الجمعة 24 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«ترامب» فى مواجهة «العاصفة»

فى آفاق آسيا لعام 2025، تجد القارة نفسها أمام تحديات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة، مع تصاعد الأزمات الداخلية فى العديد من دولها، فضلاً عن الصراعات المتزايدة بين القوى الكبرى فى المنطقة. 



وتواجه دول آسيا تهديدات متزايدة من التوترات السياسية والاقتصادية، التى قد تؤثر على استقرارها وعلى علاقاتها مع القوى العالمية الأخرى، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية، والتغييرات المرتقبة فى عهد الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب والتى تهدد بخلق مزيد من الضغط على اقتصادات المنطقة.

 

فى هذا السياق، لا تقتصر التحديات على الأزمات الاقتصادية والسياسية التى تواجه دول آسيا فحسب، بل تشمل أيضاً التصعيدات المحتملة فى العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة والتى قد تعيد تشكيل خارطة القوة الاقتصادية والجيوسياسية فى المنطقة. 

هذا التوتر المتزايد يهدد بخلق فترات من عدم اليقين، ما يتطلب من الدول الآسيوية التحلى بالحذر والقدرة على التكيف مع واقع عالمى مضطرب.

بكين وواشنطن؟!

إعادة إحياء العلاقة بين الرئيس الصينى شى جين بينج ونظيره الأمريكى ستكون حاسمة فى تحديد كيفية تطور المنافسة الاستراتيجية بين البلدين، خاصة بعد تهديد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 60% على السلع الصينية الذى لايزال دائم الحضور فى أذهان قادة بكين. 

 

 

وتشير تقديرات وكالات «بلومبرج» الإخبارية الاقتصادية إلى أن هذه التعريفات قد تؤدى إلى خفض 83% من صادرات الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فى ظل تباطؤ النمو الاقتصادي، وأزمة سوق العقارات، وزيادة البطالة، ما يدفع شى جين بينج للبحث عن طرق لتخفيف مخاطر حرب تجارية جديدة. 

 

وفى الوقت ذاته، تراقب واشنطن التوسع العسكرى الصينى الذى ازداد حجمه وطموحاته على مدار العام. وفيما يتعلق بقضية تايوان فإن الأمر الوحيد الذى تقبل بكين بطرحه على طاولة المفاوضات فيما يخص «تايوان»، حيث تعتبر بكين الجزيرة ذات الحكم الذاتى جزءًا من أراضيها، وتؤكد أن الوحدة حتمية، باعتبارها جزءا من «إعادة إحياء الأمة الصينية الكبرى»، ما يعنى بالنسبة لها أن تصبح القوة العالمية الأولى بحلول عام 2049.

فى المقابل، ترى تايوان أن ذلك يمثل أزمة وجودية، حيث إن أغلبية الشباب التايوانيين يميلون نحو هوية منفصلة عن الصين. 

وبالنسبة لواشنطن، فإن الدعم العسكرى لتايوان كان متسماً بالغموض خلال فترة حكم الرئيس جو بايدن، لكن مع ترامب قد يصبح أكثر تقلبًا، ما يجبر تايوان على تعزيز تسليحها ولعب لعبة دبلوماسية دقيقة. وماذا عن الفلبين؟

حسب مركز لووى الاسترالى للدراسات، فإن الفلبين مقبلة على عام مليء بالتحديات، نظرًا لاعتمادها الكبير على الولايات المتحدة الأمريكية، لذا ستكون عرضة لأى اضطرابات فى العلاقات الثنائية. 

ومن المعروف أن عام 2025 مع ترامب ستعتمد الأمور على الصفقات، تحت شعار «ما الذى سأجنيه من ذلك؟» ما قد يجعل من الصعب على الرئيس الفلبينى «ماركوس الابن» مواصلة معركته فى البحر الجنوبى للصين.

وتستعد الفلبين خلال العام الجديد لنشر نظام «تايفون» الأمريكي، القادر على إطلاق صواريخ «Tomahawk Land Attack»، التى يمكنها السفر لأكثر من 1600 كيلومتر (1,000 ميل)، ما يجعل الصين ضمن نطاقها.

الأمر الذى أعلنت الصين رفضه واعتبرتها خطوة استفزازية تؤجج التوترات الإقليمية فى بحر الصين الجنوبي، كما أعلنت قلقها إزاء المساعدات العسكرية الأمريكية للفلبين التى تراها تحدياً واضحاً من الجانب الأمريكى لها فى المحيط الهادئ والهندى.

وبالنسبة لبيونج يانج سيكون «الظل النووي» الشعار الأبرز لكوريا الشمالية فى العام الجديد، لكسب ميزة فى مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال التهديد باستخدام الأسلحة النووية فعليًا ضد كوريا الجنوبية أو تعزيز استعدادها بعد أى استفزازات، معلنة توسعها فى برنامجها النووى.

ويشير «الظل النووى» إلى أن الدولة التى تمتلك قدرات نووية تستعرض تهديد استخدام هذه القدرات وتحييد استجابة الطرف الآخر.

وقال تشا دو هيون، الباحث البارز فى معهد أسان للدراسات السياسية، فى تقرير عن «توقعات الوضع الدولى لأسان لعام 2025»: «ستحاول كوريا الشمالية استعراض تفوقها على كوريا الجنوبية، وستتصل استفزازات بوينج يانج باستجابات سيول واشنطن لتوسع برنامجها النووى.

 

 

 

وسيكون هناك بالطبع موقف داعم من الصين لتحركات كوريا الشمالية، ورادع لأى ردود أمريكية أو كورية جنوبية، وستحذو روسيا حذو الصين فى دعم حليفهم الاستراتيجي، وفقاً للمعاهدة الجديدة بين كوريا الشمالية وروسيا، ما سيؤدى إلى اتساع بؤرة التوتر فى آسيا».

وحسب الدراسات سيكون هناك محادثات ومفاوضات تعبر عن خطط للسلام، ولكن لن يمنع ذلك زعيم كوريا الشمالية كيم من تنفيذ رغبته بإجراء اختبار نووى سابع، لتعزيز نفوذه فى المفاوضات مع واشنطن، لكنه سيركز على إبراز قدرات بلاده النووية التكتيكية الموجهة بشكل أساسى إلى شبه الجزيرة الكورية.

 أزمات فى سيول

بينما تتجه الأنظار إلى التداعيات المستقبلية لمرحلة الانتقال السياسى فى كوريا الجنوبية، تتطلع بكين إلى استغلال هشاشة المشهد السياسى فى البلد المضطرب بدعم حلفاء لها لتولى زمام الحكومة القادمة، لتمهيد عودة بلادهم إلى التقارب مع الصين وكوريا الشمالية.

ويُشير تحليل لصحيفة «نيوزويك» الأمريكية إلى أن الصين قد تستفيد من أى تراجع فى العلاقات بين كوريا الجنوبية وحلفائها مثل الولايات المتحدة واليابان، حيث تسعى بكين لإضعاف هذه التحالفات التى تُعتبر جزءًا من استراتيجيات احتواء نفوذها فى المنطقة.

الأمر الذى سيؤثر بدوره على المبادرات الثلاثية مع الولايات المتحدة واليابان، ما يمنح بكين فرصة أكبر لتعزيز موقعها كقوة إقليمية ذات نفوذ.

وتعتبر الصين الاضطرابات التى حدثت فى كوريا الجنوبية فرصة لتسليط الضوء على ما تصفه بضعف الديمقراطيات الغربية مقارنة بنظامها المركزى المستقر، ولتحسين صورتها فى المنطقة.

 

 

 

عودة الحرب الباردة 

فى الأفق هناك حدثان حاسمان غيرا المشهد الجيوسياسى العالمى لأول مرة، حينما ظهرت قوات كورية شمالية فى ساحة المعركة فى حرب روسيا وأوكرانيا، وبعد ذلك بوقت قصير، احتجزت القوات العسكرية الدنماركية سفينة شحن صينية تحمل علم الصين، وهى «يى بينج 3»، للاشتباه فى قيامها بقطع كابلات بيانات فى قاع بحر البلطيق.

كلا الحادثين يمثلان تحولًا أساسيًا فى البيئة الاستراتيجية، حيث أصبح خصوم الولايات المتحدة الأمريكية مستعدين لتقديم الدعم العسكرى المباشر لبعضهم البعض، حتى عبر الجهة الأخرى من الكرة الأرضية.

يمكنك أن تسميها «محور المعتدين»، أو «تحالف غير مقدس»، أو «محور الشر» الجديد حسب وسائل إعلام أمريكية، ولكن تبقى الحقيقة أن الروابط العسكرية بين الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية تتعمق، ويجب أن يؤدى هذا التغيير إلى قلب طريقة تفكير الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها حول العالم فى كيفية توفير سياسات ردع تواكب تقدم وقوة هذا التحالف.

وفى تحليل نُشر بصحيفة «فورين بوليسي» الأمريكية، حول مدى تأثير تدخل القوى الآسيوية فى أوروبا وإبطالها لكل الخطط الأمريكية، قيل إن نشر القوات الكورية الشمالية واحتجاز السفينة الصينية التى يُشتبه فى قطعها للكابلات هو تطور تدريجى لأحداث بدأت منذ سنوات، حين ظهرت ملايين القذائف الكورية الشمالية وآلاف الطائرات الإيرانية المسيرة فى ساحة المعركة فى أوكرانيا بينما دعمت المساعدات الاقتصادية الصينية الجهد الحربى الروسى.

ولكن الاتفاقات والوعود شيء؛ والمشاركة المباشرة فى حربين جاريتين فى أوروبا - إحداهما «حرب ساخنة» والأخرى «هجينة» - شيء آخر تمامًا، حيث تخطت الصين وكوريا الشمالية الآن هذا الحد، حسب مراقبين غربيين.

 

 

 

نكسة كبرى؟!

وحسب الرؤية التحليلية لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية فإن سبب تغيير هذه الأحداث يرجع لتغيرات فى التخطيط الدفاعى الأمريكى واستراتيجيات القوة، بدءًا من دخولها فى الحرب العالمية الثانية، حيث كان الجيش الأمريكى مُعدًا ليكون قادرًا على خوض حربين فى آن واحد إحداهما فى المحيط الهادئ ضد الإمبراطورية اليابانية والأخرى فى أوروبا ضد النازية. 

ولكن اليوم، يبقى السؤال مطروحاً حول ما إذا كان بإمكان أمريكا أن تخوض حربين كاملتين عمليًا.

الإجابة عن هذا التساؤل تكمن فى مدى تصاعد القوة العسكرية الصينية، وعمل الولايات المتحدة على تقليص عجزها فى تحديث القوات الناجم عن ما يسمى «الحرب العالمية على الإرهاب»، أصبح هيكل الحربين غير قابل للتحمل بشكل متزايد. 

تقول المجلة إن الإدارة الأمريكية أدركت أن القوات العسكرية لن تتحمل خوض حرب ضد قوة كبرى، ناهيك عن حربين فى آن واحد، لذا، خفضت واشنطن من سقف طموحاتها العسكرية، ودعت إلى توجيه الدفاع الاستراتيجى لعام 2011 لإدارة أوباما إلى «هزيمة العدوان من قبل أى خصم محتمل» ما يسمى استراتيجية الحرب والنصف. 

مع الإدارة الجديدة، والاستراتيجية الجديدة، فى واشنطن، فهناك فرصة محتملة لإعادة تقييم الاستراتيجية الدفاعية للولايات المتحدة الأمريكية، لذا، إذا كان القادة الأمريكيون يصدقون حقًا ما يذكرونه فى وثائقهم الاستراتيجية بأن هذه الفترة هى الأخطر منذ الحرب الباردة وربما منذ الحرب العالمية الثانية، فإنه من المنطقى أن تحتاج الولايات المتحدة إلى الاعتراف بأن التهديدات التى يمثلها «محور القوة» ستظل قائمة وستكون أخطر من أى وقت سابق.