شجرة الحياة

تقرير: بسمة مصطفى عمر
«شجرة الكريسماس»، هى مظهر البهجة والاحتفال التى اعتاد عليها المصريون فى رأس السنة الميلادية كل عام، وتتميز بألوانها الزاهية، وأهمها الأخضر، وهو لون يحمل الكثير من المعانى عند شعب «أم الدنيا»، منها استمرار الحياة، والتفاؤل، وكانت عند قدماء المصريين من أهم الطقوس فى احتفالاتهم بعيد ميلاد «أوزوريس»، حيث يشبهون قصته بالشجرة الخضراء مثل الصنوبر، لأنها من الأشجار دائمة الخضرة طوال العام، وأصبحت من أهم تقاليد الاحتفال، وسميت أيضًا بـ «شجرة الحياة».

والشجرة المعروفة بشكلها الحالى يتم صناعتها، متباينة الأحجام طولًا وعرضًا، وتنتشر فى الأسواق بكثرة قبيل رأس السنة، وتتزين بكريات مختلفة الأحجام والألوان، ما بين الذهبى والفضى والأحمر، مع إنارتها بأفرع إنارة مختلفة، والنجوم التى تشير إلى «نجمة بيت لحم»، والأجراس، ويضع البعض تحت الشجرة مجموعة صناديق مغلفة، تحتوى على الهدايا التى يتم تبادلها ليلة رأس السنة والمعروفة بالكريسماس، وتتراوح أسعار الشجرة بين 300 و3000 جنيه، بحيث ترضى جميع الأذواق والأحجام، لوضعها فى المحال والفنادق والأسواق التجارية وغيرها.
هنا ترصد «صباح الخير»، رحلة شجرة الكريسماس.. البطل المقدس فى احتفالات رأس السنة، عبر العصور، حيث قال الدكتور هشام الشاذلى، أستاذ الآثار واللغة المصرية القديمة، عضو جمعية إحياء تراث مصر، إن الاحتفال بعيد الميلاد ورأس السنة موروث قديم، ومن معتقداته وطقوسه «شجرة الكريسماس»، ففى عهد الإمبراطور قسطنطين الأكبر بالقرن الرابع الميلادى، نذرت والدته «هلالة» التى تدينت بالمسيحية، ثروتها هى وولدها، لبناء عدد من الأديرة وبيوت العبادة للمسيحيين المضطهدين وقتها.
وأضاف: ترسخت تلك الطقوس فى معتقدات المصريين، ومنها إجازة يوم الأحد من كل أسبوع، مع بداية الديانة المسيحية، وكان «شاول» هو من وضع مظاهر للعبادة، واستنسخ عقائد المصريين القدماء، ومنها الأسطورة الفرعونية «أوزوريس»، التى تدور حول «إله البعث والحساب» وهو رئيس محكمة الموتى، ومن آلهة التاسوع المقدس، وهو تجسيد لعقيدة «أوزوريس أدونيس»، وأن من ينتقل إلى الحياة البرزخية بعد الموت، يجلس على يمين أوزوريس، وتكرست تلك العقيدة بالإسكندرية وشمال مصر فى الفترة اللاحقة مع ظهور المسيحية فى مصر.
ويستكمل أستاذ الآثار المصرية بالقول إن، البرديات المصرية القديمة سجلت الإشارة لأوزوريس بـ«شجرة الحياة»، حيث تضم عناصر الحياة، وفوقها 5 طيور، بينها 4 تنظر إلى الشرق، وهو العالم الأول من حياة الإنسان فى طفولته وصباه ونضجه وكهولته، وطائر واحد فقط ينظر إلى الغرب، أى العالم الآخر، والمعروف بالحياة البرزخية، موضحًا أن هذه الشجرة كانت تعبد فى جميع أزمنة مصر القديمة، وانتقلت إلى المسيحية للتعبير عن المسيح بـ «شجرة الكريسماس» وأصبحت الشجرة هى محور وبطل الاحتفال، وتم تبديل الطيور بالكريات الملونة.
وأشار إلى أن العطاء هو ركيزة الفكر العقائدى للمصرى القديم، وتطور معناه مع العصر الفاطمى والقرون الوسطى إلى تبادل الهدايا، منوهًا إلى أن فكرة الصنوبر أو الأشجار ذات الأوراق المخروطية، ترجع للعالم الغربى، باعتبارها أكثر الأشجار تحملًا للطقس البارد، ولها القدرة على مقاومة الموت، ولكنها تحيا مرة أخرى مع حلول فصل الربيع.

ثقافة مصرية
وقالت الدكتورة نهلة إمام، أستاذ العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية بأكاديمية الفنون، خبيرة التراث الثقافى غير المادى، إن الاحتفال بشجرة الكريسماس، ثقافة مصرية، خاصة من الطبقات الأعلى اجتماعيًا وفئة «الهاى كلاس»، ومن يعلمون أبناءهم بالجامعات الأجنبية ومدارس الإنترناشونال، حيث يختلطون بالثقافات الغربية.
وأضافت، أن تقارب المجتمعات الغربية والشرقية من خلال شبكات الإنترنت، والدراسة فى مدارس اللغات، والجامعات الأجنبية، ومشاهدة السينما والفنون الغربية، أحدثت نوعًا من «التثقيف»، من خلال التحاور والتحول الثقافى، فظهرت هذه الثقافة على نطاق واسع فى مصر.
وأشارت إلى أن المصريين حتى قبل زمن قريب، كانوا يرونها داخل المحال الكبرى والمولات، إلى أن تطور الأمر، وأصبحت طقوس الاحتفال ضمن اهتمام الطبقة الوسطى أيضًا، وأبدع المصريون فى تنفيذ فكرتها، وتنوع تصميمها.
واستكملت، على الرغم من أن شجرة الكريسماس مرتبطة بميلاد السيد المسيح، إلا أنها تعد مظهرًا من طقوس الاحتفال داخل البيوت والفنادق والمولات وغيرها، لأنها تحث على البهجة، ولذلك فهو موسم رواج اقتصادى كبير فى المجتمع الأوروبى وبعض المجتمعات الشرقية حيث أصبح شراء الهدايا للأطفال، وتنظيم تجمعات عائلية لتناول العشاء فى ليلة الكريسماس، وتبادل الهدايا باعتباره موسمًا للسعادة، عادة لدى الكثيرين.

وقالت الدكتورة نهلة إمام، هى ظاهرة مبهجة، ولكن لا يمكن اعتبارها من التراث المصرى الأصيل، وإنما هى ثقافة تنامت لدى الشعب المصرى العاشق للبهجة والسرور، ورغم ذلك أيضًا هناك بعض المتماثلات من حقب زمنية مثل الفراعنة، والمماليك، لافتة إلى وصف المؤرخ الكبير المقريزى لشجرة علقت عليها حلوى، وهو ما يؤكد على أن طرق الاحتفال اليوم المنتشرة الآن حدث لها كثير من التطورات الناتجة عن تعاقب الحقب الزمنية، بما يحقق البهجة داخل المجتمعات.
وأشارت، إلى أن احتفال الشعب المصرى بالكريسماس، ليس على أنه عيد دينى مسيحي، ولكنه بداية عام جديد «رأس السنة»، وبدء أعياد الميلاد، وتمنى الأفضل مع بداية العام، لافتة إلى أن مصر بها خلط ثقافى يمزج بين الشعبى والدينى، ويحدث نوعًا من المشاركة فى الفولكلور المصرى بين طوائف الشعب.
إتيكيت الكريسماس
فيما قالت ميرنا صلاح، خبيرة الإتيكيت، إن بعض التعاملات والسلوكيات الاجتماعية، يجب مراعاتها تزامنًا مع الاحتفال بالكريسماس، خاصة أثناء تجمع العائلات والأصدقاء، فهناك قواعد تنظم تلك التجمعات، للحفاظ على الفرحة والبهجة.
أشارت إلى أن من خصائص الاحتفال، هو وجود شجرة الكريسماس التى يوضع تحتها الهدايا، وخاصة التى تمنح للأطفال لإسعادهم، فمن الممكن مشاركة الأسرة بتصنيع شجرة الكريسماس بأبسط الخامات، وهو ما يحدث بها كثير من الإبداعات والبهجة أثناء التجمع العائلى، وكذلك حين يلتقى الأصدقاء بأشهر المولات والمحال للسهر والتقاط الصور التذكارية، منوهة إلى أن أحجام الشجرة تختلف باختلاف الأماكن، وكلما كانت مرتفعة ومميزة وعلى مساحة واضحة كانت أكثر بهجة، وتجميعًا للأشخاص تحت أضوائها التى تسبب الفرحة، فالجميع يحتفل ولكن بطرق مختلفة.