الجمعة 21 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«ديب سيك» يكـسب

تحاول الشركات والمواقع الإخبارية الغربية والأمريكية، شيطنة التكنولوجيا الصينية، من خلال التشكيك فى الجدوى أو الناحية الأمنية لمنتجاتها، بدءا من «هواوى» إلى «تيك توك»، وانتهاء بروبوت الدردشة العملاق الجديد «ديب سيك» الذى أشعل العالم الأيام الماضية وسط هجوم أمريكى شرس.



لكن، الساحة الخلفية الأمنية للروبوتات الأمريكية ليست ناصعة البياض، حيث زادت القضايا المتداولة فى المحاكم بحق شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة، خاصة فيما يتعلق بفترتى الرئيسين الأمريكيين السابقين «باراك أوباما وجو بايدن».

عندما تسلم الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» مقاليد السلطة رسميا فى 20 يناير الماضى، كان «ديب سيك» فى طريقه إلى الانتشار على هواتف المستخدمين حول العالم، خاصة داخل الولايات المتحدة، حيث أطلقته الشركة الصينية فى اليوم نفسه، وسريعا أحدث التطبيق ضجة كبيرة حول العالم. 

 

 

 

قبل «ديب سيك»، كانت جميع روبوتات الذكاء الاصطناعى المعروفة تابعة لشركات أمريكية، ومع إطلاقه، تكون الصين تغلبت على الحظر التكنولوجى المفروض عليها فى هذا الإطار، مقدمة تطبيقا سارع المستخدمون إلى تحميله من المتاجر الإلكترونية.

وقالت شركة «سنسور تاور» الخاصة بالأبحاث التحليلية: إن التطبيق تجاوز 3 ملايين عملية تحميل فى  الأيام الأولى منذ إطلاقه، رغم الحظر المفروض على تصدير الرقائق المتقدمة إلى الصين، حيث تمكنت «بكين» من صنع «روبوت» لا تساوى تكلفته شيئا، مقارنة بتكلفة «تشات جى بى تى» التابع لـ«أوبن إيه آى» الأمريكية.

«الروبوت الصينى» أحدث هزة كبرى فى السوق الأمريكية، وتسبب فى خسارة شركة «إنفيديا» العملاقة لصناعة الرقائق، ما يقرب من 600 مليار دولار (أى نحو 482 مليار جنيه استرليني) من قيمتها السوقية بعد 7 أيام من إطلاقه، وهى أكبر خسارة فى يوم واحد فى تاريخ الولايات المتحدة قبل أن نتداركها لاحقا.

منذ ذلك الوقت، بات «التطبيق الصينى» حديث الساعة، لدرجة تحدث الرئيس الأمريكى عنه قائلا: «إنه بمثابة «جرس إنذار» للشركات الأمريكية»، التى حثها على أن تركز اهتمامها على «التنافس فى سبيل الفوز».

 كيف قلب الطاولة؟

قال الدكتور محمد خليف استشارى الابتكار والتحول الرقمى، ومقرر لجنة الثقافة الرقمية بالمجلس الأعلى للثقافة، لـ«صباح الخير» إن ما يسمى يعد «الذكاء الاصطناعى التوليدى» أصبح ثورة فى مختلف القطاعات، بدءًا من الأعمال والاقتصاد وحتى البحث العلمى والفنون، ويعتمد هذا النوع من الذكاء الاصطناعى على النماذج المتقدمة التى تتيح توليد: النصوص، الصور، الموسيقى والبرمجيات، ما يسهم فى تعزيز الإبداع وزيادة الكفاءة فى العديد من المجالات.

وأضاف: أصبحت القوى العالمية تدرك أن الذكاء الاصطناعى ليس مجرد أداة تقنية، بل أداة استراتيجية تؤثر على الأمن القومى والاقتصاد والقدرة التنافسية للدول، وأدى إلى سباق محموم بين الشركات التكنولوجية الكبرى، مثل «أوبن إيه آى» و«جوجل» و«مايكروسوفت» على تطوير نماذج ذكاء اصطناعى أكثر تقدمًا، وقادرة على تقديم نتائج أكثر دقة وموثوقية.

وأوضح أن فلسفة بناء تلك النماذج، تختلف من تطبيق لآخر حيث تعتمد النماذج من أمثال «تشات جى بى تى» على فلسفة التدريب على البيانات الكبيرة بقدرات حاسوبية كبيرة وطاقة مستهلكة فى مراكز البيانات الكبيرة للحصول على نتائج دقيقة، لكن «ديب سيك»، قلب الطاولة بالتوصل إلى المزيج الأكثر فاعلية من الدقة والكفاءة، وقلل الحاجة إلى قدرات حاسوبية ضخمة.

فى مواجهة ذلك أعلن «دونالد ترامب»، فى 24 يناير عن مشروع هائل للاستثمار فى البنية التحتية للذكاء الاصطناعى بقيمة 500 مليار دولار، من خلال إنشاء شركة جديدة تسمى «استارجيت» لتنمية البنية التحتية لـ الذكاء الاصطناعى يتشارك فيها عمالقة التكنولوجيا والمال: «سوفت بنك أوبن إيه آى أوراكل».

الإعلان أثار حفيظة «إيلون ماسك» الملياردير الأمريكى وعضو إدارة الرئيس ترامب، فسارع بانتقاده على منصة «X» للتواصل الاجتماعى، قائلا: «إنهم لا يملكون المال حقًا لذلك.. شركة «سوفت بنك» لديها أموال مؤمنة أقل من 10 مليارات دولار، لقد حصلتُ على ذلك من مصدر موثوق».

هذا الانتقاد جعل من «ماسك» و»سام ألتمان» الرئيس التنفيذى لأوبن إيه آى خصمين متنافسين، بعد أن كان شريكين متعاونين فى «تشات جى بى تى».

 

 

 

 العملاق الصينى 

ينظر للإعلان عن إطلاق «ديب سيك» على أنه الحدث الأضخم فى مجال الذكاء الاصطناعى منذ «أول قمة عالمية حول الذكاء الاصطناعى» فى نوفمبر 2023، التى عُقدت فى منتجع «بلتشلى بارك» جنوب بريطانيا، وانتهت بإعلان غير ملزم للجميع بالاستمرار فى «تطوير الذكاء الاصطناعى، مع الحرص على تجنب مخاطره».

 ويعد إطلاق «ديب سيك» إعلانا قويا عن وجود منافس صينى معلن لأول مرة فى هذا المجال، حيث ضاعفت «بكين» جهودها مؤخرًا فى هذا المضمار، حتى إن «شى جين بينج» الرئيس الصينى، أعلن سابقا أن الذكاء الاصطناعى يمثل أولوية قصوى، بعد أن كانت البلاد تعتمد على الصناعة التقليدية للملابس والأثاث وغير ذلك مما اشتهرت بها الصين.

فيما قال الدكتور أحمد فوزى أستاذ الذكاء الاصطناعى والتحول الرقمى، فى معهد بحوث الإلكترونيات، لـ«صباح الخير»: إن النموذج الصينى يتميز بتركيزه على اللغات الآسيوية والذكاء الاصطناعى المفتوح المصدر، ما يجعله جزءًا من استراتيجية الصين لتعزيز استقلالها التكنولوجى، فقد تم إطلاقه بتكلفة 3٪ من تكلفة «تشات جى بى تى» وهذا هو الابتكار فى حد ذاته.

وروبوت المحادثة «ديب سيك» يوصف بأنه فتحا جديدا فى هذا المجال، فهو روبوت محادثة مجانى يعمل بالذكاء الاصطناعى ومصمم «للإجابة عن أسئلتك وتحسين حياتك بكفاءة».

بينما يقول بعض الخبراء الذين سألتهم «صباح الخير»: إن أبرز ميزة واضحة للمستخدمين أنه أسرع من النماذج الأمريكية، على خلاف ما ذكرته مواقع إخبارية أوروبية.

 

 

أما مؤسس شركة «ديب سيك» فهو «ليانج وينفونج» وفى ديسمبر 2024 تمكنت شركته من إصدار أول نموذج من نماذج اللغة الكبيرة للذكاء الاصطناعى وهو أيضا الرئيس التنفيذى لصندوق التحوط المسمى «هاى فلاير»، الذى يستخدم الذكاء الاصطناعى لتحليل البيانات المالية لاتخاذ قرارات الاستثمار.

وفى 2019، أصبح «هاى فلاير» أول صندوق من نوعه فى الصين يجمع أكثر من 100 مليار يوان (أى ما يعادل 13 مليون دولار).

تسييس الروبوت

يميل الكثيرون من المستخدمين والخبراء ووكالات الأنباء إلى المسارعة بحسم إجابة السؤال: هل تفوق التطبيق الصينى على «تشات جى بى تى»؟ لكن بعيدا عن فخ المسارعة بإجابة حاسمة، فإن الشركة الناشئة «ديب سيك» قالت: إن نموذج الذكاء الاصطناعى الجديد مفتوح المصدر تفوق على نماذج «ستابيليتى إيه آى» وMSFT.O التابع لمايكروسوفت، وإنه يفتح بابًا جديدًا فى معايير توليد الصور.

بينما يشير أحد خبراء التقنية إلى أن «تشات جى بى تى» لا يزال متفوقًا على «ديب سيك» فى الأداء وتقديم النتائج، لكن التكلفة المنخفضة لـ «ديب سيك»، تجعله مرشحًا للمنافسة القوية.

 

 

 

من جهته قال الدكتور محمد خليف: يمكن فهم هذا الصراع من منظور فلسفى، حيث يعكس تنافس الشركات على الذكاء الاصطناعى صراعًا أوسع بين الأفكار والتوجهات المختلفة بشأن مستقبل التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع، فالبعض يرى أن الذكاء الاصطناعى يجب أن يكون مفتوح المصدر ومتوافرًا للجميع لتعزيز الابتكار والمساواة كما فى حالة «ديب سيك»، بينما يرى آخرون أن التحكم فيه يجب أن يكون مضبوطًا لحماية الأمن والمصالح الاقتصادية، كما فى حالة «تشات جى بى تى». 

وأضاف «خليف»: كما يطرح الصراع تساؤلات جوهرية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعى وخصوصية البيانات، وكيفية ضمان ألا يُستخدم بطرق ضارة أو تؤدى إلى تفاقم التفاوت الاقتصادى والتكنولوجى بين الدول، من ناحية أخرى، فإن هذا الصراع يحمل فوائد كبيرة لدول العالم، حيث يؤدى التنافس بين الشركات إلى تسريع وتيرة الابتكار وتحسين جودة النماذج المتاحة.