الخميس 6 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حرائق كاليفورنيا آخر هزائم بايدن

شهدت كاليفورنيا حرائق شتوية مدمرة كانت الأسوأ منذ أكثر من أربعة عقود، لذلك لقبها خبراء المناخ بـ «الكارثة الطبيعية الأكثر تكلفة فى تاريخ الولاية».



سببت الحرائق حالة صدمة من الإخفاقات المروعة فى القيادة الأمريكية، وطرح سكان كاليفورنيا الغاضبون أسئلة صعبة: كيف وصلنا إلى هنا وما الذى يجب القيام به لمعالجة هذه المشاكل وكيف يمكن حماية سكان كاليفورنيا من الكوارث المستقبلية؟ 

عادةً لا تندلع الحرائق فى هذا الوقت من السنة، لكن مجموعة من العوامل اجتمعت معًا لتتحدى ولاية الرئيس الأمريكى المنتهية وتحمله الفشل ما جعل  الكارثة تتفاقم بشكل سريع وقاتل.

 

وواجهت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن المنتهية ولايته، وإدارة لوس أنجلوس انتقادات واسعة بسبب سوء التعامل مع الأزمة، وكم عيوب البنية التحتية المتهالكة غير المهيأة للتعامل مع هذه الكارثة التى تسببت فى تفاقم الخسائر.

تم تقدير الأضرار الناتجة عن الحرائق الأخيرة بأكثر من 135 مليار دولار، ودُمرت أكثر من 7,000 منشأة بسبب الحريق، وقال كبير خبراء الأرصاد الجوية جوناثان بورتر، إنه «قد يصبح أسوأ حريق غابات فى تاريخ كاليفورنيا الحديث بناءً على عدد الهياكل المحترقة والخسائر الاقتصادية».

 

 

 

 حريق دون ماء

نشرت الصحافة الأمريكية تقارير كانت مزيدًا من السخرية قالت: «واحد من الدروس التى لقنتها الإدارة الأمريكية لرجال الإطفاء هو كيفية مواجهة الحرائق الكارثية بدون ماء، مثلًا اللجوء إلى الخزانات ولكنك ستجدها فارغة أو فى طور الإصلاحات، يمكنك اللجوء إلى السكان وطلب المساعدة بدلو ماء من كل منزل، والاستعانة بحمامات السباحة، وخراطيم مياه رى الحدائق وكل ما يمكن الاستعانة به من مياه لإخماد ألسنة النيران، هذه كانت أكثر العقبات التى واجهتها لوس أنجلوس بينما تجتاحها الحرائق البرية».

فيما أثارت التفاصيل المنشورة غضبًا واسعًا والمزيد من إلقاء اللوم على بايدن، واتهم دونالد ترامب حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم بحرمان المنطقة من المياه التى تشتد الحاجة إليها.

حتى المشاهير أدلوا بدلوهم، حيث كتب «فالنتين شيرموكوفسكي»، نجم سابق فى برنامج «الرقص مع النجوم»، على وسائل التواصل الاجتماعي: «خامس أكبر اقتصاد على الكوكب. رجال الإطفاء لم يكن لديهم ضغط مياه كافٍ للقيام بعملهم؟! هل تمزح معي؟!». 

لكن لماذا نفدت المياه من صنابير الإطفاء؟ ولماذا كانت المياه هى الأزمة الكبرى فى مواجهة حرائق كاليفورنيا؟!

حسب التقارير فإن نظام المياه فى لوس أنجلوس لم يكن يمتلك القدرة على توصيل كميات كبيرة منها على مدار ساعات متواصلة، وتسببت عيوب أنظمة المياه تلك فى تعقيد جهود الإطفاء فى أحياء باسيفيك باليسيدز وألتادينا وبسادينا، وظهر أن العديد من صنابير الإطفاء بدون مياه كافية أو بدون مياه على الإطلاق.

أما الاكتشاف المروع الذى نزعت عنه الغطاء موجات الحريق الأخيرة أن نظام إمداد المياه المحلى صمم فى أغلب مناطق كاليفورنيا لتدفق كميات كافية من المياه لمكافحة حريق منزل أو شقق أو مبانٍ تجارية فقط، لكن عندما يندلع حريق ضخم فى جميع أنحاء الولاية، ومع وجود عشرات وحدات الإطفاء التى تسحب المياه فى آنٍ واحد، فإن النظام يعجز عن التعامل مع ذلك.

حتى الحلول التى أوجدتها إدارة لوس أنجلوس لاحتواء الحرائق لم تجد نفعًا، فقد فشلت الطائرات الهليكوبتر فى نثر المياه بسبب قوة الرياح التى أجبرتها على التوقف، كما لم تتمكن فرق الإطفاء من الوصول إلى خزانات المياه الثلاثة فى منطقة باليسيدز، وفى إحدى الحالات اضطر طاقم الإطفاء إلى إخلاء بعض أحياء أثناء محاولتهم إعادة توجيه المياه لملء خزان.

المساعدة الوحيدة التى تمكنت الإدارة الأمريكية من تقديمها هى إرسال صهاريج مياه لدعم الفرق فى المناطق التى كانت تعانى من نقص فى الإمدادات.

وقالت صحيفة «الواشنطن بوست» إن الجهود المبذولة لمكافحة الحرائق وضعت الإدارة الأمريكية تحت ضغط هائل ودفعتها إلى زيادة الطلب على المياه بمقدار أربعة أضعاف الاستهلاك المعتاد لكن دون جدوى!

وقد تجاوزت الحرائق فى لوس أنجلوس الكوارث النارية السابقة فى المنطقة، وتضخمت الحرائق بسرعة ودمرت أكثر من 5,000 منزل ومبنى، بينما تسببت حرائق إيتون فى ألتادينا وباسادينا فى تدمير إضافى لآلاف المنازل فى سابقة أولى من نوعها.

 ليس المتهم الوحيد

كانت كاليفورنيا تعانى من الحرائق العملاقة عادة منذ سنوات عديدة، ولكن لم تقترب كارثة فى الماضى من حجم الكارثة الأخيرة، ويرى الأمريكيون أن هناك العديد من الجهود التى كان بإمكان بايدن القيام بها لمنع تلك الحرائق من التحول إلى كارثة.

وحسب «كاليفورنيا بوليسى سنتر» لسنوات تم تجاهل خطوات تقليل مخاطر الحرائق بدلًا من معالجة الأسباب والمخاطر الحقيقية، وألقت القيادة السياسية فى كاليفورنيا باللوم على كل حريق كبير على «أزمة المناخ» دون اتخاذ أى تدابير لحل المشكلة، مستفيدين من الإعانات والتفويضات التى أغدقت عليهم بعد كل حريق كبير.

لذلك كتبت الواشنطن بوست فى تحليلها ضرورة أن تأخذ الإدارة الأمريكية المقبلة فى الاعتبار مخاطر حرائق الغابات فى المناطق الجبلية عند بناء بنية تحتية لتخزين المياه.

وتجسيدًا لجشع الرأسمالية والملكية الخاصة لمورد عام مهم، الماء، كشفت صحيفة «بيبولز وورلد» كيف وضعت الرأسمالية الأمريكية استثماراتها ومكاسبها المالية فوق الحاجة الإنسانية، حتى فى أوقات الأزمات، بدلًا من ضمان إمدادات مياه كافية للصالح العام، تفوقت دوافعهم المادية على كل شيء وعلى أى مصلحة عامة.

ويمتلك المليارديران، ستيوارت وليندا ريسنيك، حصة ضخمة من نظام المياه فى كاليفورنيا، بصافى ثروة لا تقل عن 8 مليارات دولار، تم تحصيلها من فواتير أسعار المياه المرتفعة فى كاليفورنيا.

وتتحكم شركتهما العملاقة «وندر فول» بنسبة 57% من بنك مياه كيرن، وهو المورد المائى الأكثر قيمة فى منطقة حيوية لإمدادات المياه فى أمريكا.

 

 

 

ووفقًا لمجلة «فوربس» الأمريكية، يقترب الملياردير إيلون ماسك من الانتهاء من بناء مصفاة ليثيوم لشركة تسلا الخاصة به فى تكساس، وهى منطقة أخرى تعانى من الجفاف وصعوبة الوصول إلى المياه.

وسيتطلب هذا المصنع ما يصل إلى 8 ملايين جالون من المياه يوميًا، وهو على بعد 20 ميلًا من كوربوس كريستي، وهى منطقة جافة لدرجة أن شركة المياه المحلية توزع مؤقتات للاستحمام فى مباريات كرة القدم المدرسية.

تقول التقارير إن التأثير العام لخصخصة إمدادات المياه فى كاليفورنيا ولوس أنجلوس تسبب فى تزايد مخاوف السكان مع الأزمة الأخيرة إزاء توفر المياه لتلبية احتياجاتهم الخاصة واحتياجات المصنع الكبير. خاصة مع إعلان شركة المياه فى تكساس عن صفقة بنية تحتية لبيع حقوق أنابيب مياه تكساس لشركة تسلا.

 تدهور «العدالة الاجتماعية» 

فى يونيو العام الماضي، تم تخفيض ميزانية تمويل إدارة الإطفاء فى لوس أنجلوس بمقدار 17.5 مليون دولار.

وهاجم موقع «إنترسبت» السياسات الأمريكية فى إدارة الأزمة والنظر لمستقبل الولاية، مشيرًا إلى أن خفض تمويل البرامج الأخرى باستمرار من أجل إعطاء شرطة لوس أنجلوس مليارات الدولارات سنويًا لتجهيز أنظمة الإطفاء، وقال الموقع إن المسئولين المنتخبين فى فلوريدا «لديهم بالفعل دماء على أيديهم».

فالمدينة لم تكن مستعدة للتعامل مع مثل هذه الحرائق الأخيرة، ولم يكن من الواجب رغم الملايين أن تكون لوس أنجلوس فى هذا الموقف». 

وفى إدانة أخرى لإدارة بايدن قالت «فوربس» إن الإدارة الأمريكية تعمل لصالح الأثرياء أولًا وقبل كل شيء، فى حين يواجه آلاف من رجال الإطفاء تهديدًا مستمرًا بخفض رواتبهم، خصوصًا أن الكونجرس الأمريكى رفض أكثر من مرة تطبيق قرار لبايدن فى عام 2021 بزيادة أجور رجال الإطفاء بنسبة 50% من راتبهم الأساسى.

وفى ولاية ترامب الأولى تفاقمت الأمور أكثر، حيث رفض ترامب تخصيص أى ميزانية لرجال الإطفاء أو لخطط احتواء الحرائق، وألقى باللوم على حاكم كاليفورنيا حينما تعرضت الولاية للحرائق فى عام 2018.