الأحد 11 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

صراع القيم فى مواجهة «تيك توك»

يقول متخصّصون إن تطبيق «تيك توك» أساءت الغالبية العظمى من المصريين استعماله بحثًا عن الأموال، مما تسبب فى انحراف وانحلال كثير من الشباب نتيجة غياب دَور الأسرة، ونجَم عن ذلك وقوع عدد كبير من الجرائم المجتمعية.



يومًا تلو الآخر تتعالى النداءات داخل أروقة البرلمان المصرى للمطالبة بحجب وإغلاق تطبيق «تيك توك» بصورة نهائية، بدعوَى أنه «المنصة الأكثر فسادًا»، ويتعارض محتواه مع قيم المجتمع وأخلاقياته ويخالف جميع الأعراف والعادات والتقاليد، مما يجعله يشكل خطورة على الأطفال والمراهقين.

وفى نوفمبر الماضى، تقدّم البرلمانى عصام دياب بطلب إحاطة للمطالبة بحجب التطبيق، وأوضح أنه «ساعد على ظهور نوع جديد من ضخ رؤوس الأموال غير معروفة المصدر وفتح سوق موازية للأموال المشبوهة ليست لها أية ضوابط أو قوانين تراقب حركة الأموال بين المستخدمين»، مما أسهم فى رواج كبير لفئة جديدة اتخذت «تيك توك» مصدرًا أساسيًا للدخل.

ولم يكُن طلب الإحاطة المقدم الأول من نوعه، إذ سبق أن تقدمت النائبتان إيناس عبدالحليم وأميرة أبو شقة بطلبات لإغلاق التطبيق إثر تعرُّض طالب لحادثة تسببت فى إصابته بـ«شلل رباعى» بعد مشاركته فى تحدٍّ رائج على التطبيق وبحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن شركة «بايت دانس» الصينية المالكة لـ«تيك توك»، فإنه يحظى بانتشار واسع بين قطاع عريض من المصريين، إذ وصل عدد مستخدميه إلى 32.94 مليون شخص تبلغ أعمارهم 18سنة أو أكثر، كما وصل معدل وصول إعلانات المنصة إلى ما يعادل 40.2 فى المئة من قاعدة مستخدمى الإنترنت المحليين بغض النظر عن العمر.

وبينما يرى متخصّصون ضرورة حجب التطبيق وإغلاقه بصورة نهائية وقطعية للحد من أخطاره وأضراره المجتمعية، يعرب آخرون عن اعتقادهم بأن التوعية التكنولوجية خط الدفاع الأول عن الآثار السلبية المترتبة والناجمة عنه، وليس «الحجب والإغلاق».

 

 

 

بلا رقابة

ويرَى المتخصّص فى علم الاجتماع السياسى الدكتور عبدالحميد زيد، أن كل الشواهد تشير إلى أن «تيك توك» أسهم بصورة كبيرة منذ ظهوره فى فساد الأخلاقيات، موضحًا أن التطور التكنولوجى موجود فى جميع بلدان العالم، لكن معدل الانحرافات والممارسات غير الأخلاقية الناجمة عن استخدام ذلك التطبيق يختلف من دولة إلى أخرى، ومشددًا على ضرورة أن تكون لدى المجتمعات قدرة حقيقية على الفرز والاستخدام السليم لتلك التطبيقات لتعظيم الاستفادة منها وحتى لا تتحول إلى وسيلة للهلاك والدمار.

ويلفت «زيد» إلى أن مواجهة السلبيات والآثار السلبية الناجمة عن ذلك التطبيق تكمن فى «زيادة الوعى المجتمعى لا الحجب»، لأنه يخالف قيم الحرية الذاتية، مشيرًا إلى أن كل دولة تستخدم ذلك التطبيق وفقًا لثقافتها ومعاييرها وأهدافها.

وبحسب «زيد»، فإنه حدثت إساءة بالغة فى استخدام التطبيق خلال الأعوام الأخيرة، فأصبح ينظر إليه على أنه وسيلة تسهم فى زيادة الانحراف المجتمعى والأخلاقى.

وتتفق مستشارة البحوث الاجتماعية والأسرية والسلوكية فى المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية الدكتورة هالة منصور مع الطرح السابق، مؤكدة أن «ضرر التطبيق أكبر من فوائده لأنه تسبب فى تعرية سلبيات المجتمع وعيوبه وتشوهاته، وفتح مجالًا للانحراف لشرائح وفئات عدة مع إيجاد وسائل لتبرير هذا الانحراف السلوكى».

ووفق «منصور»، فإن التطبيق يعتبر الأكثر انتشارًا مقارنة ببقية المنصات الأخرى، لأنه متاح للجميع بسبب مجانية استخدامه، علاوة على أنه أيسر فى التعامل وأسرع فى عملية تداول الأرباح المالية، إضافة إلى أنه يُعدّ وسيلة جاذبة لكثير من الشرائح العمرية المختلفة، لا سيما الشباب والمراهقين والأطفال.

وترى أن «تيك توك» تحوّل إلى «ساحة للمتاجرة وبيع كل شىء مقابل المال»، منّوهةً بأن مستخدمى التطبيق يستطيعون استعراض تفاصيل حياتهم الأسرية والشخصية عبر منصاتهم، لذلك فغالبية مستخدمى التطبيق «أشخاص بلا وعى ويتعمّدون انتهاك خصوصيتهم مقابل الحصول على المال»، واصفة معظم مستخدمى التطبيق بـ«شخصيات مشوَّشة».

وتتفق أستاذة علم الاجتماع مع الدعوات إلى حجب التطبيق وغلقه نهائيًا، مطالبة بحجبه وإغلاقه مثلما حدث فى دول عدة حول العالم، بسبب جرائمه المفزعة خلال الأعوام الأخيرة، أبرزها تكدير الأمن والسلم العام وشيوع الفاحشة والانحراف الأخلاقى والترويج للدعارة والمراهنات ومخالفة الأعراف والقيم المجتمعية، أو العمل على تقنينه من خلال فرض رسوم وضرائب باهظة على مستخدميه حتى لا تكون السلعة متاحة بصورة ميسّرة أمام الجميع.

وعلى مدَى الأشهُر الماضية، أعلنت بعض البلدان والمناطق تنفيذ حظر تطبيق «تيك توك» جزئيًا أو كليًا، وأبرزها أستراليا وإستونيا والمملكة المتحدة ومؤسّسات الاتحاد الأوروبى وفرنسا، علاوة على هولندا والنرويج وبلجيكا والدنمارك، إضافة إلى الهند ونيوزيلندا.

«أى شخص أصبح بإمكانه أن يكون صانع محتوى على تلك المنصة فى لحظات معدودة».. هكذا يعقب مستشار الإعلام الرقمى والمُحاضر فى الجامعة الأمريكية الدكتور فادى رمزى، ويوضح أن «تيك توك» أصبح متنفسًا لدى كثير من المصريين فى عرض قضاياهم ومشكلات حياتهم اليومية وأصبح مرآة لفضح عيوب وسلبيات المجتمع، مردفًا: إن كثيرًا من المستخدمين يلجأون إلى نشر مقاطع وفيديوهات بعضها هادف وبعضها «لا أخلاقى»، ويتعارض مع عادات المجتمع المصرى وتقاليده.

ولم يخفِ مستشار الإعلام الرقمى مخاوفَه من تزايُد حال التفاعل مع التطبيق، واصفًا الأمر بـ«المُقلق»، ويشير إلى أن خطورته تكمن فى تزايُد أعداد مستخدميه بصورة سريعة، لا سيما بين شرائح المراهقين والشباب، علاوة على نجاحه فى سَحب البساط من منصات تواصُل أخرى بسبب سهولة عرض الفيديوهات عليه وجاذبيتها، مقارنة ببقية منصات التواصُل الاجتماعى الأخرى.

ويضيف: إن «تيك توك» لا يخضع لأى رقابة أو سيطرة من أى جهة، إذ تكون العلاقة مباشرة بين صناع المحتوى ومُلاك التطبيق فقط، بالتالى يستطيع أى شخص لديه هاتف محمول أن ينشر أى محتوى من دون رقابة عليه نظير الحصول على مَبالغ مالية.

 

 

 

فلترة المحتوَى

وفى شأن مدى إمكان حجب التطبيق وإغلاقه، يقول خبير أمن وتكنولوجيا المعلومات المهندس مصطفى أبو جمرة، إنه أمرٌ يسهل تطبيقه من الناحية التقنية والتكنولوجية عبر استخدام «خوارزميات الذكاء الاصطناعى»، لكن من الأجدَى فتح نقاش بين الدولة والشركة الصينية مالكة التطبيق من أجل تنظيف وفلترة المحتوى من المَشاهد واللقطات والممارسات غير الأخلاقية.

ويرى أبو جمرة، أن الشركة المالكة للتطبيق لا يهمها سوى تحقيق الأرباح بغض النظر عن مدى تأثير المحتوى فى الرأى العام، لكنها قد ترضخ لطلبات الدولة فى حال مطالبتها بفلترة المحتوى، خشية من حجب التطبيق أو إغلاقه أو التشويش عليه بتقليل سرعته، مستشهدًا بأنه «إذا قارنّا بين محتوى التطبيق فى الصين ومصر فسنجد اختلافًا كبيرًا، ففى بكين المحتوى هادف وثقافى وفنى عكس ما يُبث وينشر فى القاهرة».

ويعتقد أبو جمرة،  بأن «تيك توك» هو وسيلة التواصُل الوحيدة لـ«جيل زد» الذى يرتبط بصورة وثيقة بالتكنولوجيا والذى هاجر منصة التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، ولا يشاهد التلفاز نهائيًا، ويستخدم الإنترنت للحصول على المعلومات.

 

 

 

ويعدد مساعد وزير الداخلية السابق لأمن المعلومات اللواء محمود الرشيدى بعض الحلول التى يمكن من خلالها مواجهة إشكاليات التطبيق، أبرزها التوعية التكنولوجية التى تعتبر خط الدفاع الأول عن الآثار السلبية المترتبة والناجمة عن استخدام هذا التطبيق، علاوة على إضافة نصوص تجرّم ما يطرأ من جرائم مرتبطة بالتطور التكنولوجى، فضلًا عن تغليظ العقوبات فى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 للحد من أخطاره، وكذلك تجريم أى أنشطة ضارة وغير مشروعة على شبكات الإنترنت فى ظل تضاعُف أعداد مستخدميه، مردفًا: إن «هناك 50 مليون مواطن مصرى يستخدمون الإنترنت، 90 فى المئة منهم ليس لديهم الوعى الكافى بالاستخدام الآمن والرشيد للتكنولوجيا».

ووفق «الرشيدى»، فإن «تيك توك» أصبح إحدى وسائل الاختراق الإلكترونية ويمكن من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعى تحليل بيانات أى شخص واستخدامها لابتزازه فى المستقبل، مستشهدًا بأن أمريكا أجبرت كل مسئولى الحكومة على عدم استخدامه خشية من الاختراق الإلكترونى لأن هذه التطبيقات تتداخل فيها وكالات استخبارات عالمية من مختلف بلدان العالم. وأضاف: إن مصر «لا تملك إغلاق التطبيق، لكن تملك حجبه فقط عبر استخدام بعض الوسائل التكنولوجية مثلما فعلت فى موقع المراهنات والقمار الإلكترونى».

ويرى «الرشيدى»، أن كثيرًا من المستخدمين ليست لديهم الدراية الكافية بأساليب استخدام تطبيق «تيك توك» وكيفية حماية بياناتهم ومعلوماتهم الشخصية، ويرغبون فقط فى تحقيق أرباح سريعة من ورائه، علاوة على أنه أصبح هناك تنافس كبير بين الشبان والفتيات على نشر فيديوهات تخدش الحياء وغير أخلاقية لتحقيق نسبة مشاهدات عالية، بالتالى حصولهم على مَبالغ أكبر.

وخلص تقرير بحثى أعدّه المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إلى ارتفاع نسبة استخدام الذكور لتطبيق «تيك توك» عن‏ الإناث، وجاءت الفئة العمرية التى تتراوح ما بين 15 و24 سنة الأكثر استخدامًا للتطبيق، تليها الفئات العمرية التى تتراوح ما بين 36 و50 سنة، ثم 51 سنة فأكثر، مما يعنى أن الفئات الأصغر سنًا هى الأكثر استخدامًا لهذا التطبيق، نظرًا إلى ما يتضمنه من محتويات تثير اهتمام المراهقين والشباب.