الأحد 16 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
«الجهاد».. بداية التنظيمات الإرهابية «خلية برعى»

تاريـخ الخيانـة

«الجهاد».. بداية التنظيمات الإرهابية «خلية برعى»

لا ينكر أحد الدور الفعَّال الذى قامت به قوات مكافحة الإرهاب المصرية فى كسر شوكة التنظيمات الإرهابية بل وتدمير قدراتها، فقد أسفرت الضربات العسكرية التى وجّهتها قوات الجيش والشرطة ضد معاقل العناصر الإرهابية، عن تطويق تلك العناصر فى شمال سيناء وإجهاض بنيتها التحتية.



قبائل سيناء، أيضا كانوا ضلعًا أصيلًا فى معادلة مواجهة العناصر الإرهابية من خلال تقديمهم الدعم المعلوماتى واللوجيستى لقوات الأمن، انطلاقًا من خبراتهم الميدانية التى ساعدت فى الكشف عن هوية العناصر الإرهابية والقبض عليها، والكشف عن الطرق التى تستخدمها فى الاختباء ونقل الأسلحة قبل الانطلاق لتنفيذ أعمالها الإرهابية.

 

 

كما لعبت التنمية دورًا محوريًا فى محاربة الإرهاب، لذلك عكفت الدولة المصرية ومؤسساتها كافة على النهوض بالاقتصاد المصرى ومُؤشراته، وتطوير البنية التحتية ومشروعات التحول الرقمى، بالتزامن مع اعتماد مبادرات لتحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطنين. 

 ومنذ عام 2014، أولت الدولة المصرية اهتمامًا متزايدًا بتنمية المناطق الحدودية خاصة سيناء، إذ خصصت الدولة المصرية، مطلع عام 2015، 10 مليارات جنيه لتنمية ومكافحة الإرهاب فى سيناء. 

وجرى تنفيذ جملة من المشروعات القومية الزراعية والصناعية والخدمية والسياحية، وزادت قيمة الاستثمارات العامة الموجهة لهذه المشروعات بأكثر من 15 ضعفًا، مُسجلة 73.3 مليار جنيه عام 2022-2023، مقابل 4.8 مليار جنيه عام 2013-2014.

ويبقى السؤال الأهم.. هل انتهى الإرهاب فعلًا وذهب بلا رجعة.. أم أن النار لا تزال تحت الرماد؟

المتابع والمدقق لتاريخ جماعات الإرهاب والعنف فى مصر والتى يطلق عليها البعض من باب التدليل الجماعات الإسلامية أو الإسلام السياسى، خرجت كلها من رحم جماعة الإخوان الإرهابية.. وسيكتشف بسهولة أن مراحل الكمون والهدوء والطاعة وأدب القرود والمظلومية لا تستمر للأبد.. فقط هى تتحين الفرصة للخروج وممارسة أبشع أنواع الإرهاب ضد الشعب قبل الجيش والشرطة.

هكذا يقول لنا تاريخ هذه الجماعات..وحتى لا ننسى أو نصدق هدوءهم الكاذب وعملهم كخلايا نائمة.. سنبدأ من هذا الأسبوع فى إعادة رصد بدايات العنف وتشكيل الجماعات.. والمثير أنها فى البدايات كانت تصرفات صبيانية من شباب لم يتعدوا العشرين.. ونظر لهم البعض على أنهم يمارسون فعل «لعب العيال» ثم تضخم دورهم وباتوا خطرًا يهدد الدولة المصرية.

 

 

 

أول من مارسوا «لعب العيال» وحاولوا حرق الدولة شاب سنة 1958 عمره كان 22 سنة.. واسمه نبيل برعى عضو جماعة الإخوان وسجن معهم بعض الوقت وعندما خرج أعلن اللعبة المكشوفة المتكررة «الانشقاق على الجماعة».

ويعتبر هو المؤسس الحقيقى لجماعة الجهاد.. وبحسب رواية «نبيل برعى» عن نفسه، فإنه قد عثر يومًا ما على أحد كتب ابن تيمية على سور الأزبكية، وما إن قرأ هذا الكتاب حتى أُعجب بابن تيمية، ثم شرع فى البحث عن المجموعة الكاملة لكتبه لقراءتها والتزود منها.

 

 

 

تفاعل برعى مع شخصية ابن تيمية.. واعتبر أن الطريق الصحيح لتعديل مسار العالم الإسلامى يكمن فى ممارسة «الجهاد»، وأن غياب هذا الجهاد هو السبب فى الأحوال المتردّية التى يعانى منها العالم الإسلامى.. وانتهى نبيل برعى إلى أن وسيلة التغيير الوحيدة المتاحة أمامه هى العمل السرى المسلح.. هذه الأفكار أدت إلى ظهور أول خلية لتنظيم الجهاد عام 1960.

المثير أن نبيل برعى تشكلت لدية قناعة بضرورة إنشاء تنظيم سرّى مسلح فى داخل الجيش للقيام بانقلاب عسكرى من خلال نشر فكرة الجهاد وحث المتقبلين لها على دخول الجيش ونشر هذه الفكرة بين أعضاء الجيش.. ولفترة ليست قصيرة اقتصر عمل التنظيم على التغلغل فى الجيش والتدرب على السلاح ولم يقم بأى عمل.. مما تسبب بعد سنوات فى انشقاق بعض القيادات عن التنظيم احتجاجًا على بطء المسيرة وعدم فعل أى شيء له قيمة!

اللافت أن أغلب عمليات تنظيم الجهاد من (1960 - 1980) قامت بها مجموعات وشخصيات عسكرية مثل: عصام القمرى، يحيى هاشم، حادثة الكلية الفنية، وحتى مقتل الرئيس الأسبق السادات!.

الكارثة أن نبيل برعى نشط جدًا فى نشر مفهوم الجهاد بين أصدقائه الصغار وكلهم لم يكن لديهم منهج سليم لفهم الإسلام أصلاً وكانت سياستهم قبول أى شخص لفكرهم وتنظيمهم إذا قبل فكرة العنف.

 

 
 
 

 

 

 

«نبيل برعى» الشاب الثرى المقيم فى ضاحية المعادى ابتعد عن كل الأماكن التى كان يذهب إليها للصلاة.. ابتعد هو ورفاقه عن جماعة أنصار السنة والجمعية الشرعية برغم أنهم كانوا يترددون على مساجدها ومراكزها لأن المساجد الأخرى غالبًا هى مساجد صوفية تتناقض تمامًا مع أفكارهم الإرهابية.

نشط «نبيل برعي» فى توزيع فتاوى ابن تيمية حول الجهاد بين أصدقائه، والحوار معهم حول اعتماد العمل السرى المسلّح آلية للتعامل مع الواقع، وقد تجاوب مع فكر برعى عدد من أصدقائه مثل إسماعيل طنطاوى ومحمد عبد العزيز الشرقاوى وعلوى مصطفى، وظهرت أول خليّة لتنظيم الجهاد عام 1960، وبدأ هذا الفكر يتمدد ويتوسع. وقد كان الثلاثى المؤسس نبيل برعى، وإسماعيل طنطاوى، وعلوى مصطفى، زملاء فى الثانوية العامة، وقد تخرج طنطاوى بعدها فى كلية الهندسة بجامعة الأزهرـ وكذا كان علوى مصطفى، فيما تأخر نبيل برعى دراسياً ثم التحق بكلية الآداب بجامعة بيروت. ونلاحظ هنا بوضوح أن غالب قيادات تنظيمات العنف و(الجهاد) طيلة مسيرتها لليوم هى قيادات من خلفيات تعليمية غير شرعية، وأنهم شباب فى مقتبل العمر. الأكثر إثارة هو غياب واختفاء دور نبيل برعى فيما بعد تأسيس الخلية الأولى وحلّ مكانه فى قيادة تنظيم الجهاد شريكه فى التأسيس إسماعيل طنطاوى الذى نجح فى ضمّ أيمن الظواهري- زعيم تنظيم القاعدة فيما بعد - وكان عمره وقتها 16 سنة فقط.. وانضم إلى التنظيم عدد آخر من الشباب كان لهم شأن فيما بعد، مثل حسن الهلاوى، ويحيى هاشم، ورفاعى سرور، وأصبح للتنظيم أكثر من خلية: خلية فى القاهرة بقيادة إسماعيل طنطاوى، الذى كان لا يزال فى وقتها طالبًا بكلية الهندسة، وخلية فى الجيزة بقيادة حسن الهلاوى الذى كان طالباً فى الثانوية الأزهرية.

وفجأة ظهر قيادى آخر أكثر عنفًا وتطرفًا هو « يحيى هاشم»، الذى كان يشغل منصب وكيل نيابة، وكان التنظيم قد ضمّه لصفوفه، حيث رأى يحيى أن اللحظة مناسبة لقيادة الجماهير، وقاد مظاهرة فى القاهرة ضد نظام الرئيس عبدالناصر خرجت من مسجد الحسين عام 1968م وطالب بمحاكمة المسئولين عن الهزيمة وقتال اليهود، وهاجم عبد الناصر. 

انزعج قائد التنظيم إسماعيل طنطاوى من هذه المظاهرة وخشى أن يُكتشف التنظيم بسببها، حيث قبض على يحيى ولكن أفرج عنه حين عرفوا أنه وكيل نيابة، وهنا نتساءل: هل فعلًا لم تنتبه الأجهزة الأمنية للحقيقة؟

 

 

 

الخلاف حول طريقة العمل وأسلوب التغيير بين طنطاوى الذى يصرّ على الانقلاب العسكرى من داخل الجيش وبين يحيى الذى يفضّل مسار الثورة الشعبية أو حرب العصابات تصاعد فيما يبدو ليصل إلى حدّ انفصال يحيى عن التنظيم وخلية القاهرة وليكوّن تنظيمًا خاصًا به سنة 1969م سيكون له دور لاحق بعد عدة سنوات مع تنظيم الكلية الفنية برئاسة د. صالح سرية، ومما زاد فى مساحة الخلاف أن طنطاوى بحكم احتكاكه بأنصار السنة المحمدية كان يرى وجوب الالتزام الشرعى الفردى بالسنن والواجبات وهو ما كان يحيى لا يرى أهميته ومن يناصره مثل رفاعى سرور قبل قيام الدولة، ولعل تأثرهم بسيد قطب أكثر من تأثرهم بابن تيمية كحال طنطاوى هو سبب ذلك.

ومضى كلا الطرفين فى طريقه يجنّد الأتباع ويتدرب على السلاح، حتى استطاعوا تجنيد الملازم عصام القمرى، الحاصل على وسام عسكرى لدوره فى حرب أكتوبر.

نجح التنظيم (خلية القاهرة) فى كسب عصام القمرى كعضو فيه، ولعله يكون أول اختراق للتنظيم فى الجيش حيث بدأ عصام ينشئ خلية فى داخل الجيش تابعة للتنظيم، وسيكون لعصام دور مهم فى التنظيم لاحقاً.

لم يمض وقت طويل حتى وقع خلاف فى داخل التنظيم وخلية القاهرة حول حكم شهداء الجيش المصرى فى حرب 1973.. هل هم مسلمون يصلّى عليهم أم هم كفار موالون - لما يقولون كذبًا وبهتانًا - للطاغوت أنور السادات؟ وذلك أن شقيق علوى مصطفى كان من الذين قُتلوا فى الحرب وكان يعتبرهم مسلمين وشهداء بخلاف آخرين فى التنظيم اعتبروهم كفارًا مرتدين!

حاول إسماعيل طنطاوى أن يوفّق بين الطرفين ويجمعهما على قول واحد أو هدف واحد، فلم يفلح، فانشق علوى عن التنظيم ولم يُعرف له نشاط بعدها، كما فارق آخرون التنظيم دون أن يعملوا فى تنظيمات أخرى. وبسبب هذه الخلافات رأت خلية الجيزة بقيادة حسن الهلاوى الاستقلال عن خلية القاهرة ومشاكلها، وبقيت خلية القاهرة تحت قيادة طنطاوى وكان فيها فى ذلك الوقت أيمن الظواهرى، وعصام قمرى، وانضم إليهما سيد إمام الشريف، الذى سيصبح من أبرز منظرى هذه الجماعات.

وفى نفس العام (1973م) جاء إلى مصر صالح سرية، الفلسطينى الباحث عن حل عسكرى لقضية فلسطين والذى تقلب بين منظمة التحرير وجماعة الإخوان وحزب التحرير وعلاقات بقادة العراق وليبيا قبل وصوله لمصر، حاول مع جماعة الإخوان المسلمين القيام بعمل عسكرى لكن اختلفت الأهداف والرؤى وبات هناك خلاف على الزعامة والقيادة، وحاول مع خلية القاهرة فاصطدم بطنطاوى وخلفيته السلفية التى رفضت ميول صالح سرية لحزب التحرير، وحاول مع يحيى هاشم لكن إصرار يحيى على حرب العصابات ورغبة سرية بالانقلاب فرّقت بينهما.. وكانت الوحيدة التى انضمت لتنظيم سرية هى خلية الجيزة بقيادة حسن الهلاوى.

وفى رأيى أن حادثة الكلية الفنية العسكرية.. والعملية التى قادها صالح سرية كانت منعطفًا مهمًا وخطيرًا فى تاريخ الجماعات الإرهابية.. وهو ما سنتحدث عنه لاحقًا.