عادل حافظ
تجربة الهند.. البساطة فى العمق
فى عام 1974، وقبل تأسيسه لشركة آبل، قرر ستيف جوبز التوجه إلى الهند. كان جوبز يبحث عن إجابات عميقة حول الحياة، عن نفسه، وعن الغاية التى يسعى لتحقيقها. فى تلك الفترة، شعر بالضياع، على الرغم من موهبته الواضحة وذكائه الحاد، وكان بحاجة إلى رؤية واضحة حول هدفه فى الحياة.
وصل جوبز إلى الهند مليئًا بالتوقعات العالية، بحثًا عن معلم روحى يمكنه أن يقدم له «أسرار الحياة». لكنه بدلاً من ذلك، وجد فى الهند واقعًا مختلفًا تمامًا. عاش جوبز بين المجتمعات الفقيرة البسيطة، حيث رأى الناس يعيشون حياة مليئة بالمحبة والقناعة رغم قلة مواردهم. هذا التعارض بين الفقر المادى والغنى الروحى أدهشه وأعاد تشكيل فهمه لما يعنيه النجاح والسعادة.
قال لاحقًا: «الهند علمتنى أن البساطة يمكن أن تكون راقية. التقدم ليس دائمًا فى الماديات، بل فى الاتصال العميق بالنفس والآخرين».
هذه التجربة ساعدته فى تعزيز وعيه الذاتى. فقد تعلم أن التأمل الداخلى والابتعاد عن ضجيج العالم يمنح الإنسان رؤية أوضح. عند عودته إلى أمريكا، بدأ جوبز فى ممارسة التأمل بانتظام، وهو ما انعكس على أسلوب قيادته لشركة آبل لاحقًا.
فى عام 1985، وبعد أن شارك فى تأسيس شركة آبل التى أحدثت ثورة فى عالم التكنولوجيا، وجد جوبز نفسه فى موقف غير متوقع؛ فقد طُرد من الشركة التى أسسها بنفسه. كانت هذه اللحظة من أحلك لحظات حياته، حيث شعر بالخذلان والضياع، وكأنه فقد جزءاً من هويته. ومع ذلك، بدلاً من الاستسلام، قرر أن يستغل هذه اللحظة كفرصة لإعادة اكتشاف نفسه.
خلال الفترة التى قضاها بعيداً عن آبل، قام بتأسيس شركتين: NeXT وPixar. وبينما كانت NeXT تمثل جهوده لتطوير تقنيات متقدمة، كانت Pixar هى البوابة التى قادته إلى عالم الإبداع السينمائى.
فى هذه الفترة، تعمق جوبز فى فهم قيمه الشخصية وشغفه الحقيقى، وأدرك أن شغفه لم يكن مجرد بناء منتجات، بل فى إحداث تغيير جذرى فى حياة الناس من خلال التكنولوجيا.
وفى مقابلة لاحقة، قال: «أحياناً، عندما تواجهك صعوبات كبيرة فى الحياة، تدرك أنك فقدت شيئاً كنت تعتقد أنه أهم شىء لديك. ولكن فى تلك اللحظات، يمكنك أن تجد الحرية لتبدأ من جديد».
عندما عاد إلى آبل عام 1997، لم يكن مجرد قائد تقنى. كان شخصاً لديه رؤية أكثر وضوحاً، وفهماً أعمق لنفسه ولرسالته. ومن هناك، بدأ حقبة جديدة قادت آبل إلى إطلاق منتجات غيرت وجه العالم.
قصة ستيف جوبز هى شهادة على أن أوقات المحن يمكن أن تكون نقطة انطلاق نحو التحول. عندما نستغل هذه اللحظات للتفكير بصدق فى أنفسنا، واكتشاف مواهبنا الحقيقية وشغفنا، يمكننا العودة أقوى وأكثر تركيزاً على ما نريد تحقيقه فى حياتنا.
جوبز علّمنا أن فقدان الطريق أحياناً هو جزء من الرحلة. المهم هو أن نتوقف، ونعيد النظر فى قيمنا وأهدافنا، وأن نتحلى بالشجاعة لإعادة البناء من جديد.
كل ذلك يبدأ بالوعى الذاتى. عندما تفهم من أنت حقاً وما تريد تحقيقه، تصبح المحن ليست نهاية الطريق، بل خطوة نحو النجاح الأكبر.