
عادل حافظ
الإرادة الحديدية
عاشت بإيمان راسخ بأنه يمكن لفرد واحد تغيير العالم من خلال تحديد الأهداف، والقناعة بما تؤمن به، والإصرار على النجاح، والشجاعة فى الفترات الصعبة.. بدأت حكايتها وهى فى سن صغيرة، فعندما كانت فى التاسعة من عمرها فازت بمسابقة لإلقاء الشعر فى مهرجان الموسيقى المحلى، قال لها رئيس المهرجان كم هى محظوظة بهذا الفوز، فردت عليه: «لم أكن محظوظة. لقد استحققت ذلك»، من كتاب «المرأة الحديدية مارجريت تاتشر: من ابنة البقال إلى رئيسة الوزراء» بقلم جون كامبل.
مارجريت هيلدا تاتشر، ولدت فى بلدة جرانثام الصغيرة، بمقاطعة لينكولنشاير، بالمملكة المتحدة -بريطانيا، حيث تعلمت ابنة البقال قيم العمل الجاد والانضباط والاعتماد على الذات داخل منزل متواضع، فاستوعبت دروس الادخار والاجتهاد من والدها، الذى كان ناشطًا سياسيًا محليًا.
ففى مقابلة براديو «إل بى سى» عام 1983 قالت: «لقد نشأت على يد جدة من العصر الفيكتورى، لقد علّمونا أن نعمل بجد، لقد علّمونا أن نثبت جدارتنا؛ لقد علّمونا أن نعتمد على أنفسنا؛ لقد علّمونا أن نعيش فى حدود دخلنا». من كتاب لـ إيان ديل «اقتباسات مارجريت تاتشر».
وسّعت آفاقها عندما غادرت بلدتها الصغيرة لدراسة الكيمياء -ومن بعدها دراسة القانون- فى جامعة أكسفورد. حين درست الكيمياء، وجدت مارجريت طموحها ببيئة خصبة للنمو والتألق فى مجال كان يهيمن عليه الرجال -آن ذاك- فلم تجعلها التحديات تتراجع، بل برزت بذكائها وتصميمها، لم يكن العلم هو المجال الذى أسر قلبها بالكامل، بل الأفكار، والحكمة، وإمكانية إحداث التغيير. فأصبحت السياسة نداءها.
فى مؤتمر حزب المحافظين عام 1989 قالت مارجريت عن دراستها الجامعية: «ذهبت إلى جامعة أكسفورد، ولكننى لم أسمح لهذا الأمر أن يعيقنى أبدًا»، وقالت عنها دوروثى هودجكين -أحد معلميها فى أكسفورد- «كانت كيميائية من الدرجة الثانية ممتازة تمامًا. لم يخطر ببال أى منا قط أنها ستصل إلى مكانة عالية».. فلم يكن دخولها عالم السياسة سهلاً.
فى 1959، أصبحت مارجريت تاتشر عضوًا فى «البرلمان البريطانى». رغم كل محاولات المقاومة لها. حيث كان جنسها وخلفيتها البسيطة عقبات فى حزب المحافظين الذى يهيمن عليه الذكور -آن ذاك-ولكن، لم تكن ممن يستسلمون بسهولة. تحملت الرفض بعزيمة هادئة، وتعلمت من كل إخفاق.
عندما عُيّنت «تاتشر» وزيرة للتعليم، اتخذت قرارات مثيرة للجدل، فقد علمتها تلك اللحظات من عدم الشعبية، أن عليها الوقوف بحزم لتحقيق قناعاتها، حتى لو جاء ذلك بتكلفة شخصية وسياسية كبيرة.
فى عام 1975، أصبحت زعيمة المعارضة، كانت شخصية غير مألوفة فى السياسة البريطانية. قليلون اعتقدوا أن امرأة يمكنها القيادة، ناهيك عن أن تصبح رئيسة وزراء -كانت تاتشر أول امرأة تتولى هذا المنصب ببريطانيا- ولكنها لم تر نفسها رمزًا، بل قوة للتغيير. فكانت منهجية وواقعية وحازمة، وهذه الصفات أكسبتها ثقة حزبها وأيضًا ثقة الشعب البريطانى.
كانت فترة توليها رئاسة الوزراء، التى بدأت عام 1979، فترة تحولات كبرى واستقطاب سياسى. لم تكن تاتشر تتجنب القرارات الصعبة: خصخصة الصناعات، وحدّت النقابات العمالية، وطبقت إصلاحات اقتصادية جذرية لمعالجة التضخم والبطالة.
وواجهت انتقادات كثيرة، واكتسبت لقب «السيدة الحديدية» بعد أن وصفتها صحيفة سوفييتية بأنها عدوة للشيوعية. وبدلًا من أن تتهرب من اللقب، تبنته تاتشر، معتبرة إياه انعكاسًا لإرادتها الصلبة.
من أشهر مقولاتها عن إمكانية تأثر بريطانيا بالنظام الشيوعى بـ التايمز، عام 1977: «وظيفتى هى منع بريطانيا من التحول إلى اللون الأحمر».
فى عام 1990 انتهت رئاستها للوزراء، ورغم ذلك بقى تأثيرها مستمرًا. ومُنحت لاحقًا لقب البارونة تاتشر، دليلًا على عمق تأثيرها فى بريطانيا والعالم، وظلت شخصية عملاقة فى التاريخ السياسى.
إرث مارجريت تاتشر يقدم لنا دروسًا خالدة لمن يسعون إلى النجاح شخصيًا ومهنيًا، قصتها ليست فقط عن الإنجاز السياسى، ولكن عن قدرتها على إيجاد الهدف من خلال قيمها.. ويبقى السؤال: هل حددت قيمك التى ستقودك فى رحلتك نحو النجاح والسعادة؟