الولادة الأورجينال
الدولا..

هايدى فاروق
«الدولا»، كلمة يونانية تعنى «خادمة المرأة».. وحديثا أصبحت «مهنة» يبحث عنها كثير من النساء فى مصر؛ خصوصًا بين الأسر الميسورة.
تُعَلّم «الدولا» الحاملَ مهارات الاسترخاء والتنفس، وتجيب عن أسئلتها حول عملية الولادة، كما تساعدها فى فهم المضاعفات المحتملة، إضافة لتقديمها تمارين تساعد فى ضبط وضع الجنين، إضافة إلى ابتكار أكلات مختلفة للمساعدة فى تقوية عضلاتها وقت الولادة.
وفى العالم يسمونها «مَلاك الولادة»، أى الشخص الذى يحمى الأم ويساعدها فى تنفيذ رغباتها واختياراتها، وتكون صديقة مقربة خلال هذه الفترة فى حياة أى امرأة.
فهل اللجوء للدولا رفاهية ووجاهة اجتماعية، أمْ ثقافة أدخلتها البلوجرز واليوتيوبرز إلى مصر ولهثت وراءها السيدات كتقليد أعمَى؟

أثبتت الإحصاءات الرسمية أن الولادة القيصرية فى مصر تحتل مرتبة متقدمة عالميًا.. وقالت الدكتورة عبلة الألفى نائب وزير الصحة والسكان لشئون السكان: مصر تتصدر معدلات القيصرية بنسبة 72%. من إجمالى عدد الولادات، وهى نسبة ليست بالقليلة تؤدى بدورها إلى مشكلات كبيرة لدى «المولودين»، ومن أبرزها التوحد، تشوهات خلقية، بالإضافة إلى أن الولادة القيصرية تؤثر فى الساعة الذهبية الأولى للطفل.
فى أغسطس الماضى أصدرت عبلة الألفى نائب الوزير لشئون السكان وتنمية الأسرة (فى إطار تنفيذ المحور الثانى ودعم الولادة الطبيعية وتخفيض معدلات القيصرية غير المبرّرة طبيًا) بيانًا لمديرى المستشفيات المركزية، نَصَّ ضمن بنوده على السماح لمقدمات المشورة (الدولا) بمقابلة الحوامل قبل الولادة وتدريبهن على الولادة الطبيعية واصطحابهن إلى غرفة الولادة والعمليات وتطبيق الساعة الذهبية الأولى لمساعدتهن فى الولادة الطبيعية.

«صباح الخير» طرحت السؤال عن أهم أسباب الاعتماد على «الدولا»، وهل الحاجة للدعم لضمان تجربة إيجابية وذكرى سعيدة بين الأسباب، أَمْ أنها التطور الطبيعى للغربة التى يعيشها بعض النساء فى مجتمعاتنا الشرقية، والمعاناة من انشغال الزوج وكثرة أعباء الحياة؛ خصوصًا أنه من فترة الحمل تحتاج المرأة للكثير من الدعم والمساندة؛ حيث تمر بمرحلة من فقدان الثقة بنفسها، وقد تصاب باكتئاب ما قبل الولادة، فضلاً عن زيادة الوزن والتغيُّرات الهرمونية.
سألنا بعض النساء ممن لجأن إلى «دولا» عن تجربتهن، فقالت إيمان محمد: «الدولا» هى أحسن قرار أخذته فى حياتى، وجودها سَهَّل علىّ الكثير، لجأت إليها فى طفلى الأول وعرفت كثيرًا من المعلومات، كما أنها أجابت عن كل ما كان يؤرقنى.. بخصوص الولادة.

سألتها: وهل طبيبك لم يفعل ذلك؟
فأجابت بشكل قاطع: فى العادة لا يفعل الأطباء ذلك، الطبيب يكتفى بالمتابعة ويطلع على التحاليل ويجرى السونار، لكنه لا يتحدث معى عن مخاوفى، وإن تحدث يكون بكلمات مقتضبة جدًا تسبب حيرة أكثر، فالوقت المخصّص للكشف لا يتعدى الدقائق، وتوجد العشرات فى الانتظار، لكن مع الدولا الأمر مختلف تمامًا.
أمّا «نورهان»؛ فكانت لها تجربة مختلفة مع الدولا، بعدما فقدت جنينها ومرت بمرحلة اكتئاب ليرشح لها بعض الأصدقاء «دولا الفقد»، وهى مختصة فى تهيئة الأم التى فقدت جنينها لتعود للحياة من جديد.
«سلمى» هى الأخرى استعانت بدولا بعدما اتخذت قرار «الولادة القيصرية»، ليس لضرورة طبيّة لكن نتيجة الخوف، فقد كانت مرافقة لشقيقتها الكبرى فى ولادة طبيعية، وتسبب لها فى صدمة، فهى كانت شاهدة على ما اعتبرته عنفًا بدنيًا تعرضت له شقيقتها وسخرية من آلامها من فريق التمريض الذى وصف بكاءها بأنه «دلع»، لتلد شقيقتها بعد معاناة استمرت ساعات، ما ساعد سلمى فى اتخاذ قرار وجود دولا بجانبها.
سألتها: هل وجود زوج رحيم داعم يساعد فى عبور ألم ومعانة مرحلة الحمل والولادة؟ فقالت: الأمر لا علاقة له بالزوج وتفهمه ووجوده بجانب زوجته؛ لأن دعم المرأة للمرأة يختلف اختلافًا كليًا عن دعم الزوج.
ثقافة جديدة
لكن ما هى قصة الدولا فى مصر وكيف عرفها المجتمع مؤخرًا؟
التقينا بنيرمين إميل، «أول دولا» فى مصر وصاحبة أكاديمية لتدريب السيدات على عمل «الدولا»، فقالت: «الدولا موجودة منذ زمن طويل فى العالم، وخلال العشرين سنة الأخيرة أصبحت أكثر أكاديمية وتعمل فى بلدان العالم مع الطاقم الطبى لتساعد الأم فى المرور بتجربة الولادة بشكل طبيعى وإيجابى، ويبدأ دورها خلال فترة الحمل لتجهيز الأم ليوم الولادة، وتستفيد الأمهات من دورها؛ خصوصًا مع ارتفاع نسب الولادة القيصرية فى مصر التى تتعدى الـ 70%.

وجزء أساسى من مهام الدولا هو دعم النساء فى الولادة الطبيعية وتزويد المرأة بمعلومات عن جسدها وقدرته على التعافى، كما أنها تدعم مساعدة الحامل فى ولادة طبيعية.
تقول: «هناك معلومات عديدة غير موثقة نتوارثها تؤثر فى الأم الحامل وقراراتها. وفيما يتعلق بزيادة نسب الولادة القيصرية، هناك جزء من المشكلة يقع على الأم نفسها بسبب خوفها من «الولادة الطبيعية»؛ نظرًا لخبرات سابقة مع نساء العائلة. وجزء آخر يقع على الطبيب الذى يفضل إجراء العمليات بسرعة دون انتظار العلامات الطبيعية؛ حيث تستغرق الولادة القيصرية وقتًا أقل، ما يتيح للطبيب إجراء عدد أكبر من العمليات.
وهذا الأمر لا يضر الأم فقط؛ بل قد يؤثر أيضًا على المولود الذى قد يحتاج فى بعض الأحيان إلى دخول الحضَّانة، وقد يعانى الطفل من مشكلات فى التنفس.
سألتها عن حدود علاقة الدولا بالأم والطبيب المتابع؟ فقالت: «دور الدولا مع الأم يختلف من امرأة لأخرى، فهى التى تحدد عدد الساعات وما تحتاجه من الدعم.
وتكمل: «المتابعة تبدأ من الأشهُر الأولى للحمل، تُؤهل« الدولا» الأمَّ نفسيًا وتؤهل الزوجَ أيضًا، أمّا مع الطبيب، فبعض الأطباء يسمحون بوجودها داخل غرف الولادة، بينما ترفض بعض المستشفيات ذلك.
سألتها: هل يجب أن تكون الدولا دارسة لعلم النفس؟
أجابت: الدولا ليست طبيبة نفسية؛ بل تقدم الدعم للنساء للمخاوف الطبيعية فقط، والدولا تقدم المصادر المعترف بها طبيًا والمستندة إلى دراسات طبية موثوقة.
وعن تجربتها الشخصية ولماذا قررت أن تكون دولا؟ قالت: «لجأت إلى الدولا فى أول حمل لى منذ 6 سنوات، وأنا الآن أم لثلاثة أطفال، فعندما كنت حاملاً لأول مرة، كنت أريد أن ألد «ولادة طبيعية»، بينما كل من حولى ولدن ولادة قيصرية، فبدأت أبحث عمن يطمئننى بمعلومات عن الولادة الطبيعية.
وعندما بحثت، تعرفت على «دولا» أجنبية، وذهبت إليها مع زوجى، وتعلمت منها كل شىء، فولدت ولادة طبيعية لأول مرة داخل الماء فى المستشفى، وكان يومًا هادئًا وجميلًا. بعد ذلك، قررت أن أتمرن لأصبح دولا، وبالفعل، حضرت ولادات كثيرة، سواء طبيعية أو قيصرية للضرورة».
خدمات «إنسانية» مدفوعة
سألنا الدكتورة هالة منصور أستاذ علم الاجتماع عن « الدولا»، وهل ظهور هذه الموضة فى بيوتنا بسبب البلوجرز يمكن أن يكون تعبيرًا عن مدى اغتراب كثير من النساء عن أسرتها وزوجها؟ وما الذى جعل الدعم والمشورة التى كانت تحصل عليها المرأة فى السابق من الوالدة أو الحماة تكون مدفوعة مسبقًا فى العصر الحديث؟
فقالت: جزء من هذه موضة «الدولا» تقليد الغرب والاستسهال فى الحصول على مساعدة ومشورة، نتيجة الانبهار بالثقافة الغربية، وهو أمر شائع بين الكثيرين فى مجتمعاتنا العربية.
وأضافت: يدخل عنصر الوجاهة الاجتماعية أيضًا فى الموضوع، إضافة لعمق الفجوة بيننا اجتماعيًا؛ حيث أصبحنا نلحق أبناءنا بالمدارس التى تحقق الوجاهة دون النظر لمستوى التعليم، وأصبح استخدام اللغة الأجنبية فى الكلام مجرد وجاهة ما يخلق بَلبَلة وتشتتًا فى شخصية الطفل، أمّا لو تعاملنا مع الأمر بأنه عامل مساعد فى مراحل الأم الأولى خلال الحَمل والولادة وما بعدها فى حال عدم وجود أفراد أسرة يقدمون الدعم والمشورة؛ فهو أمرٌ محمودٌ؛ خصوصًا إذا غابت مصادر الحصول على معلومات سليمة ومفيدة للأم الحامل.
لكن إذا كان الأمر مجرد تقليد ووجاهة اجتماعية فهو مرفوض.. والأولى مشاركة الأسرة والزوج فى جميع المراحل التى تمر بها الأم وجنينها حتى تلد.
الدكتورة رحاب العوضى أستاذ علم النفس السلوكى تقول: «الدولا» مصطلح جديد تماشيًا مع الحياة العصرية، والفكرة معروفة منذ زمن بالمجتمع المصرى الريفى والصعيدى معروفة باسم (القابلة) أو الداية، فدور الدولا أو القابلة مساعدة النساء الحوامل اللائى على مشارف الولادة؛ لتوضيح عملية الولادة والاستعداد لاستقبال المولود بتجهيز المَلبس المناسب والغذاء وكيفية الرضاعة والاحتفال به والإرشادات المعنوية للأم والأب.
وعلى الرغم من أن كل الإرشادات كانت تقوم بها الأمهات والجدات والخالات؛ فإن للأسف كثرة الانشغالات الأسرية والتفكك العائلى والعاطفى الذى طال البعض فى المجتمع، كان بديله مهنة «الدولا» لتقديم الخدمة مقابل أجر.
تكمل: بعض المهن أصبحت تفرض نفسها مع التطور التكنولوجى والاجتماعى الذى يحدث بالعالم، ولا مانع من وجهود هذه المهنة، مثل بعض المهن «مصمم الأفراح أو خبير الإتيكيت أو منسق الأثاث»، كلها مهن مستحدثة لها علاقة بسمات الشخصية التى تستعين بها ونظرته للأمور واحتياجاته.