الجمعة 24 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أســرار أحمد عدوية

فى عز سطوة ونفوذ «كوكب الشرق» أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب على العقول واحتكار عبدالحليم حافظ للمَشاعر والقلوب اخترق صوت «عدوية» مجالهم الغنائى فى أوائل السبعينيات بأغنيات من قلب الحارة المصرية حققت نجاحات مدوية وفتحت الطريق لإنشاء مَدرسة كبيرة فى الغناء الشعبى لا تزال فروعها تتكاثر وتضرب «تعظيم سلام» لكتالوجه الغنائى.



 

لم يسلك «عدوية» طريق المجددين فى الغناء الشعبى «محمد قنديل ومحمد رشدى ومحمد العزبى» بعد عصر «محمد عبدالمطلب»؛ بل سلك طريقًا جديدًا أحدثَ به ثورة فى عالم الغناء بأعمال من قلب الحارة وبكلمات من ألسنة البسطاء هزت الشارع المصرى ودون أن يدرى ساهم فى خَلق مجال غنائى لا يزال مفتوحًا للجميع بأغنياته «السح الدح إمبو» و«كله على كله» و«سيب وأنا أسيب» و«راحوا الحبايب» و«زحمة يا دنيا زحمة» و«حبة فوق وحبة تحت» حتى أغنية «على وضعنا»، وشاركه فى الغناء نجله محمد عدوية ومحمد رمضان، ودويتو «الناس الرايقة» مع رامى عياش ودويتو «صحى النوم» مع محمود الليثى فى مسلسل (رمضان كريم) عام 2017.

 

 

 

كما قدم للوسط الغنائى الشعبى أسماء لمعت معه أبرزهم الريس بيرة ومحمد عصفور الذى لحن له: «مابلاش اللون ده معانا وسلامتها أم حسن وكركشنجى وياليل ياباشا»، هذا الكتالوج الفريد من نوعه والذى أصبح مقياسًا للأغنية الشعبية التى حالها مالَ مع تقليعة المهرجانات.

 ملك الشجن

مساحة الصدق والشجن فى صوته دفعت عندليب الغناء عبدالحليم حافظ أن يكون من جمهوره وفى الصفوف الأولى العاشقة لأعماله لدرجة أنه فى واقعة شهيرة قدم أشهر أغنياته «السح الدح إمبو» بصوته فى أحد الأفراح، بينما كان يحلو لعدوية تقديم أغنية «خسارة فراقك ياجارة»، وتحول «عدوية» إلى صديق مقرب من العندليب وضيف ثابت فى شقته بالزمالك، ثم توالى اندفاع أكابر الموسيقى للتلحين له أبرزهم الموسيقار بليغ حمدى الذى لحن له «عجيب يا واد يا بنج»، و«يا ختى اسمالتين وحتة»، وسيد مكاوى «سيب وأنا أسيب»، وهانى شنودة الذى قدم له «زحمة يادنيا زحمة» بإيقاع غربى، ثم ساهم فى تقديم ملحنين جدد مثل: «حسن أبوالسعود» الذى قدم له «صبح الصباح»،«حبيبى يا عسل».

 أول أجر 

طريق «أحمد محمد مرسى على العدوى» ابن محافظة المنيا الشهير بأحمد عدوية لم يكن مفروشًا بالورود؛ حيث شق طريقه من شارع محمد على ومقهى التجارة الشهير الذى عمل به «قهوجى» ولغرامه بالغناء عمل «شيّالًا» للآلات الموسيقية و«طبالاً» ثم«مغنيًا»، حتى صار مَلكًا للأغنية الشعبية.. وبدأ عدوية مشواره بالغناء فى الأفراح مقابل «50 قرشًا» وهو أول أجر يحصل عليه.. ويذكر عدوية فى حوار تليفزيونى نادر أنه كافأ نفسه بأكلة كباب بعد أن حصل على نصف جنيه أجرًا وفى نفس المقهى «التجارة» استمع لصوته الشاعر مأمون الشناوى الذى رشحه لتقديم أغنيات شعبية لشركة صوت الحب التى كتبت اسمه خطأ فى أول أسطوانة غنائية له من أحمد عدوى إلى أحمد عدوية، وهو الاسم الذى تفاءل به بعد نجاحه وفضّله اسمًا للشهرة التى تخللها تعرضه لظلم كبير فى بدايته بمنع أغنياته فى الإذاعة والتليفزيون واتهامه بإفساد الذوق العام والإسفاف وبأنه ظاهرة غير صحية، لكن أديب نوبل «نجيب محفوظ» رد اعتباره وأشاد بمساحة الشجن بصوته وقوته، بينما وصفه الكاتب الكبير أنيس منصور بأنه أقوى الأصوات الشعبية وأكثرها عذوبة وصدقًا، وعندما استمع إليه المطرب الفرنسى العالمى شارل أزنافور بعد إحدى المناسبات فى مصر وصف صوته بأنه محقون بالشجن وقال لو كان يغنى بالفرنسية لكان أشهر المطربين انتشارًا وأكثرهم ثراءً.

نجاحه المدوى دفع صُناع السينما إلى استغلال شعبيته؛ حيث شارك فى الغناء فى عام 1974 فى أول فيلم (لعنة امرأة) بطولة فريد شوقى، ثم فيلم (الفاتنة والصعلوك) بطولة حسين فهمى فى نفس العام، ثم توالت مشاركاته فى أفلام مثل: (دائرة الشك) لرشدى أباظة حتى لمع فى سينما الثمانينيات فى أفلام أبرزها فيلم (شعبان تحت الصفر) و(المتسول) بطولة عادل إمام الذى كان صديقًا مقربًا له، وفيلم (خدعتنى امرأة) و(البنات عايزة إيه)، وفيلما (يارب ولد) و(للفقيد الرحمة) بطولة فريد شوقى، و(السلخانة) بطولة سمير صبرى، ثم فاجأ الجميع بدوره فى فيلم (أنياب) بطولة على الحجار، بجانب مسرحية (ادلعى يادوسة) لفيفى عبده وماجد المصرى، ومسلسل (حلم العمر) بطولة نيرمين الفقى، وكان آخر ظهور فنى له بمسلسل (رمضان كريم) عام 2017 وقدم فيه دويتو مع المطرب الشعبى محمود الليثى بعنوان «صحّى النوم» والدويتو يسجل اعترافًا حقيقيًا لقيمة عدوية فى مقطع قاله محمود الليثى يقول: «ده انت سر المَغنى عندك..احنا حتى ياليل ياعين كلنا وخدنها منك» وكأنه اعتراف بفضله على كل الأجيال التى قدمت فنًا شعبيًا أصيلاً وخالدًا.

 

 

 

الوفاء العظيم

رحل «أحمد عدوية» بعد 7 شهور من وفاة زوجته السيدة «ونيسة» حبه الأول وأم أولاده «محمد» و«ورد»، وكانت بمثابة الزوجة الداعمة لنجاحه منذ عام 76 والسند فى مرضه، وارتبطا بعد قصة حب صادقة بينما كانت فى المرحلة الإعدادية بعد أن غازلها وهى فى طريقها من المدرسة للمنزل وبعد رفضها أن تركب سيارته لتوصليها، اشتعلت نار الحب فى قلبه وذهب لطلب يدها من والدها الذى اعترض لصغر سنها (15 عامًا)، ثم عاد ووافق بعد إصرار وتمسُّك «عدوية» بها؛ بل تعهده بأنها ستكمل دراستها وهى فى بيته.. المدهش أن أسرته لم تخبره بوفاتها ومات وهو لا يعلم أنها سبقته، والمفاجأة أن عدوية عندما قرر شراء مدفن له بمنطقة السيدة عائشة وطلب أن يكون باسم أسرتها تكريمًا لها «مدفن ورثة محمد بك شفيق سليمان سرى» وهو والد زوجته «ونيسة» حبه الأول والأخير وشريكة المشوار الفريد من نوعه.