الجمعة 21 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

كوارث «المونجارو»

شلل بالمعدة وهبوط فى الدورة الدموية، وحالات تقترب من حافة الموت، والسبب حلم الرشاقة والقوام النحيف، والطريقة عادة حقن جديدة وأدوية نسمع عنها لأول مرة منتشرة رغم خطورتها..مواقع التواصل الاجتماعى مؤخرًا امتلأت بقصص وتفاصيل عن نجمات فاجأن جمهورهن بأجساد نحيفة تمحى صورتهن القريبة للذاكرة حيث خلال أشهر قليلة تحولن لأخريات.



صغرن فى السن يتباهين بالخصر الرشيق حيث تتطاير صورهن لتغازل الحالمين بالرشاقة رجالًا ونساءً بعد أن أعلنوا عن الوصفة السحرية حقن «مونجارو».

مونجارو تستخدم فى الأساس لعلاج السكر من الدرجة الثانية.

وتحتوى على المادة الفعالة «التيرزيباتيد»، وتعمل هذه المادة على خفض مستوى السكر فى الدم من خلال تحفيز إفراز الأنسولين وإبطاء عملية امتصاص الطعام فى الجهاز الهضمى، ما يساعد على تعزيز الشعور بالشبع.

لكن المونجارو لها ضحايا، منهم الفنانة الشابة هند عبدالحليم.. والتى كشفت خلال فيديو نشرته على حسابها على «إنستجرام» إصابتها بشلل فى المعدة على الرغم من قصر مدة تعاطيها لهذه الحقن وكتبت: «اللى حصلى ده بسبب حقن التخسيس مطولتش فيها خدت شهر وأسبوع وتعبت جدًا ودخلت المستشفى وحصلى شلل مؤقت فى المعدة أدى إلى إنى مش عارفة آكل وألم رهيب وكنت عايشة على المحاليل».

من جانب آخر داهمت الفنانة منى فاروق غيبوبة أثناء عودتها من رحلتها فى السعودية، بعد إعلانها عن إصابتها بشلل فى المعدة نتيجة حقن التخسيس أيضًا، ومن قبلهما ألمحت كل من الفنانتين صابرين وإلهام شاهين باستخدامهما لهذه الحقن.

وكشف الفنان خالد الصاوى، أنه فقد جزءًا من وزنه بمثل هذه الطرق، إلا أنه كان سيتعرض لكارثة. بعد تناول حقن التخسيس، موضحًا أنه حصل على جرعتين من نوعى حقن مختلفين منتشرين بالأسواق، إلا أن الحقن تسببت له فى توقف الجهاز الهضمى ودخل إلى المستشفى على أثرها. 

وقال الفنان إدوارد، إنه أصيب بشلل مؤقت فى المعدة بسبب حقن التخسيس.

ومونجارو ليست الدواء الوحيد الذى يستخدم آثاره الجانبية الباحثون عن الرشاقة، فمن قبل تم استخدام أدوية مخصصة للغدة الدرقية، ولفقدان الجسم للماء وملينات وغيرها من الأدوية دون وصفات طبية أو جرعات محددة.

 

 

 

وتكشف حقن مونجارو عدة محاور لعشوائية الإقبال على أدوية التخسيس بالسمع والشهرة، ما قد يسبب الموت.

فى هذا التحقيق نلقى الضوء على دور السوشيال ميديا فى الترويج لتلك المستحضرات، ما يشجع الكثيرين على اتباعهم بدون استشارة طبية إضافة إلى استعراض دور لجنة الصحة بالبرلمان إزاء هذه الفوضى.

فى البداية قال النائب أيمن محسب: سأتقدم بطلب إحاطة بشأن هذه الحقن وفوضى استخدامها وبيعها.. حيث تعرض بعض من استخدموا هذه الحقن للفشل الكلوى وغيره من الأمراض، مؤكدًا أن وزارة الصحة هى المسئولة عن الرقابة والمتابعة وإحكام السيطرة ويقع على عاتقها حملات التوعية وتحديد العقوبات، أما الإجراءات الإدارية والمحظورات مسئولية نقابة الصيادلة بصفتها نقابة عمالية فتأخذ إجراءات رادعة».

وأشار محسب إلى أن نقابة الصيادلة لا تقوم بدور جدى فى هذا الموضوع، فالصيدلية عندنا كالبقال، أصبحنا نراسلها على الواتس آب لنطلب الدواء أو نطلبه من المنزل دون وصفة علاجية من دون تشخيص للحالة. 

وأضاف: تقدمت من قبل بطلب إحاطة بشأن ظاهرة الاستعمال السيئ للدعاية الطبية عبر وسائل الإعلام فى تسويق أوهام وأدوية تضر بصحة المرضى، الوزارة تكتفى بالبيانات والتصريحات لكنها لا تراقب كما يجب، لا يوجد تفتيش دورى على الصيدليات ولا التزام بتعليمات صرف الأدوية بدون روشتة غير موجود وفى حالة وجود مشكلة خلال التفتيش تتضامن النقابة كلها مع الصيدلى.

الدكتورة إيرين سعيد عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، قالت: أولى طلبات الإحاطة التى تقدمت بها لمجلس النواب كانت تتعلق بصرف الأدوية من الصيدليات بدون روشتة، خاصة المضادات الحيوية، وأدوية علاج الأعصاب التى قد تؤدى إلى الإدمان، وغيرها من الأدوية التى لها آثار جانبية خطيرة.

وأوضحت أن المضادات الحيوية تأتى على رأس هذه القائمة، حيث يبالغ المصريون فى تناولها من دون وعى، ما أدى إلى ظهور مقاومة لها، وأصبحت مصر من أعلى الدول التى لديها مقاومة للمضادات الحيوية.

 

 

 

وشددت سعيد على ضرورة وجود قائمة تصنف الأدوية حسب خطورتها وآثارها الجانبية، وعدم التعامل معها من دون وعى. وبالنسبة إلى الجهة المنوط بها إحكام الرقابة على انفلات بيع الدواء، أكدت سعيد أن هيئة الدواء المصرية يجب أن تصدر قرارًا بهذا الشأن بالتعاون مع وزير الصحة، مشيرة إلى أن مصر عانت فى فترة من الفترات من نقص أدوية السكر الضرورية لمرضى السكرى الحقيقيين، بسبب تكالب الباحثين عن الرشاقة وحلم التنحيف عليها.

كما أوضحت أن البعض، ممن يسعون إلى وهم الرشاقة من دون جهد حقيقى أو نظام تغذية سليم، يلجأون إلى أدوية السكر التى تعمل على تحفيز البنكرياس (عصره) لإفراز الأنسولين، ما يساعد على الحرق بشكل كبير.

ومع استخدام هذه الحقن، يصاب الشخص المعافى بالمرض ويعتل البنكرياس، إذ إن الأنسولين الخارجى فى الجرعات التى يتم حقنها يؤدى إلى تكاسل البنكرياس عن أداء دوره. وفى الحالتين، سواء «عصر» البنكرياس أو تحفيزه على التكاسل، تكون النتيجة هى الاعتلال والمرض.

وفيما يتعلق باعتقاد البعض بأنه يمكن استغلال الآثار الجانبية لبعض أدوية علاج السكر للتخسيس مع اعتقاد شائع بأن المنظمات الدولية سمحت بهذا قالت: يستحيل أن توصى منظمة الصحة العالمية باستخدام دواء يحمل ضررًا مضاعفًا للإنسان، حتى العمليات الجراحية، مثل التكميم، هناك أطباء متخصصون يرفضون إجراءها إلا فى حالات الضرورة القصوى، حيث تكون زيادة الوزن كبيرة بشكل يستحيل معه اللجوء إلى الطرق التقليدية.

 

 

 

وأكدت أن المشكلة عندنا تكمن فى فوضى غير المتخصصين فى هذا المجال، وغياب الضمير عن بعض الأطباء. كما أشارت إلى أن مريض السمنة نفسه أصبح هو من يختار الوسيلة التى يريد استخدامها، ويتخذ القرار بناءً على هوسه بالسوشيال ميديا وما يُبث من خلاله من دون وعى.

من جانبه قال الدكتور هشام الخياط، أستاذ الجهاز الهضمى والكبد وزميل جامعة هارفارد: «فى أمريكا وأوروبا توجد قيود صارمة على بيع الأدوية، حيث تصرف بروشتة مختومة ويتم توزيع الأدوية بعدد الأقراص الموصوفة، وليس بالعلبة، مثل أدوية القلب والسكر والضغط والمسكنات والمضادات الحيوية».

وأضاف: «فى الوقت الحالى تتجه أنظار كثيرين نحو النحافة، وهذا يتطلب تغيير نمط الحياة. ولكن فقط 5% من الأشخاص يستطيعون تحقيق ذلك من خلال الرياضة والتغذية الصحية».

ويقول: من هنا ظهرت حلول من التدخلات الطبية مثل بالون المعدة، الذى يتم وضعه بالمنظار. هذا الإجراء مكلف، وبعد إزالته، قد يعود وزن المريض كما كان، وهو لا يناسب جميع الأوزان، ووجدت خيارات أخرى مثل تحويل المسار أو قص المعدة، لكنها تحمل مخاطر جانبية قد تصل إلى الوفاة فى بعض الحالات، لذلك لجأ البعض إلى الأدوية التى تعالج أمراضًا أخرى مثل السكر.

وأكمل: الحقن التى نتحدث عنها، مونجارو، تستخدم لعلاج مرضى السكر من النوع الثانى. هذه الحقن هى الأولى التى تسبب فقدانًا كبيرًا للوزن، لأن الأنسولين كان يسبب زيادة فى الوزن.

بدأت شركات الأدوية المحتكرة لتلك الحقن بتقديمها فى ثلاثة أسماء تجارية هى: «فيكتوزا»، «أوزمبيك» و«ويغوفى»، و«مونجارو»، وهو الأقوى.

لكن يجب استخدام هذه الأدوية تحت إشراف طبى، وخاصة للأشخاص الذين لا يعانون من مرض السكر، والذى أكدته منظمة الأدوية والأغذية الأمريكية أنه يمكن استخدامها لمن يريد فقدان وزنه، ولكن تحت إشراف طبى صارم.

قاطعته قائلًا: «أفهم من حديثك أنك لست ضد استخدام حقن المونجارو لراغبى إنقاص الوزن، لكن يجب أن يتم ذلك تحت إشراف طبى؟».

 

 

 

فأجاب: «نعم، الإشراف الطبى ضرورى ومراعاة تدرج الجرعات حيث تعمل هذه الحقن على تحفيز مركز الشبع وتبطئ تفريغ الأمعاء، مما يجعل الشخص يشعر بالشبع لفترة طويلة لكن عند الشعور بالغثيان والقيء، يجب التوجه للطبيب لتجنب تفاقم المشكلة».

وقال: أغلب من خضع لحقن مونجارو لم يتبعوا الإشراف الطبى ولم يراعوا تدرج الجرعات، أنا لست ضدها، فهى تساعد فى فقدان 20% من الوزن خلال 6 شهور إلى سنة، وهى نسبة لا تحققها أدوية أخرى. وأعتقد أنها ستكون حلًا مستقبليًا فعالًا لكن بشرط الاستشارة الطبية.

ويقول: «لدينا فوضى وغياب ضمير بعض من يسمون أنفسهم خبراء تغذية، حيث يصفون أقراصًا خطيرة تحتوى على ثلاثة أدوية: دواء للغدة الدرقية يساعد على الحرق، ودواء مدر للبول، ودواء ملين شديد. وهذه التركيبة تسبب الجفاف ولزوجة الدم، وعندما دخلت وسائل التواصل الاجتماعى مجال الطب، أفسدت المهنة، وأصبح لدينا برامج دعائية للأطباء وهي مدفوعة الأجر، مع أن الدعاية الحقيقية للطبيب هى نجاحه مع مرضاه.

الدكتور محمد عبدالحى عبيد، استشارى الجهاز الهضمى وعلاج السمنة جامعة القاهرة، وزميل الجمعية الأمريكية للمناظير، قال إن الكارثة الحقيقية تكمن فى أولئك الذين يطلقون على أنفسهم لقب «أخصائيى النحافة»، وهو مسمى لا وجود له فى العالم. مؤكدًا أنه لا يوجد خبير تغذية يحق له وصف هذه الحقن، لأنها تحتاج إلى طبيب بشرى متخصص.

وأوضح الدكتور عبيد أن الطبيب الذى يصف هذه الأدوية يجب أن يكون مسجلًا فى نقابة الأطباء.

وأشار إلى أن «خبير التغذية» ليس طبيبًا بالضرورة، فقد يكون خريج كلية علوم أو زراعة أو حتى تجارة، ثم يحصل على دورة تغذية من معهد التغذية فى قصر العينى، ليبدأ بعدها بالنصب على المرضى، ويكتب على اللافتة «طبيب تغذية»، وهو ادعاء غير صحيح.

وتحدث الدكتور عبيد عن دواء «مونجارو»، وأوضح أنه تم اكتشاف تأثيره فى إنقاص الوزن بالصدفة، وهذا الاكتشاف يعود لسنوات وليس حديثًا. ورغم ذلك، فإن منظمة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) صنفت هذا الدواء لعلاج السكرى فقط.

وأشار إلى أن الشركة المنتجة استخدمت المادة الفعالة نفسها فى دواء آخر يحمل اسم «ذى بوند»، وحصل هذا الدواء على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج السمنة، ولكن بشروط صارمة، إذ يُستخدم فقط إذا كان مريض السمنة يعانى من أمراض أخرى مصاحبة، مثل أمراض القلب أو الضغط.

وأكد الدكتور عبيد أن استخدام هذا الدواء فقط لإنقاص 5 أو 10 كيلوجرامات من الوزن قد يؤدى إلى كوارث صحية، مشيرًا إلى أن شلل المعدة، كأحد الآثار الجانبية لهذا الدواء، قد يؤدى إلى الوفاة.

وذكر أن هناك 162 حالة وفاة فى أمريكا مرتبطة بحقن «مونجارو»، بالإضافة إلى وفاة ممرضة بريطانية فى الخمسين من عمرها بعد تلقيها جرعتين فقط.

وأوضح أن حقن «مونجارو» قد تسبب سرطان الغدة الدرقية وسرطان البنكرياس. وربما هذا أحد الأسباب بأن هذه الحقن تُباع أحيانًا تحت مسميات أخرى هربًا من سمعتها السيئة.

 

 

 

واستنكر الدكتور عبيد ترويج بعض الفنانين والفنانات لهذه الحقن، معتبرًا ذلك دعاية مضللة تستغل وعى الناس البسيط وتستغل هوسهم بحلم الرشاقة الكاذب.

وردًا على سؤال حول ما إذا كان يوافق على استخدام هذه الحقن تحت إشراف طبى، قال الدكتور عبيد: «قولًا واحدًا، أنا ضدها تمامًا». وأكد وجود طرق بديلة أكثر صحة وأقل تكلفة وأضرارًا جانبية.

مشيرًا إلى أن التوقف عن استخدام هذه الحقن يؤدى إلى عودة الوزن الأساسى، فضلًا عن أن هذه الحقن تشير إلى أنه يكسر 40% من عضلات الجسم، وهو ما وصفه بالكارثة.

أما بالنسبة للسيدات فأوضح أن هذه الحقن تؤدى إلى مشكلات عديدة منها، «العين غائرة»، وترهل الوجنتين والثدى، وتساقط الشعر، مع احتمال حدوث الصلع.

واختتم الدكتور عبيد حديثه بالتأكيد على ضرورة وضع حد لفوضى بيع الأدوية دون وصفة طبية مختومة، مشيرًا إلى أن هذا النظام مطبق عالميًا، حيث تُباع الأدوية بالقرص وليس بالشريط.