الجمعة 18 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
كيف تم اغتيال السادات؟

كيف تم اغتيال السادات؟

عقب الانتهاء من قضية اغتيال وزير الأوقاف الأسبق الشيخ محمد حسين الذهبى وصدور حكم الإعدام على شكرى مصطفى ورفاقه وتنفيذه فى يوم سفر الرئيس السادات للقدس 1977، لم تكن الساحة الإسلامية هادئة أو غائبة، بل كانت تمور وتموج بالكثير من الجماعات والأفراد الناقمين على الدولة، والذين يريدون إسقاطها لإقامة دولة الإسلام!



قبلها بقليل كانت مقاربة الرئيس السادات الرامية للتحالف مع الإسلاميين للقضاء على الناصريين تؤتى ثمارها، فأبناء التيار المتأسلم ممثلين فى «الجماعة الإسلامية» نجحوا تحت غطاء من الدولة فى السيطرة على النشاط الطلابى فى الجامعات.. تمكنت الجماعات الدينية من السيطرة على اتحادات الطلاب، وبدأت تؤكد نفسها.. أمروا بأن تبدأ الدراسة كل يوم بالصلاة.. ثم نهوا عن الاحتفال بالأعياد الوطنية والشعبية لأنها مناسبات علمانية... ثم بدأوا يعترضون ويمنعون بالقوة أية احتفالات فى الجامعة يدخل فيها عنصر الموسيقى... وأصبح أى شاب وشابة يسيران معًا فى حرم الجامعة أو يتبادلان حديثًا بينهما معرضين للضرب.

 

وفى وقت كانت الجماعة الإسلامية تنتشر فى الجامعات المصرية، كان تنظيم الجهاد الإسلامى يتلقى دفعة قوية على يد محمد عبدالسلام فرج، وهو خريج كلية الهندسة الذى تبنى وجهة نظر ترى أن تطبيق بعض المبادئ الأساسية التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة أدى إلى انتشار الفساد والإفساد فى المجتمع وابتعاده عن تطبيق شرع الله.

محمد عبدالسلام فرج كان مهتما بقراءة بعض الكتب السلفية خاصة فتاوى ابن تيمية، واستقر فكره على مجموعة من المعتقدات التى استوحاها من أفكار أبوالأعلى المودودى وسيد قطب، ووصل إلى قناعة بأن الحاكم الذى لا يحكم بما أنزل الله يستحق القتل، وأنه لابد من الجهاد وإحياء هذه الفريضة الغائبة عن بال معظم المسلمين فى الحياة المعاصرة.

جمع فرج أفكاره التى استمدها من فهمه لكتابات ابن تيمية وغيره من علماء السلفية، فى كتاب مكون من 540 صفحة، وسماه «الفريضة الغائبة»، داعيا للجهاد باعتباره فريضة غائبة، وطبع الكتاب فى إحدى مطابع حى إمبابة.. فى 500 نسخة، أحرق معظمها ووزع نحو 60 نسخة، خشية افتضاح أمره، لكن الكتاب انتشر سريعًا بين مختلف أبناء التيار الإسلامى.. وعلى أساس الأفكار التى تضمنها الكتاب تم تكفير السادات واستصدار فتوى بقتله.

وفى إحدى المرات وأثناء تردده على مسجد الفتح ببلدة ناهيا فى محافظة الجيزة، تعرف على الطالب بكلية الزراعة، طارق عبدالموجود الزمر... اقتنع طارق الزمر بأفكار فرج وأصبح من رجال تنظيمه، وسمح لأستاذه بالتردد على منزله، وفى إحدى هذه المرات، كان زوج شقيقة طارق وابن عمه، عبود الزمر موجودا، وهو المقدم بالمخابرات الحربية، الذى كان اقتنع بدوره بضرورة الجهاد المسلح، لذلك لم يكن من الصعب تقبله لأفكار فرج، واتفق الثلاثة فرج وطارق وعبود الزمر على تأسيس تنظيم الجهاد.

ثم امتد نشاطه لمناطق مجاورة واستجاب له طلبة آخرون، واستطاع التواصل مع بعض المجموعات المتبعثرة من تنظيم جهاد القاهرة المتبقى من تنظيم صالح سرية، وخاصة بعد أن قام رئيس التنظيم مصطفى يسرى بحل التنظيم بعد اختراقه أمنيا، ومن هذه المجموعات مجموعة نبيل المغربى، الذى هو ضابط احتياط سابق بالمخابرات الحربية، وهكذا تجمعت هذه المجموعات التى تؤمن بفكر الجهاد والانقلاب العسكرى لإقامة دولة الإسلام على يد فرج، ومارست التدريب العسكرى لتلك الغاية، وقد أصبح للتنظيم فى نهاية سنة 1980 حضور كبير وانتشار واسع وأعضاء كثر تدربوا على السلاح وتحصل للتنظيم كميات جيدة من السلاح.

 

 

 

بعد فترة علم فرج أن أحد قادة الجماعة الإسلامية فى محافظة المنيا، ويدعى كرم زهدى، هرب من الصعيد إلى القاهرة بعد تفجر حوادث الفتنة الطائفية هناك بسبب نشاطات الجماعة، فأسرع إليه فى مخبئه، وعرض عليه فكرة إقامة الدولة الإسلامية عن طريق الثورة الشعبية، وأنه فى سبيل تأسيس تنظيم سرى ذى طابع عسكرى، وهو ما استقبله زهدى بترحاب، عارضا عليه المشاركة فى تأسيس التنظيم الجديد فى مختلف المحافظات المصرية... وما إن هدأت الأجواء فى المنيا، حتى سافر كرم زهدى إلى هناك، وعرض فكرة التنظيم السرى الجديد على قيادات الجماعة، وفى مقدمتهم ناجح إبراهيم وعاصم عبدالماجد ومحمد عصام دربالة، والغرض من تأسيسه، وهو ما لاقى استحسان الجميع ووافقوا على الفور وأعلنوا مشاركتهم فى عملية التأسيس.

والجماعة الإسلامية لمن لايعلم كانت فى البداية لجانا طلابية تتبع إدارة الجامعات باسم الجماعة الدينية ضمن سياسة السادات الرامية لمحاصرة التيار اليسارى فى الجامعات المصرية، ومن ثم برز بعض الطلبة الملتزمين من خلفيات متنوعة (أنصار السنة، الجمعية الشرعية، وغيرهما) فى أنشطة هذه الجماعة الدينية فى جامعات مختلفة.

كلف فرج عبود الزمر- بما له من تدريب عسكرى- على وضع الخطط لتمكين التنظيم من الوصول إلى الحكم، ووضع الزمر خطته التى تتضمن السيطرة على عدة أهداف حيوية أبرزها مبانى وزارة الدفاع، والإذاعة والتليفزيون، ووزارة الداخلية، وقيادة الأمن المركزى، وإرباك القيادة السياسية وإفقادها السيطرة على الدولة عبر اغتيال عدة شخصيات بارزة، مثل وزراء الخارجية والداخلية والدفاع، فضلا عن اغتيال بعض الشخصيات الوطنية التى يمكن لها أن تركب حراك التنظيم مثل خالد محيى الدين، علاوة على شل شبكة المواصلات فى القاهرة الكبرى، والعمل على إخراج تظاهرات فى الشوارع تأييدا للانقلاب الإسلامى، مع إذاعة بيانات تفجير الثورة الإسلامية عبر الإذاعة والتليفزيون، واستخدامها فى بث بيانات كاذبة عن حدوث انشقاقات فى الجيش لصالح الثورة الإسلامية، على أن يتم عقب السيطرة على البلاد اختيار مجلس شورى من علماء المسلمين لإدارة البلاد.

وعرض الزمر المخطط على قيادات التنظيم، وبدأ العمل فى جمع المعلومات الخاصة بكبار رجال الدولة، كما تمت الاستفادة من فتوى الأب الروحى للجماعة الإسلامية، الشيخ عمر عبدالرحمن الشهيرة باستحلال أموال النصارى، وقتل السادات لأنه جحد معلومًا من الدين بالضرورة.

 

 

 

وركز قائد التنظيم عبدالسلام فرج فى عملية جمع أكبر قدر ممكن من السلاح والمتفجرات استعدادا لساعة الصفر، بينما جمع عبود الزمر المعلومات المتاحة حول تحركات الرئيس السادات، تمهيدًا لاستغلال فرصة لاغتياله، وكان السادات استقر به المقام معظم أيام السنة فى استراحة القناطر الخيرية.

وفى منتصف سنة 1980 التقى كرم زهدى بالضابط خالد الإسلامبولى، الذى كان يعرفه من قبل فى دروس الشيخ طه السماوى، وعرّفه على محمد فرج، الذى أقنعه بالتنظيم لأنه مقتنع أصلا بفكر التطرف والعنف، ومن هنا تبدأ حكاية عملية اغتيال السادات.

وتم اعتماد خطة عبود الزمر من مجلس الشورى والتى استغرقت 3 سنوات لإكمال البناء التنظيمى قبل التحرك، حيث هدفت الخطة إلى إعداد وتدريب عدد معين لمستوى معين مع توفير السلاح اللازم للقيام بعمليات ضد أهداف رئيسة واغتيال قيادات سياسية فى الحكم والمعارضة وتفجير ثورة شعبية ثم اختيار مجلس علماء ومجلس شورى من العلماء ليقود البلد.

المثير أنه قبل مقتل السادات بعشرة أيام تم القبض على نبيل المغربى بعد مراقبة ومتابعة لعدة أسابيع من قبل الأمن حيث قبض عليه متلبسا بشراء رشاشين، وهو المكلف بالتدريب العسكرى للتنظيم! وذلك بعد أن وشى به سائق التاكسى الذى يذهب به لمنطقة التدريب فى الصحراء، والذى طلب منه المغربى البحث عن أسلحة للبيع، ولكنه خاف وذهب للأمن وأبلغهم بالقصة فطلبوا منه تصوير عملية التدريب ودبروا له رشاشين ورتبوا معه استدراج نبيل للقبض عليه، وبحسب ما سجل له السائق لحساب الأمن فقد سأله عن هدفه من شراء السلاح فأجابه: هذا السلاح مخصص لقتل السادات!!

عندها خشى عبود الزمر من انكشاف التنظيم وانكشافه فغادر منزله واختفى عن الأنظار لأن نبيل المغربى كان يتردد عليه وفعلا هاجم الأمن منزله، وكذلك فعل عدد من قيادات التنظيم، وقد ذكَر السادات عبود الزمر فى خطاب له بعد اختفائه فقال فى خطاب تليفزيونى يوم 25 سبتمبر 1981 موجّها كلامه لعبود الزمر: «إننى أعرف أن هناك ضابطا منهم هاربا وربما يكون يسمعنى الآن، لقد اعتقلنا كل الآخرين فى خمس دقائق وإذا كان هو قد تمكن من الفرار فإنى أقول له إننا وراءه هو الآخر».

وكان وزير الداخلية آنذاك النبوى إسماعيل قد أرسل للسادات قبل اغتياله بأسابيع شريط فيديو بالصوت والصورة لتدريبات مجموعة نبيل المغربى وجوابه لمن سأله عن الرصاصة الأولى لمن؟ فأجابه بأنها ستكون فى صدر السادات!

عشية حادث المنصة فى 5 أكتوبر 1981، اتصل وزير الداخلية بالسادات وحذره من عملية اغتياله، وأن أحد مصادره السريين التقى عبود الزمر، وعلم منه نية تنظيم الجهاد فى القيام بعمل كبير بعد اكتشاف أمرهم، وأن عبود الزمر لم يتم ضبطه حتى الآن، لكن السادات لم يهتم كثيرًا، وكان يعتقد أنهم يختبئون بعد أن كشفهم فى خطابه.

بقيت الأمور غائمة فى التنظيم ولم يستقر لهم قرار بعد: هل يغتالون السادات فقط، وكيف ينفذون ذلك؟ وكيف يقومون بثورة وانقلاب شامل وهم لم يتجهزوا بعد؟

 

 

 

هكذا كانت الحالة حتى كلف أحد أعضاء التنظيم من العسكريين وهو الملازم خالد الإسلامبولى بالمشاركة فى العرض العسكرى الذى سيحضره الرئيس السادات، وهنا بادر خالد فى 25/9/1981 بالالتقاء بمحمد عبدالسلام فرج وعرض عليه إمكانية قيامه باغتيال السادات لعلمه بأن التنظيم يفكر فى ذلك، وتفاعل مع الاقتراح محمد فرج، وبعد 3 أيام اجتمع مجلس الشورى وطرحت الفكرة وتوسع فرج لطرح فكرة انقلاب وإطاحة بالنظام عبر مهاجمة الإذاعة والتلفزيون وقيادة الجيش والداخلية والاتصالات، وأن يقوم الأعضاء بالوجه القبلى بالسيطرة على مدينة أسيوط، ووافق الحاضرون على الخطة باستثناء عبود الزمر الذى لم يحضر الاجتماع، وتقرر التعجيل بالاستعدادات وبذل قصارى الجهد لنجاح الخطة.

وفر محمد فرج لخالد الأسلحة و3 أعضاء عسكريين من التنظيم، أدخلهم خالد بدلًا من جنوده فى السرية الذين منحهم إجازة، وزوّد رفاقه بكتاب مزور بالتحاقهم بالعرض.. ثم أدخل خالد الذخيرة والقنابل فى حقيبة يد دون تفتيش لساحة العرض.. وكانت عملية الاغتيال الأشهر فى تاريخ مصر.