حاليا إدارة نشأت بأيديولوجية «جهادية» ذراعها العمل المسلح ضد النظام السورى السابق، وهو ما وضعها منذ تكوينها فى مرمى التصنيف الإرهابى من قبل الأمم المتحدة فى مارس 2017 ، ووزارة الخارجية الأمريكية والرئاسة التركية فى مايو 2018، كأن شخصيتها العنيفة أبرزت أنيابها بالهجوم على مواقع خصومها وبدأت بما يسمى بـ«جيش المجاهدين» فى ريف حلب الغربى وقرب معبر باب الهوى، وصقور الشام فى جبل الزاوية جنوبى إدلب، وحركة «أحرار الشام» التى أخرجتها من إدلب الى ريف حماة الشمالى وسرعان ما أنهت وجودها به فى 2019 ، كما سيطرت على معبر باب الهوى، وهاجمت حركة نور الدين الزنكى فى مناطق دارة عزة وقبتان الجبل، ودفعت مقاتليها إلى ريف حلب الشمالى، وفى عام 2020 هاجمت تنظيم «حراس الدين» المبايع للقاعدة، وهاجمت مقاره واعتقلت قياداته، وأجبرتهم على تسليم أسلحتهم الثقيلة وإغلاق قواعدهم وبذلك استطاعت تعزيز نفوذها وتفكيك كافة الفصائل المناوئة لها فى إدلب والاستيلاء على أسلحتها.

وفى إطار بسط سيطرتها على كافة مناطق شمال غرب سوريا قامت بتكوين «غرفة عمليات الفتح المبين» بمجلس عسكرى موحد فى إدلب تحت قيادتها وبمشاركة فصائل، العصائب الحمراء، والجيش الوطنى السوري، ولواء عاصفة الشمال، وحركة نور الدين الزنكي، وجيش العزة، والجبهة الوطنية للتحرير، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وفيلق الشام، فرقة السلطان مراد، جيش سوريا الحرة، وهى الفصائل التى شكلت «إدارة العمليات العسكرية» التى تكونت من غرفتين الرئيسية «ردع العدوان»، والفرعية «فجر الحرية» التى تنفذ حاليا أجندة تركية ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» فى مناطق شمالى سوريا وكلتاهما اشتركت فى 27 نوفمبر 2024 فى توجيه «ضربة استباقية لقوات الجيش السوري، لتتطور الأحداث بشكل دراماتيكى وتدخلا دمشق فى 8 ديسمبر 2023، بعد هروب الأسد إلى العاصمة الروسية موسكو.
ويبلغ عدد مقاتلى هيئة تحرير الشام ما بين 20 ألفا إلى 30 ألف مقاتل مسلحين بالأسلحة الخفيفة والدبابات والطائرات المسيرة بالإضافة إلى قدرتهم الكبيرة على التصنيع المحلي، وسيطرتهم على ما بقى من ترسانة الجيش العربى السورى، وتعد قوات العصائب الحمراء أقوى تشكيل عسكرى داخل الهيئة وإحدى أهم قوات النخبة فيها، إذ تسند إليها المهام العسكرية الصعبة والأكثر خطورة، وتتلقى العصائب الحمراء تدريبات عالية المستوى وتزوّد بأسلحة نوعية عند دخول المعارك، و«تبايع على الموت» ويبلغ عدد مقاتليها 2000 مقاتل وظهر معها «أبو محمد الجولاني»، واضعًا على رأسه شارتها الحمراء قبيل عملية ردع العدوان التى استولت بها على العاصمة السورية.

وبعد أن كانت هيئة تحرير الشام تسيطر فقط مع الفصائل المتحالفة معها على نحو نصف محافظة إدلب فى شمال غرب البلاد وأجزاء محدودة من محافظات حلب وحماة واللاذقية المحاذية لها تقدر مساحتها بثلاثة آلاف كيلومتر مربع، سيطرت على ما يزيد على ثلثى مساحة التراب السورى والذى يضم محافظات، حمص وحماة بوسط سوريا ، وطرطوس واللاذقية فى غرب سوريا ودمشق وريفها ومحافظة حلب، وأجزاء من ريف الرقة الجنوبى شمال سوريا، ونصف محافظة دير الزور فى شرق سوريا، مع شبه سيطرة على السويداء ودرعا التى تتواجد بهما ميليشيات محلية بينما قامت إسرائيل بالاستيلاء على مدينة القنيطرة والقرى المحيطة بها كما تسيطر على العصب الاقتصادى للدولة السورية الممثل فى حقول البترول وعلى رأسها حقول الورد والتيم والشولة والنيشان النفطية فى دير الزور، وحقل الثورة فى الرقة، وحقل جزل فى حمص وحقل الشاعر، أكبر حقول الغاز بسوريا، وحقول صدد وآراك فى حمص.
وتتفاوض هيئة تحرير الشام حاليا مع العشرات من الفصائل السورية وعلى رأسها فرقة السلطان مراد وجيش العزة وغرفة فتح دمشق وغرفة الجنوب والجبهة الشامية ونور الدين الزنكى وأحرار عولان وأحرار صوفان وجيش النصر وفيلق الشام وجيش الإسلام والجبهة الوطنية والجيش الوطنى وتجمع دمشق والفرقة الثانية وجيش العزة وحركة التحرير والبناء وجيش الشرقية وألوية صقور الشام، وجيش المجاهدين، وتجمع «فاستقم كما أمرت»، والجبهة الشامية، من أجل دمجهم فى الجيش السورى الجديد، والتى تتباين مواقفهم ما بين الرفض والموافقة والمحاصصة مما ينذر بصراع فصائلى قادم بالداخل السورى لا يعرف توقيته ولكنه مؤكد حدوثه.
قوات الأكراد
بعدعام 2012، أعلن الأكراد السوريون إقامة «إدارة ذاتية» فى مناطق نفوذهم فى الشمال والشرق السورى بعد انسحاب الجيش السورى من جزء كبير منه من دون مواجهات، لتتوسع مناطقها تدريجيا بعدما خاض المقاتلون الأكراد بدعم أمريكى فى عام 2015 حرباً شاملة ضد تنظيم «داعش» الإرهابى بذراع مسلحة هو «قوات سوريا الديموقراطية» وتعنى بالكردية «Hêzên Sûriya Demokratîk» ويشار إليها اختصاراً بـ«قسد»، وتتكون من تحالف يضم ميليشيات كردية وعربية وسريانية وأرمنية وتركمانية ولكن عمودها الفقرى هو وحدات حماية الشعب الكردية، لتسيطر بمرور الوقت على نحو ربع مساحة البلاد، فى محافظات الحسكة وغالبية محافظة الرقة بما فيها المدينة التى شكلت لسنوات معقلا لتنظيم «داعش». كما سيطرت على نصف محافظة دير الزور وعلى أحياء فى شمال مدينة حلب بالإضافة إلى سيطرتها على أبرز حقول النفط السورية وبينها العمر، وهو الأكبر فى البلاد، والتنك وجفرا فى دير الزور، فضلاً عن حقول أصغر فى الحسكة وكذلك حقلا كونيكو للغاز فى دير الزور والسويدية فى الحسكة والرقة، ويتراوح عدد قوات سوريا الديمقراطية بين 30 ألفا و40 ألف مقاتل ومقاتلة.

وتألفت قوات سوريا الديمقراطية عند تأسيسها من عدة ميليشيات كردية وعربية وسريانية وأرمنية وتركمانية وهى لواء المهام الخاصة 455 ولواء 99 مشاة ولواء القعقاع وجبهة الأكراد ولواء السلاجقة ولواء السلطان سليم ولواء عين جالوت وقوات عشائر حلب وتجمع ألوية الجزيرة ولواء شهداء جزعة ولواء شهداء تل حميس ولواء شهداء تل براك ولواء شهداء كرهوك ولواء شهداء مبروكة ولواء شهداء الحسكة ولواء شهداء راوية تجمع ألوية الفرات وكتيبة تجمع فرات جرابلس وكتيبة أحرار جرابلس وكتيبة شهداء الفرات وكتيبة شهداء سد وقوات الصناديد ولواء التحرير والمجلس العسكرى السريانى وكتائب شمس الشمال وجبهة ثوار الرقة ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة.
ولكن عملياً من يسيطر على تلك الميليشيات 6 تشكيلات رئيسية على رأسها قوات الحماية الشعبية YPG، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطىPYD - وهو المسئول عملياً عن قيادة باقى الميليشيات الكردية، وقوات حماية المرأة وهى فرع من قوات الحماية الكردية، وقوات الصناديد وهى ميليشيات عشائرية يقودها حميدى الدهام، شيخ عشيرة شمر، والمجلس العسكرى السريانى وهو ميليشيا سريانية نشأت فى مدينة القامشلى فى يناير 2012 ويتبع حزب الاتحاد السريانى وانضمت للإدارة الذاتية التى أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطى وغرفة عمليات الفرات والتى تتكون من عدة فصائل من الرقة وتنتشر فى مناطق تل أبيض.
ويغلب على باقى مكونات قوات سوريا الديمقراطية التباين فى الأهداف والتطلعات، فجيش الثوار، يضم عدداً من فصائل الجيش الحر بينها «لواء الجهاد فى سبيل الله» وبعض الفصائل الصغيرة التى انضمت مؤخراً، وجميعها تتبع للجيش الحر وترفع علم الثورة وترتبط بوزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية المؤقتة وكانت تهدف إلى إسقاط النظام وقتال تنظيم داعش أمّا غرفة بركان الفرات، فتشمل لواء ثوار الرقة وجيش العشائر وعددًا من فصائل ريف حلب الشرقي، وجميعها ترفع علم الثورة وترتبط بهيئة الأركان ووزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة، وكانت تدعو إلى إسقاط النظام وقتال تنظيم داعش، وجميعهم لديه أهداف خاصة بالسيطرة على الأرض والاستفادة من إدارتها.
وتصطدم «قوات سوريا الديمقراطية» بالمخاوف التركية بالتوسع شمالاً وربط المنطقتين الكرديتين فى الشمال السورى «كوبانى» شرق نهر الفرات وعفرين إلى الشمال من مدينة حلب ببعضها البعض ، وهو ما دفعها إلى إرسال قوات تركية خاصة برفقة المئات من المقاتلين السوريين الذين ينتمون إلى كتائب مختلفة مقربة من تركيا إلى الأراضى السورية صباح الأربعاء 24-8-2016 فى إطار عملية عسكرية أطلق عليها «درع الفرات» بهدف «تنظيف» بلدة جرابلس من سيطرة داعش، ومنع قوات سوريا الديمقراطية من التوسع شمال غرب نهر الفرات.
ورغم أن قوات سوريا الديمقراطية تعد ضالة واشنطن وحليفها النموذجى داخل سوريا باعتبارها خارج إطار التطرف الإسلامى الذى يطغى على المشهد الميدانى الآن فى صفوف الفصائل المسيطرة على دمشق و يسمح للولايات المتحدة الأمريكية باستمرار حضورها الميدانى فى سوريا، فإن الضغوط التركية سوف تشكل العنصر الحاسم فى وقف طموح تلك القوات ومكونها الكردى الأقوى خاصة بعد تحالف أنقرة مع هيئة تحرير الشام الحاكم الجديد فى دمشق وعدم وضوح الموقف الأمريكى تجاهها حتى الآن مع بداية عهد الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترامب وهو الأمر الذى ربما يحولها إلى الفريسة الأولى فى توازنات القوة.
القواعد الأمريكية
تحظى الولايات المتحدة الأمريكية بوضعية خاصة فى الداخل السورى حيث تنتشر قواتها ضمن مايسمى «التحالف الدولي» والذى كان وما زال موجها بشكل أساسى ضد المتشددين الإسلاميين وعلى رأسهم «داعش»، وتنتشر فى 28 موقعًا منها 24 قاعدة عسكرية، و4 نقاط تواجد، بهما 2000 جندى وبعض التقديرات تصل بعددهم إلى ما يقارب 3000 جندى أمريكى قابلين للزيادة ومنتشرين فى المنطقة الممّتدّة شرق نهر الفرات من جنوب شرق سوريا بالقرب من معبر التّنف الحدوديّ، إلى الشّمال الشّرقيّ بالقرب من حقول «رميلان» النّفطيّة، وتتوزّع فى محافظتى الحسكة ودير الزّور وهو ما يجعلها أشبه بالطّوق الذّى يُحيط بمنابع النّفط والغاز السّوريّ المتواجد شرق نهر الفرات كما أنها تتميز بتنوع التسليح والقدرات اللوجستية العالية وتعد قاعدة «الرميلان» التى تقع بالقرب من قرية أبو حجر، جنوب شرق مدينة رميلان النفطية فى ريف الحسكة الشمالى الشرقى من أهم تلك القواعد حيث يتواجد بها ما يقارب 500 عنصر أمريكي، يضاف إليها قاعدة «المالكية» فى مطار روبار بالقرب من قرية روبار، جنوب مدينة المالكية بريف الحسكة الشمالى الشرقي، التى يوجد بها مدرج للطيران المسير والمروحيات القتالية، و150 عنصراً أمريكياً ومعتقل خاص بالقوات الأمريكية، أما قاعدة «تل بيدر» التى تقع على بعد 30 كم غرب مدينة الحسكة، فلها أهمية خاصة نظراَ لوجود مهبط مجهز للطيران المروحى القتالي، كما أنها تتكامل خلال العمليات القتالية مع قاعدتى «لايف ستون» و«قسرك»، لتنفيذ المهام فى مناطق ريف الحسكة.

وتعد قاعدة «لايف ستون» الواقعة على الضفة الشمالية الشرقية لبحيرة سد الباسل الجنوبي، مهبط للمروحيات القتالية التى تضم 8 مروحيات مع كادر كامل، وتعد نقطة إسناد قتالى للمروحيات، كما أن قاعدة «قسرك» الواقعة على بعد 45كم شرق بلدة تل تمر، على الطريق «إم - 4»، قاعدة إسناد قتالي، كما تقوم قاعدة «هيموس» التى تبعد 4 كم إلى الغرب من مطار القامشلي، بأعمال التدريب للقوات الأمريكية فى سوريا ويوجد بها 350 عنصرا أمريكياً ومعسكراَ لتدريب القوات الخاصة «هات» التابع لقوات سوريا الديمقراطية وفى قاعدة حقل التنك التى تقع ضمن مبانى المدينة العمالية التابعة للحقل، فى ريف دير الزور، يوجد مهبط للمروحيات، و4 مروحيات قتالية متمركزة داخلها 50 عنصرا أمريكياً.
كما يتواجد بالمدينة الرياضية بالحسكة 150 مقاتلا أمريكياً بالطرف الجنوبى من حى غويران بالمدينة، وبها أنفاق تمكن الآليات العسكرية الأمريكية من الانتقال من المدينة الرياضية إلى «سجن الحسكة المركزي» يضاف إليهم 350 مقاتلًا فى قاعدة الشدادى التى تقع ضمن معمل الغاز الواقع على بعد 1 كم إلى الجنوب الشرقى من مدينة الشدادى النفطية، وهى مجهزة لهبوط الطيران المروحي، وإقلاع الطيران المسير بكامل أنواعه، كما تعد قاعدة حقل العمر أكبر القواعد بسوريا وتقع فى المدينة العمالية لحقل العمر النفطى بريف دير الزور، وبها مهبط للطيران المسير، والمروحى وتضم 12 مروحية قتالية ومعتقلًا تابعًا للقوات الأمريكية، وعدد العناصر بها غير محدد ويعد حقل غاز كونيكو الواقع إلى الشمال من مدينة دير الزور مركزا لتواجد 50 عنصراً من القوات الأمريكية وقاعدة الرويشد التى تقع بالمشفى الوطنى بقرية الرويشد على بعد 45كم شمال شرق حقل العمر النفطى قاعدة إمداد برّية لمثلث البادية الرابط بين محافظات دير الزور- الحسكة- الرقة، ويتواجد بها عربات «برادلي» المصفحة وفى باغوز فوقانى التى تقع فى بلدة باغوز فوقاني، الواقعة بأقصى الجنوب الشرقى لمحافظة دير الزور، ضمن مبان سكنية، فيها 25 عنصراً، تحرسهم قوات قسد وقاعدة التنف التى تقع فى منطقة المثلّث السّوريّ العراقيّ الأردنيّ، بمنطقة التنف وتتحكم فى السّيطرة على معبر التّنف الحدوديّ، الذّى حوّلته واشنطن إلى قاعدة عسّكريّة عام 2017، لتعطيل الممّرات التّى تستخدمها إيران، بهدف مواجهة تمدّدها، والعمل على قطعها لإضعاف موقف إيران العسّكريّ والاقتصادى.
وتعد قاعدة رميلان فى الحسكة أهم القواعد العسكرية الأمريكية فى سوريا، تليها قاعدة المالكية بريف الحسكة الشمالى الشرقي، بالإضافة إلى قاعدة تل بيدر، القريبة من طريق «إم 4» الاستراتيجى وتقوم الولايات المتحدة حاليا بتأسيس قاعدة لها فى مدينة عين العرب «كوباني» حيث قامت بإرسال أرتال عسكرية تتألف من عشرات الشاحنات من إقليم كردستان العراق إلى الأراضى السورية عبر معبر الوليد، وتضم عربات عسكرية وكتل أسمنت وصهاريج وقود، وذلك للحد من النفوذ التركى المتنامى بالشمال السورى ودعم حلفائها الأكراد.
وتحاول واشنطن من خلال تلك القواعد توطيد نفوذها فى سوريا من خلال ضرب طوق حول آبار النفط والغاز السورية، وتقويض النفوذ الروسى فى منطقة الشمال الشرقي، والضغط بها على النظام السورى الجديد ، منع تمدد نفوذ داعش فى الجغرافيا السورية مجدداً.
فصائل موالية لتركيا
تضع تركيا سوريا فى محور أهدافها الاستراتيجة منذ قيام الثورة السورية فى 15مارس 2011 عبر دعم أطياف من المعارضة السورية المسلحة والسياسية، وفى عام 2016 حاولت ترسيخ وجودها عبر شن عمليات عسكرية على الشمال السورى بالتعاون مع فصائل سورية موالية لها، مستهدفة بها المقاتلين الأكراد لإبعادهم عن حدودها سميت بـ«درع الفرات» عام 2017، و«غصن الزيتون» عام 2018، والتى انتهت بالسيطرة على مدينة عفرين ومحيطها وإبعاد القوات الكردية نحو شرق الفرات كما استطاعت السيطرة على شريط حدودى يمتد من جرابلس فى ريف حلب الشمالى الشرقى إلى عفرين فى ريفها الغربي، مرورا بمدن رئيسية مثل الباب وأعزاز بالإضافة إلى منطقة حدودية منفصلة بطول 120 كيلومترا بين مدينتى رأس العين وتل أبيض الحدوديتين.
واستطاعت أنقرة تدعيم نفوذها عبر دعم عدد من الفصائل الموالية ودمجها فيما يعرف فى سوريا حاليا بـ«الجيش الوطنى السوري»، وهو عبارة عن مقاتلين سابقين فى مجموعات معارضة مسلحة على رأسها «جيش الإسلام» الذى كان الفصيل المعارض الأبرز قرب دمشق وفصيل السلطان مراد، وأخرى برزت مع العمليات العسكرية التركية وبينها فصيلا «الحمزة» و«سليمان شاة» وقامت بتسلح تلك الفصائل بالطائرات المسيّرة والدبابات والمدرعات التركية الحديثة.
وعقب سيطرة هيئة تحرير الشام على العاصمة دمشق شنت تلك الفصائل حملة موسعة على مناطق قوات سوريا الديمقراطية واستطاعت السيطرة على مدينتى منبج وتل رفعت فى إطار عملية «فجر الحرية»، التى انطلقت عقب تقدم «هيئة تحرير الشام» وفصائل موالية لتركيا باتجاه دمشق فى أواخر نوفمبر 2024، وتدور الاشتباكات بين الفصائل الموالية لتركيا مدعومة بغطاء نارى من الأسلحة التركية، وبين قوات «مجلس منبج العسكري» التابعة لـ«قسد»، على أطراف سد تشرين وجنوب شرقى منبج بريف حلب الشرقى شمال سوريا وتدعم تركيا القوات الموالية لها بالقصف الجوى والمدفعى المكثّف إلى جانب استهداف القوات الكردية فى مناطق من عين العرب (كوباني) والرقة والحسكة فى شرق الفرات دون تغيير جذرى على خريطة السيطرة الفصائلية فى شمال سوريا.
ولذلك سيبقى الجيش الوطنى السورى المدعوم من تركيا، ذراعًا فصائلية تستفيد منها تركيا فى تنفيذ أجندتها فى سوريا، واليد الباطشة لها فى مواجهة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) فى الشمال والشرق السوري، وستبقى مسألة حله أو انخراطه فى فى الجيش السورى الجديد «مرتهنًا» بالقرار والمصالح التركية ومدى حميمية وسخونة تلك العلاقة مع الشرع ورجاله من عدمه.