الأحد 16 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الشغف والغاية.. صلاح نموذجًا

الشغف والغاية.. صلاح نموذجًا

فى زاوية منسية من قرية نجريج، وُلِد الحلم الذى سيغير مسار حياة ملايين حول العالم. محمد صلاح حامد محروس غالى، وشهرته «مو صلاح»، لم يكن يعرف أن طريقه سيأخذه إلى أعلى قمم كرة القدم العالمية، لكنه كان يمتلك شيئًا وحيدًا أكيدًا وهو الإيمان الراسخ بقدرته على تحقيق شىء عظيم. 



وسط موارد شحيحة وفرص محدودة، غالبًا ما يُعتبر النجاح حلمًا بعيد المنال، وبالنسبة لصلاح كانت تلك القيود جزءًا من التحدى، مثل الاستيقاظ مبكرًا والسفر لساعات طويلة بين قريته ومدينة القاهرة -4 ساعات ذهابًا وإيابًا- لحضور التدريبات، مضحيًا بوقته مع عائلته وأصدقائه. 

قال صلاح عن تلك الفترة خلال مقابلة مع «سى.إن.إن» عام 2018: «لم يكن الأمر سهلًا، لكننى كنت أعلم أن لدىَّ هدفًا يستحق كل هذا الجهد».

وهنا نذكر مقولة جون ماكسويل فى كتابه «كيف يفكر الناجحون» حين أكد أن التفكير الإيجابى وحده لا يكفى، بل يجب أن يترافق مع خطوات عملية مستمرة لتحقيق الهدف. فكان صلاح مثالًا حيًا لهذا المبدأ. 

 

 

 

مع توقف الدورى المصرى بسبب الاضطرابات السياسية، بدأ فصل جديد فى حياته بالانتقال إلى أوروبا، فى نادى بازل السويسرى، هناك تأقلم صلاح سريعًا مع ثقافة وأسلوب لعب جديدين، بالتالى بدأ بتطوير وعيه الذاتى ووضع أهدافًا جديدة. وبإصرار لا يتزعزع قرر أن يندمج مع تلك الثقافات ليصل إلى أن يكون الأفضل بين المحيطين به، بل الأفضل عالميًا. 

قال صلاح فى مقابلة مع الموقع الرسمى لـ «الفيفا» عام 2019: «كانت ثقافة مختلفة تمامًا.. لغة جديدة، طقس بارد، وطريقة لعب مختلفة. لكننى كنت مستعدًا للتأقلم».

التحولات الكبيرة فى الحياة تتطلب مرونةً عقليةً وتكيفًا سريعًا. وهذا يتماشى مع رؤية روبن شارما فى كتابه «بيان البطل اليومى»: كل شخص لديه القدرة على أن يكون بطلًا فى حياته اليومية من خلال استثمار الفرص وتحويل العقبات إلى نقاط انطلاق. 

كان انتقاله إلى نادى تشيلسى فى عام 2014 بمثابة تحدٍ غير متوقع. قلة المشاركات والمنافسة على شغل مركزه فى الملعب مع الفريق، جعلتا من الصعب عليه التألق، فلم يحبط صلاح أو يشك فى ذاته، بل استغل هذه التجربة كفرصة للنمو. وأدرك نقاط قوته -السرعة الخارقة، الدقة، والأخلاقيات العالية- وطور قدرته على إنهاء الفرص وفهم التكتيكات المختلفة. وبالتالى أصبح هذا الوعى الذاتى سمة مميزة. 

رحلة نادى تشيلسى تكلم عنها صلاح مع «بى بى سى الرياضية» عام 2019 قائلا: «لم أكن سعيدًا بما حدث فى تشيلسى، لكنه كان درسًا. تعلمت أن النجاح لا يأتى بسهولة». 

هنا تظهر الحكمة التى ناقشها ستيف هارفى فى كتابه «تصرف كالناجح، فكر كالناجح». فيقول: الإخفاقات ليست إلا علامات على الطريق تؤكد أنك تسير فى الاتجاه الصحيح، وصلاح جسّد هذه الفكرة عندما انتقل إلى أندية أقل بريقًا ليعيد بناء مسيرته. 

بعد تشيلسى الإنجليزى، انتقل صلاح إلى فيورنتينا ولاحقًا روما فى الدورى الإيطالى، حيث أعاد اكتشاف شغفه بكرة القدم، حيث تسلط هذه المرحلة الضوء على حقيقة «عندما يتماشى الشغف مع الهدف، تكون النتائج تحويلية ومذهلة»، ففى روما، لم يُحسِّن صلاح مهاراته الفنية فحسب، بل أصبح لاعبًا أكثر ثقة وثباتًا. لفت أداؤه انتباه نادى ليفربول الإنجليزى، الذى وقع معه فى عام 2017، ليعود مرة أخرى إلى الدورى الإنجليزى الممتاز. فى العام نفسه، علق صلاح فى مقابلة مع صحيفة «الجارديان» على شعوره وهو يلعب كرة القدم قائلا: «عندما أكون على أرض الملعب، أشعر أننى أعيش حلمى». 

وهنا نستعير كلمات «جون ماكسويل»: «الأشخاص الذين يركزون على شغفهم يخلقون فرصًا من حولهم».

  يبدأ الفصل الأسطورى من قصة صلاح فى موسم 2017-2018. بعد توقيعه لنادى ليفربول، حتى حصل على جائزة الحذاء الذهبى فى الدورى الإنجليزى الممتاز وجائزة لاعب العام من رابطة اللاعبين المحترفين.  تأثير صلاح تجاوز الأرقام، فلم يكن نجاحه مجرد نتيجة للعمل الجاد، بل انعكاس لحبه وإخلاصه واحترامه للعبة والجمهور بمختلف ثقافاته وخلفياته. 

وقتها، صرح قائلًا: «أنا ألعب من أجل الفوز، لكننى أستمتع بكل لحظة». وذلك خلال مقابلة مع شبكة «اسكاى الرياضية»، 2018.. وهنا نعود إلى فلسفة «روبن شارما» حول فكرة أن النجاح الحقيقى هو أن تعيش حياتك بامتنان وتستمتع بالرحلة، وليس فقط بالوصول إلى الهدف.