الأربعاء 5 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الأعياد «أون لاين»

فى عصر التحول الرقمى، باتت المنصات الافتراضية بديلاً مرنًا يتجاوز الحدود الجغرافية، ويلبى احتياجات الكثير من الأفراد فى مختلف الظروف، حتى أصبحت تلك المنصات، ظاهرة تتيح للأصدقاء والعائلات فرص التجمع عبر الإنترنت، دون الحاجة إلى التواجد الجسدى.



كما أصبح الاحتفال بالمناسبات وتبادل التهانى، يتم أيضا من خلال استخدام منصات الفيديو والتطبيقات التفاعلية، وأصبحت جزءًا من الثقافة الحديثة، وهو ما أخل بروح المناسبات التى من المفترض أن تكون عائلية بتجمعات حية، والحفاظ على روح المناسبة.

 

بذلك ساهمت وسائل التواصل الاجتماعى، فى تشكيل مشهد ثقافى رقمى وأعاد تشكيل الأنماط الاجتماعية، وطرق التفاعل بين الأفراد، مما أحدث تحولا جذريا فى طرق الاحتفال بالمناسبات مثل رأس السنة، ليصبح التأثير الرقمى عنصرا أساسيا، فى صياغة تقاليد جديدة لا يعرف أحد إذا كانت إيجابية أم لا؟! رأس السنة أون لاين

تحولت تقاليد الاحتفال برأس السنة وأصبحت الاحتفالات الرقمية بديلا فى تطور يدفع إلى مزيد من العزلة كما يرى بعض خبراء.

وتشير إحصائيات عام 2024 إلى أن فيسبوك، الذى يتصدر قائمة المنصات الاجتماعية، يضم أكثر من 3 مليارات مستخدم نشط شهريا، وتجاوز عدد مستخدمى انستجرام المليار شهريا، مع هيمنة واضحة للفئة العمرية بين 18 و34 عاما، والتى تمثل أكثر من 61% من إجمالى المستخدمين، وتقول الإحصاءات إن أغلب هؤلاء باتوا يتواصلون «إلكترونيًا» دون الشعور بالحاجة إلى التلاقى الواقعى.

تظهر البيانات أن المناسبات الكبرى تشهد ارتفاعًا ملحوظًا فى نشاط المستخدمين على منصات التواصل، حيث تتم مشاركة حوالى مليار قصة يوميا، مما يشير إلى تزايد الاعتماد على هذه المنصات لتبادل التهانى، والصور، ومقاطع الفيديو وتصبح الشاشات الرقمية كل عام، هى الأكثر جمالا للأفراد على مستوى العالم، مما يعكس ارتباطا قويا بين المناسبات والمحتوى الرقمى فى ظاهرة غير مطمئنة للكثيرين.

 

 

 

الواقع والافتراض

فى حين يرى كثيرون أن التواصل الافتراضى فى المناسبات يحل شيئا فشيئا محل التواصل الواقعى، ما شكل خطورة اجتماعية مستقبلية، فإن آخرين يرون أن كسر الحواجز الجغرافية أحد أبرز الإيجابيات التى أحدثتها وسائل التواصل، بفضل البث الحى والمكالمات الجماعية، وأصبح بإمكان العائلات المغتربة الاحتفال سويا، كما أتاحت هذه الوسائل للجميع فرص استكشاف تقاليد ثقافية مختلفة، عبر متابعة احتفالات دول أخرى، مما يعزز من التبادل الثقافى العالمى.

سألت مجلة «صباح الخير»، خبراء عن تأثير المنصات الرقمية على أجيال المستقبل، وكيف يؤثر التطور التكنولوجى على تقاليد وعادات المجتمع العربي؟

ورغم مزايا الاحتفالات الافتراضية ومرونتها، فهل يمكن أن يكون لها تأثير على الطابع الحميمى المعروف للمناسبات، والتى قد تحرم البعض من الشعور بالمشاركة الفعلية والدفء العائلى الذى يميز هذه اللحظات؟

مع تطور شبكات التواصل الاجتماعى، أصبح العالم يعيش حالة من الاندماج الافتراضى، الذى يعيد تشكيل طرق الاحتفال بالمناسبات ومنها احتفالات رأس السنة.

وفى هذا أوضحت الدكتورة أمل شمس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن وسائل التواصل الاجتماعى التى تستخدم اليوم من قبل 5.17 مليار شخص عالميا، بنسبة 63.7% من سكان العالم، و45.40 مليون شخص فى مصر، بنسبة 46% من السكان، تشكل تأثيرا واسع النطاق، خاصة بين الفئة العمرية من 18 إلى 35 عامًا، وهى التى تعتبر المحرك الرئيسى لنمو ونجاح هذه المنصات.

وأضافت أن هذا الجيل فى الفئات العمرية المذكورة يطلق عليه «زد»، وله سمات تميزه منها ارتباطه الوثيق بعالم التكنولوجيا والإنترنت، حيث نشأ فى بيئة رقمية جعلته أكثر برجماتية «نفعية» مقارنة بالأجيال السابقة، فهذا الجيل الذى يسجل أفراده على المنصات بعمر 18 عاما وفقا لسياساتها، لا يستخدم هذه الوسائل للتواصل فقط، بل أيضا للاحتفال بطرق مبتكرة تنقل تقاليد الاحتفال بالمناسبات إلى العالم الرقمى الافتراضى.

فى الماضى كانت الاحتفالات برأس السنة فى مصر كبقية العالم، فرصة للتجمع العائلى، والزيارات، والتقارب الاجتماعى، إلا أن تأثير وسائل التواصل أصبح بديلا عن هذه التقاليد، وألغت المنصات الافتراضية القيم الثقافية الأصيلة فى ظواهر ليست محمودة.

 وأشارت شمس، إلى أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية أربعة وهم الأسرة، والمدرسة، والأصدقاء، ووسائل التواصل التقليدية، وبدأت تفقد تلك المؤسسات تأثيرها لصالح وسائل الإعلام الجديدة «الإنترنت».

 

 

 

تزييف الوعى

أوضحت الدكتورة أمل، أنه لابد أن نتعامل مع العالم الافتراضى على أنه أداة تعليم سطحية للقيم والتقاليد وغير واقعية، مما أدى إلى تراجع التفاعل الإنسانى الحقيقى، وأصبح الشباب يعيشون فى «فقاعات افتراضية» تتسم بتزييف الوعى عبر صور مثالية لا تعكس الواقع، مما يؤثر على النفسية ويشوه تكوين الشخصية الإنسانية.

وترى شمس، أن الهدف الأصلى لمنصات التواصل الاجتماعى كان تبادل المعرفة والتثقيف، إلا أنها تحولت اليوم إلى أدوات لسلوكيات أخرى فى تحول يمثل خطورة على المجتمعات العربية، ويفتح الباب أمام تقليد لثقافات دخيلة دون وعى أو فهم لمخاطرها، مما يؤدى إلى تغريب الثقافة المحلية وتآكل الهوية.

من جانبه قال الدكتور خالد أبوالليل، أستاذ الأدب الشعبى بكلية الآداب جامعة القاهرة، أن رأس السنة فى العالم الافتراضى، تجربة تجمع بين العادات والتقاليد والتطورات، التى فرضتها متغيرات العصر، مما يعكس دور التكنولوجيا فى بناء جسر التواصل بين الأجيال، لكن فى نفس الوقت لها تأثيرها على الثقافات العربية.

يقول إن للتكنولوجيا وجهين إيجابى وسلبى، ويتحدد تأثيرها بناء على كيفية استخدام الأفراد لها.

واعتبر وسائل التواصل الاجتماعى مثالا حيا على ذلك، لتحولها من أدوات للتواصل إلى وسيلة للتفتيت الاجتماعى، لأنها أصبحت بديلا للعلاقات المباشرة، وابتعدت عن دورها الأساسى فى ترميم تلك العلاقات.

وأوضح الدكتور خالد، أن المناسبات الاجتماعية، كالأعياد والاحتفالات مثل رأس السنة، كانت فى المجتمعات الشرقية على وجه الخصوص تعد فرصة للتجمع، وتجاوز الخلافات، ومزيد من العلاقات الطيبة، لكن مع وسائل التواصل، بدأ هذا الدور يتلاشى تدريجيا، وأصبحت اللقاءات الافتراضية التى تفتقد للخصوصية والتمييز بين الأفراد، تحل محل اللقاءات الحميمية والتجمعات الأسرية المنتظرة، مما أدى إلى فقدان البعد الإنسانى والدفء العائلى الذى كانت تمتاز به مجتمعاتنا العربية. 

 

وأكد أبوالليل أن العالم الافتراضى أصبح بديلا للعالم الواقعى، فيما شكل تأثيرا سلبيا على العلاقات، وقال إن المجتمعات الأوروبية بطبيعة طقسها البارد، فرضت نمط من التعامل الرقمى بعيدا عن المشاعر الإنسانية، ونقلت وسائل التواصل هذه السمات بلا داعٍ إلى المجتمعات العربية التى تعرف بدفئها العائلى وخصوصية علاقاتها، ووصف هذا التحول بأنه جزء من سيناريو لتفتيت المجتمعات العربية، يبدأ بتفكيك الأسرة الواحدة من خلال التفاعل الرقمى الزائف. 

 

 

 

وأكد الدكتور خالد، على أن القيم الإنسانية هى الوقود الذى يستند إليه الأفراد فى مواجهة تحديات الحياة فى المجتمعات الشرقية على وجه الخصوص، لكن العالم الافتراضى ساهم فى تآكل هذه القيم، وأصبحت الشاشة الرقمية هى المعيار الجديد للحكم على العلاقات، والتمييز بين الأفراد.