نادى
تامر يوسف
لم أكن يومًا أديبًا ولا كاتبًا.. ولا حتى حكواتيًا.. عرفنى القراء رسامًا صحفيًا ومخرجًا فنيًا.. فعمرى كله أمضيته أرسم الكاريكاتير بين جنبات صاحبة الجلالة.. لكن مع رحلاتى المتعددة.. وهجرتى إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. وجدتنى أكتب وأدون كل ما رأت عينى وأتذكر.. الأحداث التى تملأ رأسى المزدحم بالأفكار.. فإليكم بعضًا مما كتبت من الذكريات والأحداث.. لعل ما دونت فى يومياتى يكون زاد المسافر ودليله فى السفر.
بابا نادى، هكذا أحب أن أدعوه دائمًا، ذلك بسبب برنامج الرسم والتلوين الذى كان يقدمه للتليفزيون المصرى منذ أكثر من ثلاثين عامًا عندما كنا نحن أطفالًا صغارًا. لكن السر هو أنه لم يتغير فى معاملته لنا نحن جيل الشباب من رسامى الكاريكاتير مع مرور السنين. فظل يتعامل معنا بنفس الروح الممزوجة بالحنو والأبوة. وأظن أن السبب فى ذلك أن من قدمه للصحافة عام 1975، كان الفنان العظيم حسن فؤاد الذى تبنى العديد من المواهب ولم يبخل على أحد أبدًا بالدعم والنصيحة.
ولد محمد نادى الذى اشتهر فى الوسط الصحفى والفنى باسم نادى بمحافظة المنيا فى الأول من إبريل عام 1948، وهو قائد وعميد لعائلة فنية جدًا، فزوجته هى السيدة إيمان عزت فنانة تشكيلية ورسامة تخصصت فى الكاريكاتير ورسوم الأطفال. وابنه أحمد يعتبر من المواهب الشابة ذات المستقبل الكبير فى عالم الرسوم المصورة ويشكل هو وأبناء جيله مدرسة واتجاهًا جديدًا فى مجال الكوميكس. وأخيرًا ابنته ناريمان وهى فنانة ورسامة أيضًا. فى أكتوبر من عام 2000 أقام نادى أول معرض عائلى تحت اسم إبداعات أسرة مصرية وحققوا نجاحًا باهرًا. درس بابا نادى فى كلية الفنون الجميلة والمعهد العالى للنقد الفنى. عمل بعد ذلك كأخصائى لتجميل المدن الجديدة بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة منذ عام 1977 وتدرج بالسلك الوظيفى حتى وصل لدرجة مدير إدارة التجميل بالهيئة. أقام أول معرض خاص له فى ديسمبر 1986 بأتيليه القاهرة. كما مثل مصر فى العديد من المعارض الدولية منذ عام 1973 وحتى الآن. وله باع طويل مع الفنون التشكيلية، حيث شارك فى معارض الربيع والخريف والمعارض القومية المختلفة التى نظمتها وزارة الثقافة المصرية. كما شارك فى معارض جمعية فنانى الغورى فى دوراته المتعددة، ومعارض جمعية أصالة ومعارض جمعية خريجى الفنون الجميلة بمجمع الفنون ومعارض صالون الأتيليه فى دوراته المختلفة والعديد من المعارض الأخرى. أسس نادى قسمًا للفن البلاستيكى فى قصر ثقافة المنيا فى الفترة من عام 1967 وحتى 1975. يمتلك الفنان نادى سجلًا كبيرًا فى الصحافة العربية حيث نشرت أعماله الكاريكاتيرية فى كبريات المجلات والصحف مثل: حواء - المصور - الأسبوع - الأهرام الرياضى - سمير - علاء الدين. ولا أظن أن ما من جريدة أو مجلة صحفية فى مصر إلا واستعانت بأعماله المميزة فى فنَّ البورتريه والتى لا تخطؤها أى عين لتميز أسلوبه فى الرسم والتلوين. كما أنه رسم أعدادًا لا حصر لها من أغلفة الكتب. وأذكر معظم أعماله وأحفظها عن ظهر قلب.. لن أنسى له الرسم الرائع الذى شارك به فى المهرجان الرابع للكاريكاتير باليابان عام 1994 والذى حصل عنه على جائزة الاستحقاق.. حيث رسم مهاجرًا يحمل معه أرضه وجذوره فى صورة حقيبة سفر فى تصور وفكرة غاية فى البلاغة والعمق.
الفنان محمد نادى من أصحاب المواقف ودائمًا ما نجده سباقًا فى مساندة ودعم القضايا العربية. فنجده مشاركًا فى معارض قومية، ونجده يقف وقفات احتجاجية مساندًا لشعب لبنان وفلسطين. ونجده يسافر إلى العراق ضمن الوفود الفنية والشعبية فى محاولة رفع الحصار عن شعبها.. حقيقةً الحديث عن «بابا نادى» يطول ويطول.. ولا أجد من الكلمات ما توفيه حَقه كفنان أو كإنسان.. سوى أنه سيظل دائمًا بالنسبة لى.. «بابا نادى»!.