الخميس 15 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«وفاة» روبوت فى مكان عمله!

تتزايد الحوادث الغامضة المتعلقة بتوقف روبوتات عن العمل، مما يثير أسئلة حول وعيها وإدماجها الأخلاقى، مع تصاعُد دَور الذكاء الاصطناعى فى الحياة اليومية وضرورة تحديد حقوقه..



تعثر أمْ تعمد السَّير إلى هلاكه؟

هذا هو السؤال الذى راود العاملين فى المجلس البلدى لمدينة غومى الكورية الجنوبية فى وقت سابق من العام الحالى عقب العثور على أحد زملائهم أسفل درج طوله متران، وهو فاقد للوعى ولا يستجيب.  

سلط الإعلام المحلى الضوء على الحادثة فتساءل فى عناوينه «لماذا أقدم الموظف الحكومى المجتهد على هذه الفعلة؟» و«هل كان العمل شاقًا؟»، كما انهمرت رسائل التعاطف مع العامل الراحل، وما زاد من اهتمام الناس هو أن الموظف ليس فى الواقع سوى روبوت.

ويعتقد بعضهم أن هذه هى أول حالة انتحار تسجل لروبوت - وبأن الجهاز ألقى بنفسه عمدًا عن الدرج بعدما ضاق ذُرعًا بالعمل. وأفاد الشهود بأنهم رأوه وهو يدور فى مكانه قبل سقوطه بقليل، مما أثار تكهنات بأنه كان يعانى انهيارًا نفسيًا.

لكن إقدام الروبوت على قتل نفسه عَمدًا مرهون بتحليه بالوعى فى المقام الأول. وصحيح أن هذا المفهوم موجود فى الخيال العلمى منذ أكثر من قرن لكن لم يبدأ خبراء التكنولوجيا بالتفكير الجدّى فى احتمالات حدوث هذا الأمر وتوقيته وكيفيته سوى خلال العقود الأخيرة.

ويعتقد جوناثان بيرش، أستاذ الفلسفة فى كلية لندن للاقتصاد ومؤلف «على حافة الوعى: الأخطار والوقاية لدَى البشر وحيوانات أخرى والذكاء الاصطناعى» بأننا سنشهد قريبًا ظهور ذكاء اصطناعى «بوعى ملتبس».

ويقول لـ«إندبندنت»: «ما أعنيه بعبارة «وعى ملتبس» هو أن بعض الأشخاص سيكونون مقتنعين أيما اقتناع بأن رفيقهم سواء كان جهازًا أو آلة أو برنامجًا يعمل بالذكاء الاصطناعى كائن يتحلى بالوعى ولديه بُعدٌ داخلى غنى، وسيغضبون عندما يرفض الآخرون هذا المفهوم. وفى المقابل؛ سيكون غيرهم مقتنعين تمامًا بأن هؤلاء لا يشعرون بأى شىء بتاتًا».

ويضيف: «لن يكون من اليسير تحديد مَن هو المحق بينهما لأن فهمنا بمسألة الوعى ليس متطورًا بما يكفى. وقد يؤدى ذلك إلى انقسامات اجتماعية حادة».

وفى سبيل الاستعداد لاحتمال كهذا، يدعو البروفسور بيرش شركات التكنولوجيا إلى أن تقرّ بهذا الخطر وتدعم الأبحاث الرامية إلى تحسين الفهم العلمى.

وتمحور الجدال الذى أثير فى كوريا الجنوبية بعد هلاك الروبوت العامل حول إدخال الذكاء الاصطناعى والآلات إلى أماكن عمل البشر وإن كان من المفترض إعطاؤها الحقوق نفسها التى يتمتع بها زملاؤها من البشر.

وهذا السؤال مهم بصورة خاصة فى بلد يتبنى تكنولوجيا بوتيرة أسرع من بلدان أخرى فى العالم.

إذ كشف تقرير صدر الشهر الماضى عن الاتحاد الدولى للروبوتات عن أن كوريا الجنوبية أصبحت أول دولة فى العالم تستبدل أكثر من 10 فى المئة من قواها العاملة بروبوتات. بينما تخطت دولة واحدة أخرى فقط خمسة فى المئة.

 

 

 

وتتوافر للروبوتات وظائف فى كل مكان فى كوريا.

بدءًا من مطابخ المطاعم ووصولًا إلى غرف العمليات. وترى الحكومة الكورية فى الآلات الذكية طريقة لمعالجة أسوأ انخفاض لمعدلات الولادات فى تاريخها مقابل التقلص السريع لأعداد السكان الذين لا يزالون فى سن العمل. لكن موجة الروبوتات الضخمة فتحت الباب أمام تحديات جديدة تتعلق بطريقة التعامل معها وإدماجها.

حتى لو لم تكُن هذه الروبوتات تتمتع بالوعى ولا بإحساس بذاتها، فكثير من الأشخاص يعتبرونها كائنات شبه واعية تستحق معاملة فيها شىء من الاحترام وصون الكرامة.

وبرز هذا الشعور بصورة خاصة من خلال ردود الفعل على فيديو انتشر العام الماضى وظهر فيه روبوت يهوى أرضًا فجأة أثناء تكديسه صناديق.

وقالت الشركة المصنعة للروبوت إن الأمر لا يعدو كونه عطلًا عاديًا، لكن الفيديو حصد ملايين المشاهدات فيما أخذ الجمهور يتساءل إن كان سلوكه ينم عن تحدٍ أو بسبب شعوره بالإرهاق؟.

وكتب أحدهم: «مرهق نفسيًا مثل بقيتنا»، فيما علق آخر بقوله «الذكاء الاصطناعى يستقل بقراراته وهذا يروق لى».

منذ حادثة المجلس البلدى فى كوريا الجنوبية، وقعت حوادث عدة لروبوتات بدا ظاهريًا أنها تحاول الانتحار. والشهر الماضى، كان من المزمع عقد فعالية سُميت «الإنسان ضد الآلة»، وهى عبارة عن سباق بين سيارة تعمل بنظام الذكاء الاصطناعى وسائق بشرى.

لكن المسابقة لم تحدث لأن السيارة التى تعمل بالروبوت وجهت نفسها باتجاه الحاجز واصطدمت به فى الطريق نحو خط الانطلاق. ومزح بعض المتفرجين بقولهم إن الذكاء الاصطناعى يفضل أن يُخرج نفسه من السباق بدلًا من المخاطرة بمواجهة مع سائق بشرى لُقب فى إحدى المرات بالـ«طوربيد» بسبب قيادته المتهورة.

أمّا بالنسبة إلى روبوت كوريا الجنوبية الذى انتهت به الحال بالوفاة، فهناك احتمال آخر لما حدث له، وهو احتمال يبدو موظفو البلدية والإعلام مترددين فى التطرق إليه: ربما دفعه أحدهم.

وكشف تقرير الاتحاد الدولى للروبوتات الأسبوع الماضى عن أن العدد الإجمالى للروبوتات حول العالم ازداد بأكثر من الضعف فى غضون الأعوام السبعة الماضية. ومع تسارُع هذا الاتجاه بالتوازى مع التطور فى الذكاء الاصطناعى، سنظل نواجه سؤالًا حول أنجع الطرق للعيش والعمل إلى جانب نظرائنا من الروبوتات.

وباعتبارها الشركة الرائدة عالميًا فى توظيف الروبوتات، قضت «أمازون» أكثر من عقد تعمل على طرق إدماجها فى أماكن العمل.

وتشكل الروبوتات أساسًا ثلث اليد العاملة فى عملاق المبيع بالتجزئة، بفضل توظيفه أكثر من 750 ألف آلة إلى جانب 1.5 مليون إنسان حول العالم.

وسُمح لـ«بروتيوس»، أول روبوت متنقل آلى بالكامل فى الشركة، أن يتجول بحرية فى مستودعات الشركة، خارج الأقسام المسيجة التى كانت الروبوتات محصورة فيها سابقًا. وحتم هذا الدور الجديد للروبوتات إلى جانب البشر التفكير مليًا فى صناعة الروبوتات بالشكل الأقل إزعاجًا. 

وقالت جولى ميتشل، وهى مديرة فى قسم الروبوتات فى «أمازون» وأسهمت فى صناعة الآلة؛ للصحفيين خلال جولة أخيرة فى أحد مراكز تجهيز الطلبات: «أردنا أن نجعل بروتيوس محببًا»، مضيفة: «قمنا بأبحاث كثيرة حول هذا الجانب.. سواء الوجوه والعيون التى وضعناها والأصوات التى تصدر عنه - كل هذا مصمم بغرض أن يجعله محببًا للناس».

مع تسارُع وتيرة الاعتماد على الروبوتات بالتوازى مع التقدم فى عالم الذكاء الاصطناعى، يبدو أننا سنواجه دومًا مسألة معنى وجود روبوت بين البشر- والعكس صحيح.

ولا بُدّ من أن يتسع نطاق النقاش الأخلاقى الجدّى حول آلات الذكاء الاصطناعى ليشمل، إلى جانب الروبوتات القاتلة، انتحار الروبوتات.