الإثنين 12 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

من دفاتر هؤلاء

يا جارة الوادى طربت

«إنما الناس سطورٌ كتبت لكن بماء»



لم أعرف كلمات تفيض حزنًا مثل ذلك المقطع الفريد من قصيدة «المواكب» لجبران خليل جبران، والتى اشتهرت كأغنية بعنوان «أعطنى الناى وغنى» عندما غنتها فيروز فى شبابها فأحدثت صخبًا فى لون غناء القصيدة العربية.

فيروز فى مقابلة نشرت منذ مدة قالت معلومة صادمة للجميع، حيث استذكرت فترة شبابها والعيش مع أهلها فى فترة الصبا وقالت: «لم يكن لدى مذياع.. كنت أسمع الموسيقى التى عشقتها من عند الجيران». واستدركت: «كان الجيران ينزعجون من كثرة غنائى حتى إنهم عندما غيرنا المنزل قالوا إنهم ارتاحوا منى».

تلك العصفورة الجبلية الخجول، أعادت مع أم كلثوم الزهو بغناء القصيدة، ورشف معانيها، لكنها كانت بلا شك طريقًا آخر غير أم كلثوم.

 

ريشة: سماح الشامى
ريشة: سماح الشامى

 

كانت فيروز المطربة العربية الوحيدة التى لم تحضر لمصر للحصول على صك اعتراف من كبار ملحنيها، الذين صنعوا مجد الأغنية العربية بمفردهم طوال نصف قرن، منذ عشرينيات القرن الماضى وحتى السبعينيات، عندما أخذت الريادة المصرية تنحسر، وتبدأ فى التراجع وتتناوشها الذئاب من كل مكان.

تعرفت على صوت فيروز كشعاع ضوء، عقب هزيمة مصر فى 1967، وحلول الظلام، وكان صوتها يخرج منتظمًا مع موسيقى فلسفية جليلة، لا تعبأ باستجداء صيحات الجمهور: «أعطنى الناى وغنى.. فالغنا سر الوجود.. وأنين الناى يبقى.. بعد أن يفنى الخلود».

تلك القصيدة تحديدًا حرصت على قراءتها عدة مرات من المكتبة فى ديوان جبران خليل جبران، بعد أن اهتزت الدنيا لنبأ قتل «شارون تيت» الفنانة الأمريكية الحسناء عن عمر يناهز 26 عامًا ومعها سبعة آخرون فى مجزرة جماعية هزت المشاعر على يد «مانسون» زعيم «الهيبز» الذى كان يقدم نفسه للعالم بوصفه المسيح الجديد، وهو ما زال حيًا خلف القضبان يعاقب على جريمته وتجاوز عمره الثمانين.

أيامها سرت موجة الهيبز بين شباب أوروبا وأمريكا، تأثرًا بمشاهد جحيم الحرب العالمية الثانية ووصول العالم بالصراع النووى الثنائى بين روسيا وأمريكا لحافة إفناء كوكب الأرض.

 

الأم
الأم

 

وكان الغريب أن هؤلاء الشباب يعتنقون فلسفة وأشعار جبران فى هجر السياسة، وصراعات الحروب، وحدود الأوطان، والعودة إلى الغابة والموسيقى والغناء، وإطالة الشعور، واختيار الأزياء العجيبة فى حرية تامة مع الاحتفاء بحرية الإنسان إلى درجة التعبير عن الحرية بالانتحار الجماعي؛ احتجاجًا على ما يحدث من قمع وحروب ودماء.

قصيدة جبران أيقونة اعتبرها شباب الهيبز إنجيلهم الجديد، خاصة مقاطعها التى تقول: «هل تخذت الغاب مثلى منزلًا دون القصور.. وتتبعت السواقى وتسلقت الصخور.. هل تحممت بعطر.. وتنشفت بنور؟ وشربت الفجر خمرًا فى كؤوس من أثير؟ هل فرشت العشب ليلًا؟ وتلحفت الفضا؟ زاهدًا فيما سيأتى ناسيًا ما قد مضى؟.. أعطنى الناى وغنى وانس داء ودواء إنما الناس سطور كتبت لكن بماء».

تلك الكلمات المنتقاة بعناية من قصيدة جبران الطويلة التى تصور حوارًا بين شيخ مسن يئن من هموم الدنيا وشاب يافع يستمع إلى آلامه وحكمته ثم يهتف: «أعطنى الناى وغنى» تاركًا العالم بكل همومه خلف ظهره، وضعت فيروز الشابة بجدارة على صدارة مغنيات القصيدة العربية بأسلوب حديث وجديد.

 

فيروز.. تجرأت على القالب المعهود للقصيدة
فيروز.. تجرأت على القالب المعهود للقصيدة

 

فيروز غنت لمحمد عبدالوهاب قصيدة أخرى لجبران يعتبرها مريدوه نموذجًا لوصف الجنة الموعودة بالهروب من هواء السياسيين الفاسد وتعقيدات حياة المدن: «سكن الليل.. وفى ثوب السكون.. تختبى الأحلام.. وسعى البدر والبدر عيون ترصد الأيام.. فتعالى يا ابنة الحقل نزور كرمة العشاق.. علنا نطفئ بذياك العصير حرقة الأشواق.. اسمعى البلبل ما بين الحقول يسكب الألحان.. فى فضاء نفخت فيه التلول نسمة الريحان». 

بعدها مرقت فيروز من فوق رؤوسنا بأغنية أحمد شوقى ومحمد عبدالوهاب «يا جارة الوادى» والأغنية أبيات من قصيدة طويلة لشوقى بعنوان «زحلة» تلك الضاحية الجبلية (عروس البقاع) التى كان يحلو لأمير الشعراء أن يصطاف فيها، فلما تقدم فى العمر زارها فى أواخر أيامه وتذكر أيام شبابه، فكتب تلك القصيدة الرائعة ناعيًا ملاعب الصبا والشباب بكلمات يقول مطلعها: 

«شيعت أحلامى بقلب باكى.. ولممت من طرق الملاح شباكى

ويح ابن جنبى كل غاية لذة.. بعد الشباب عزيزة الإدراك».

 

زياد الرحبانى
زياد الرحبانى

 

لكن محمد أفندى عبدالوهاب قفز فوق الوقوف على الأطلال ودخل على القصيدة من باب: «يا جارة الوادى طربت وعادنى ما يشبه الأحلام من ذكراك».

وبذكاء المطرب عرج على واحد من أجمل المشاهد التى تصور القبلة بين عاشقين: 

«لم أدر ما طيب العناق على الهوى.. حتى ترفق ساعدى فطواك

وتأودت أعطاف بانك فى يدى.. واحمر من خفريهما خداك 

ودخلت فى ليلين: فرعك والدجى.. ولثمت كالصبح المنور فاك

وتعطلت لغة الكلام وخاطبت.. عينى فى لغة الهوى عيناك»

لينتهى إلى أن: «لا أمس من عمر الزمان ولا غد.. جمع الزمان فكان يوم رضاك».

«جارة الوادى» غنتها فيروز فأكسبتها بلا جدال مذاقًا يفوق صوت عبدالوهاب، رغم أن القصيدة بالأساس على لسان رجل عاشق لكنها فيروز.

 

 

 

فيروز المصرية تقابلت معها بمعسكرات المرشدات فى أيام المراهقة وعرفت قيمة سيد درويش ومعنى الغناء الجماعى، وما أجمل أن تفتح عينيك على: «الحلوة دى قامت تعجن فى البدرية والديك بيدن كوكو كوكو فى الفجرية» أو أغنيته الخالدة: «طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة ياللا بنا نملا ونحلب لبن الجاموسة.. قاعد عالساقية يا خلى.. أسمر وحليوة.. عوج الطاقية وقاللى: غنى لى غنيوه». 

وبلغت الفرحة ذروتها بتداخل أغنيات فرح ريف جبل لبنان بتساقط المطر مع الفولكلور المصرى بأغنيتها الحماسية الجميلة: «شدوا معاطفكن معاى وعبوا الريح..غنوا مليح وغنوا مليح وغنوا مليح: «شتى يا دنيتنا يزيد موسمنا ويحلا تدفق مي وزرع جديد وحقلتنا تعلا».

فيروز لم تكن مصرية ولا لبنانية، كانت أرجوحة عربية، للشعر والحب والفن والحرية.

 الصوت الذهبى

قديمًا استمعت من ألحان عبدالوهاب لشاعر لبنانى أعشقه هو الأخطل الصغير محب مصر بشارة الخورى: «جفنه علم الغزل» وتلك تحفة عبدالوهاب، التى يتطوح من يسمعها من رقة انتشاء النغم وروعة أداء عبدالوهاب بصوته الذهبى الأول الذى فقده للأبد بعد إجراء جراحة، خصوصًا عند ذلك المقطع الذى يقول: «كيف يشكو من الظما.. من له هذه العيون؟».

 

ريشة الفنان: جمال هلال
ريشة الفنان: جمال هلال

 

ومن شدة حبه لعبدالوهاب كتب بشارة بالعامية: «يا ورد مين يشتريك؟» بعد أن غنى له عبدالوهاب القصيدة الجميلة: «الصبا والجمال ملك يديك أى تاج أعز من تاجيك.. قتل الورد نفسه حسدًا منك والفراشات ملت الزهر لما حدثتها الأنسام عن شفتيك». 

لكن كل هذا «كوم» وما غنته فيروز «كوم»، لأنها فى لقطة واحدة رسمت صورة الشاعر الإنسان الجميل وغنت قصيدة جعلتنى أشاهد بشارة الخورى عاشق الجميلات على كافيتريات لبنان وصاحب أخف دم فى الكون وهو يكتب معاكساته للفتيات، وهو جالس على رصيف المقهى:

«يا عاقد الحاجبين.. على الجبين اللجين.. إن كنت تقصد قتلى قتلتنى مرتين.. تمر قفز غزال بين الرصيف وبينى.. وما نصبت شباكى ولا أذنت لعينى.. مولاى لم تبق منى.. حيا سوى رمقين.. أخاف تدعو القوافى عليك فى المشرقين». 

ومزقت قلبى وهى تغنى واحدة من أواخر قصائد بشارة الخورى وهو يكاد ينعى نفسه بعد أن تقدم فى العمر: «أمس انتهينا.. فلا كنا ولا كان.. يا صاحب الوعد خل الوعد نسيانا.. طاف النعاس على ماضيك وارتحلت حدائق العمر بُكيا فاهدأ الآن.. كان الوداع ابتسامات مبللة بالدمع حينًا وبالتذكار أحيانًا.. حتى الهدايا وكانت كل ثروتنا.. ليل الوداع.. نسيناها هدايانا». 

ولنهايات الشعراء عند فيروز مواضع أخرى تجرح القلب، منها قصيدة لأجمل من كتب الأغانى بالعامية مرسى جميل عزيز، لكنه فى تلك القصيدة كتب بالفصحى: «لم لا أحيا وظل الورد يحيا فى الشفاه» لتذوب نغمات صوت فيروز فى وصف رحلة الحياة: «يا رفيقى نحن من نور إلى نور مضينا.. ومع النجم ذهبنا ومع القمر أتينا..» حتى يوجع الشاعر القلب وهو يودعنا قائلًا: «ليس سرًا يا رفيقى أن أيامى قليلة.. ليس سرًا إنما الأيام بسمات طويلة.. إن أردت السر فاسأل عنه أزهار الخميلة.. عمرها يوم وتحيا اليوم حتى منتهاه.. سوف أحيا..سوف أحيا».

مع مرور الأيام نضجت فيروز، وصارت تتجرأ على القالب المعهود للقصيدة، ونراها بالعباءة العربية أو الأندلسية أو الدمشقية، واقفة تغنى بلا استئذان أبياتًا متفرقة من قصائد لشعراء، وكأنها إحدى مغنيات قصور الخلافة العباسية تستعرض ما فى قريحتها من درر القصائد القديمة، وما أجملها حين تصور لوعة العاشق: «يا أخت زينب لو تدرين ما فعلت عيناك بى لتولى قلبك التعب.. غيرتنى.. فأنا كالريح تحملنى أنى اتجهت إلى أحيائك السبل» وبعدها تصف أحواله بدالية الحصرى القيروانى الأندلسى: «يا ليل الصب متى غده؟ أقيام الساعة موعده؟ رقد السمار وأرقه أسف للبين يردده.. فبكاه النجم ورق له مما يرعاه ويرصده.. كلف بغزال زى هيف خوف الواشين يبدده.. نصبت عيناى له شركًا.. فى النوم فعز تصيده».

 وتقف عند عنترة بن شداد على حافة الموت: «ولقد ذكرتك والرماح نواهل منى.. وبيض الهند تقطر من دمى.. فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم» وتعود بكلمات جميل صدقى الزهاوى لتقرر التسليم: «كل السيوف قواطع إن جردت.. وحسام لحظك قاطع فى غمده.. إن شئت تقتلنى فأنت محكمٌ.. من ذا يطالب سيدًا فى عبده؟».

 

 

 

على عتبات ديوان نزار قبانى غنت فيروز: «لا تسألونى ما اسمه حبيبى أخشى عليكم ضوعة الطيوب.. والله لو بحت بأى حرف تكدس الليلك فى الدروب.. لا تسألونى ما اسمه حبيبى.. ترونه فى ضحكة السواقى.. فى رفّة الفراشة اللعوب.. فى البحر فى تنفس المراعى.. وفى غناء كل عندليب».

وتلك القصيدة تحديدًا أسقطت منها فيروز عددًا من الأبيات تصف العلاقة الحميمة مع الحبيبة بصور مباشرة، لتتحول فى الأغنية على عكس القصيدة لإحدى أيقونات الرومانسية البريئة.

ومن غزلياته تختلط الحبيبة بصورة الوطن الضائع وكأن نزار يقرأ فى «موال دمشقى» ما يحدث الآن فى سوريا وتغنى فيروز: «قل للذين بأرض الشام قد نزلوا.. قتيلكم بالهوى ما زال مقتولًا.. يا من بحسنك أوجعت الأزاميلا.. وددت لو زرعونى فيك مئذنة.. أو علقونى على الأبواب قنديلا.. يا بلدة السبعة الأنهار يا بلدى.. ويا قميصًا بزهر الخوخ مشغولًا... ويا حصانًا تخلى عن أعنته.. وراح يفتح معلومًا ومجهولًا.. هواك يا بردى كالسيف يسكننى وما ملكت لأمر الحب تبديلًا.. ما للدمشقية كانت حبيبتنا.. لا تذكر الآن طعم القبلة الأولى».

 نسمة بردى

سوريا توأم لبنان كانت قلادة على صدر قصائد فيروز عندما غنت لمحمد عبدالوهاب ولسعيد عقل: «مُر بى.. يا واعدًا وعدا.. مثلما النسمة.. من بردى.. تحمل العمر تبدده.. آه ما أطيبه بددًا».

ومن كلمات سعيد عقل: «ردنى إلى بلادى.. مع نسائم غوادى.. مع شعاعة تهاوت.. عند شاطئ ووادى..مرت.. وعد تأخذنى.. قد ذبلت من بعادى.. شلح زنبق أنا.. إكسرنى.. على ثرى بلادى».

وللشاعر ابن سناء الملك غنت فيروز من موشح ابن زهر: «يا شقيق الروح من جسدى..أهوى بى منك أم ألم؟ أيها الظبى الذى شردا.. تركتنى مقلتاك سدى.. زعموا أنى أراك غدا.. وأظن الموت دون غدى».

وتغنت برائعة أبو النواس: «حامل الهوى تعب يستخفه الطرب».

وغنت للصمة القشيرى: «وليست عشيات الحمى برواجع إليك ولكن خلى عيناك تدمع.. كأنا خلقنا للنوى.. وكأنما حرام على الأيام أن نتجمع».

 

 

 

وتغنت للسان الدين ابن الخطيب: «جاءت معذبتى فى غيهب الغسق.. كأنها الكوكب الدرى فى الأفق.. فقلت نورت يا خير زائرة.. أما خشيت من الحراس والطرق؟ قالت ودمع العين يسبقها.. من يركب البحر لا يخشى من الغرق».

وترنمت من شعر رفيق خورى: «ارجعى يا ألف ليلة.. غيمة العطر.. فالهوى يروى غليله.. من هوى الفجر».

وغنت من الأندلسيات: «بالذى أسكر من عذب اللمى.. كل كأس تحتسيه وحبب.. والذى كحل جفنيك بما.. سجد السحر لديه واقترب.. والذى أجرى دموعى عندما.. أعرضت من غير سبب.. ضع على صدرى يمناك فما.. أجدر الماء بإطفاء اللهب».

وتغنت مرة أخرى من الموشحات الأندلسية للوزير لسان الدين ابن الخطيب: «يا أهيل الحى من وادى الغضا.. وبقلبى مسكن أنتم به.. ضاق عن وجدى بكم رحب الفضا.. لا أبالى شرقه من غربه.. أحور المقلة معسول اللمى.. جال بالنفس مجال النفس.. سدد السهم فأصمى إذ رمى.. بفؤادى نبلة المفترس.. جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس.. لم يكن وصلك إلا حلما فى الكرى أو خلسة المختلس».

وتغنت من شعر طبيب إشبيلية الأندلسى أبو بكر ابن زهر: «يا غصن نقاَ مكللًا بالذهب.. أفديك من الردى بأمى وأبى.. إن كنت أسأت فى هواكم أدبى.. فالعصمة لا تكون إلا لنبى».

وكان للأخوان رحبانى قصائد عديدة مع فيروز تطاول هامة كبار الشعراء نذكر منها «ولا أحلى» تلك القصيدة الجميلة عن النيل والتى تقول كلماتها: «بيتنا فى الجزيرة على ضفاف النيل.. أفياؤه الوثيرة ينسجها النخيل.. شباكه مؤله.. بالفلك المطلة.. مقبلة من معبر بعيد.. تمر من أمامى بيضاء كالغمام.. أجنحة فى موكب سعيد».

وحنينًا لعودة الوطن غنت للشاعر الفلسطينى هارون هاشم رشيد قصيدة صارت مقررة على أطفال المرحلة الابتدائية بمدارس الأرض المحتلة: «سنرجع يومًا إلى حينا.. ونغرق فى دافئات المنى.. سنرجع مهما يمر الزمان.. وتنأى المسافات ما بيننا.. فيا قلب مهلًا.. ولا ترتمى.. على درب عودتنا موهنًا.. يعز علينا غدًا أن تعود رفوف الطيور.. ونحن هنا».

 ومن روائع شعر الأخوين الرحبانى قصيدتهما الخالدة «زهرة المدائن»: «لأجلك يا مدينة الصلاة أصلى.. لأجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن.. يا قدس يا حبيبة السماء أصلى.. عيوننا إليك ترحل كل يوم.. تدور فى أروقة المعابد.. تعانق الكنائس القديمة.. وتمسح الحزن عن المساجد».

زهرة المدائن لا تخلو من أمل: «الغضب الساطع آت.. وأنا كلى إيمان.. الغضب الساطع آت سأمر على الأحزان.. من كل طريق آت.. بجياد الرهبة آت.. وكوجه الله الغامر.. آت آت آت.. لن يغلق باب مدينتنا وأنا ذاهبة لأصلى.. سأدق على الأبواب.. وسأفتحها الأبواب.. وستغسل يا نهر الأردن حزنى بمياه قدسية وستمحو يا نهر الأردن آثار القدم الهمجية».