
عادل حافظ
مثالى أكثر مما ينبغى!
قال عنه الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن إنه «رجل المبدأ والإيمان والتواضع». أثر فى حياة الملايين فى الولايات المتحدة الأمريكية والعالم أجمع. كما قال الملك تشارلز الثالث: «لقد كان تفانيه وتواضعه مصدر إلهام للعديد من الناس، وأتذكر بكل فخر زيارته للمملكة المتحدة فى عام 1977».
نشأ جيمس إيرل كارتر جونيور فى أسرة مزارعة - للفول السودانى - خلال فترة الكساد الكبير. من والده، تعلم أهمية الصدق والعمل الجاد، ومن والدته ليليان، التى كانت ممرضة تعالج المرضى من جميع الخلفيات العرقية دون تفرقة، استمد قيم الرحمة والتعاطف.
فى عام 1982، كان أمام كارتر فرصة للانسحاب من الحياة العامة، لكنه اختار طريقًا مختلفًا. وفقًا لموقع «مركز كارتر» أن الرئيس الأسبق وزوجته روزلين أسسا المركز، الذى يُعد واحدًا من أبرز المؤسسات التى تسعى لتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة الفقر والأمراض حول العالم.
خلال عام 1984، كانت هناك نقطة تحول كبرى فى حياته الإنسانية عندما انضم إلى منظمة «Habitat for Humanity». ففى أحد تصريحاته المنشورة على موقع المنظمة قال «بناء المنازل للفقراء ليس مجرد عمل خيرى، بل هو بناء للأمل والحياة الكريمة».
حتى بعد تشخيص مرضه بالسرطان فى سنواته الأخيرة، استمر كارتر فى العمل بلا كلل. ذكر «مركز كارتر» أنه شارك فى مشروع لبناء المنازل، وقال للمتطوعين «الحياة هى أن تبنى شيئًا أكبر من نفسك».
فى إحدى المرات، عمل كارتر على بناء منزل لعائلة صغيرة فى أتلانتا، وعندما انتهى المشروع، قالت الأم باكية «لقد منحتم أطفالى مستقبلاً».
لم تقتصر أعمال كارتر على بناء المنازل؛ بل شملت أيضًا القضاء على الأمراض المعدية. كان من أبرز جهوده الإنسانية مكافحة مرض دودة غينيا - Dracunculiasis -، الذى كان يعانى منه الملايين فى إفريقيا. أظهرت تقارير «NPR» أن حالات الإصابة بالمرض انخفضت من أكثر من 3.5 مليون حالة فى الثمانينيات إلى أقل من 13 حالة بحلول عام 2022. وفى إحدى القرى النائية بجنوب السودان، قال شيخ من القرية لكارتر «لقد أنقذت حياتنا وحياة أطفالنا».
كما كان أيضًا وسيط سلام بارع. لأنه استخدم مهاراته التفاوضية لحل النزاعات فى مختلف أنحاء العالم. على سبيل المثال، ساعد فى تحقيق المصالحة بين دول مختلفة من خلال الحوار والتفاهم. قال كارتر ذات مرة «السلام الحقيقى يبدأ عندما نضع الإنسانية فوق المصالح». وفقًا لما أورده موقع «جائزة نوبل». وقد حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2002، عن مسيرته الإنسانية وجهوده ليسود السلام فى جميع أنحاء العالم.
لم تكن مسيرته خالية من التحديات. تعرض كارتر لانتقادات واسعة، حيث وصفه البعض بأنه «مثالى أكثر مما ينبغى»، وأن جهوده غير مجدية. لكنه كان يرد دائمًا بابتسامة، قائلاً «إذا كان بإمكاننا إنقاذ حياة واحدة أو تحسين حياة أسرة واحدة، فإن الأمر يستحق كل هذا العناء»، وفقًا لما ورد فى كتابه «حياة مكتملة».
وُلد كارتر فى 1 أكتوبر عام 1924 فى بلدة بلاينز الصغيرة بولاية جورجيا. وتوفى فى 29 ديسمبر 2024 عن عمر يناهز 100 عام. وبذلك يصبح أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية يصل لهذا العمر.
وفى صباح، 9 يناير 2025، شُيِّعت جنازة الرئيس الأسبق جيمى كارتر فى مراسم مهيبة أُقيمت فى الكاتدرائية الوطنية بواشنطن. رحل جيمى كارتر عن عالمنا ووصف موقع «NPR» إرثه الإنسانى بأنه سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة. بفضل عمله، يعيش ملايين الأشخاص اليوم فى حياة آمنة، ويشربون مياهًا نظيفة.
خلال رحلة حياته شغل جيمى كارتر عدة مناصب، فكان الرئيس 39 للولايات المتحدة بين عامى 1977 و1981. وكعضو فى الحزب الديمقراطي، بدأ مسيرته السياسية كنائب بمجلس شيوخ عن ولاية جورجيا بين عامى 1963 و1967، ثم أصبح الحاكم 76 لولاية جورجيا بين عامى 1971 و1975.
كارتر كان مميزًا بأسلوبه السياسى الذى ركز على النزاهة والعمل من أجل الناس، مما جعله محبوبًا لدى شريحة كبيرة من شعوب العالم.
يعد كارتر تجسيدًا حيًا لقوة الطيبة والعمل الجاد، وهو نموذج يُحتذى به لأولئك الذين يؤمنون بأن العالم يمكن تغييره بأعمال صغيرة، ولكن مستمرة.