
د.ريهام عرام
السلوك الحضارى فى مصر القديمة
فى الأخلاق والقيم يستمر «بتاح حتب» على جدران مقبرته فى إعطاء النصح لابنه فى التواضع وإدراك قيمة العلم فيوصيه قائلا فيما معناه: ولا تكن متغطرسًا بعلمك ومعرفتك، ولكن خذ المشورة من المتعلم وغير المتعلم لأن لا أحد قد وصل إلى درجة الكفاءة ولا يوجد حرفى اكتسب إتقانًا يصل إلى الكمال. النصيحة الجيدة نادرة مثل الزمرد، ولكن مع ذلك يمكن العثور عليها حتى بين أحجار الطحن فى أيدى النساء.
وفى موضع آخر من نفس النقوش على جدران مقبرته بسقارة يقول: وأما إذا كنت متواضعًا وخدمت رجلًا ميسور الحال، فاجعل كل سلوكك نقيا ولا تشوبه شائبة أمام الآلهة. وإن علمت أنه كان يوما فى حالة أدنى فلا تزدريه لأنك علمت ماضيه، بل احترمه وذلك لما استطاع أن يصنعه لنفسه، ذلك لأن الثروة لا تأتى من تلقاء نفسها، ولكنها تأتى بأمر الآلهة لمن يختارونهم، أما ممتلكاته فقد جمعها بنفسه لكن الآلهة هى من جعلته محترما، وهى من تحفظه وتراقبه حينما ينام.
وفى كل ما سبق يتضح إيمان المصرى القديم بوجود إله خالق يرزق ويقدر الأقدار بمشيئته، ويوصى ولده باحترام مشيئة الخالق فى عباده سواء من تقسيم الأرزاق أو فى التزام حسن الخلق والتواضع مع الجميع حتى وإن كانوا فى منزلة أقل وشاء لهم الله رفعة المكانة.
وفى فنون الحديث والإصغاء فقد أفرد لها الحكيم والوزير بتاح حتب جزءا كبيرا من نصائحه فيقول: ولا تقل شيئا ثم تتراجع عنه ولا تضع شيئا فى غير موضعه، واحذر من التراخى فى ضبط النفس داخلك، وأفسح المجال لصوت الحكمة، واستمع جيدا إذا كنت ترغب فى أن تظل آمنا. أولئك الذين يستمعون للحديث يصبحون أفضل مكانة من الخبراء فبعد الإصغاء تكون دائما قادرا على الكلام بنجاح تام وستكون كل أعمالك منظمة، اقمع اندفاعك وسيطر على فمك لتصبح نصيحتك مقبولة من رؤسائك.
ومن الإصغاء فى العموم إلى حسن الاستماع للمظلوم فيقول: «إذا كنت قائدا فتحمل المسئولية فى الأمور الموكلة إليك وسوف تنجز أشياء جديرة بالملاحظة لكن فكر دائما فى الأيام المقبلة حتى لا تقوم بأى أفعال مشينة قد تدمر منصبك المحمود.
وإذا كنت رجل سلطة فكن صبورا عندما تستمع لكلمات مقدم المظلمة (الالتماس) فلا تطرده حتى يفرغ ثقل نفسه ويقوله لك. فالرجل الذى تعرض للظلم يرغب فى التعبير عن إحباطه ورغبته فى التعبير تفوق رغبته فى تحقيق العدالة التى جاء من أجلها فالإصغاء المتعاطف هو وسيلة لتهدئة القلب.»
وتعد هذه النصائح هى مفهوم مبدئى لعلوم وقواعد القيادة، وأصول تحمل المسئوليات ونصرة الضعيف كان للمصرى القديم السبق فى إدراكها وصياغتها ونقلها للأجيال القادمة. هى أساسيات العلوم الإنسانية التى جمعها المصرى القديم واعتز بها ووصلت إلينا ولكننا نبحث عنها فى كتب التنمية البشرية بينما هى ملك لأجدادنا.. وللنصائح بقية.