
توماس جورجسيان
عام جديد وهيا بنا نقلب الصفحة
عام جديد فى انتظارنا..أو بتعبير أدق نحن فى انتظاره. عام جديد ينتشلنا من الرمال المتحركة الجيوسياسية (إذا جاز التعبير) التى تأخذنا وقد تأخذ منطقتنا إلى مصير مجهول أو فوضى لا يعرف مداها أحد. وبالطبع الكل يتابع بإدمان تدفق الأخبار وطوفان الآراء عبر السوشيال ميديا. وهى المصدر الأساسى والرئيسى لتشكيل آمالنا وإحباطاتنا على مدار الساعة.
ومن ثم لم يكن بالأمر الغريب فى العام الذى نودعه (ونريد أن نكسر القلة وراءه) أن نسمع مرارا وتكرارا عن تنبيهات وتحذيرات تتحدث بإسهاب منقطع النظير عن الذكاء الاصطناعى والغباء الطبيعى والهواتف الذكية والحقائق البديلة المفبركة. وأيضا عن عفونة المخ وضبابية التفكير وتعكير الرؤية. ويبقى السؤال الأهم.. هل يستطيع الإنسان العادى أن يتعامل مع كل هذا الشد والجذب بكامل قدرته العقلية وإرادته الإنسانية؟ وكيف؟ أم أن عليه الاستسلام ورفع الراية البيضاء؟! كما أن السؤال التالى يبقى قائما هل من طريقة أو وسيلة لـ«غربلة» هذا الطوفان من الجهل والكراهية والغضب من أجل ضمان الحصول على ما هو مفيد، وما يمثل إضافة وإثراء للمعرفة الإنسانية؟
مع بداية عهد ترامبى/ أمريكى جديد فى عام 2025 من الطبيعى أن يتابع شعوب العالم بقلق وحيرة وارتباك ما قد يأتى به ترامب مع مرور الأيام. وذلك فى وجود إيلون ماسك الملياردير الجامح ورغبته فى إصلاح الحال (كما يقول) بتفكيك أو تكسير ما تم إنجازه وتطويره عبر سنوات طويلة من مؤسسات دولة تعمل من أجل المصلحة العامة. ويظل السؤال المتكرر إياه كيف سيتم تنفيذ تصور أو خطة ماسك فى الوزارات الأمريكية المختلفة؟ الإدارة الأمريكية أو السلطة التنفيذية بها 15 وزارة. وهى أنظمة وآليات إدارة يعمل بها مئات الآلاف من الموظفين والموظفات. وهل مفهوم «تخلص من حمامك القديم» والذى طبقه ماسك (53 عاما) فى تويتر بشكل أو آخر بعد امتلاكه لها بـ44 مليار دولار ممكن أيضا تطبيقه فى وزارة العدل أو الصحة أو التعليم أو حتى وزارة الخارجية والبنتاجون (وزارة الدفاع)؟! وما يلفت الأنظار فى الفترة الأخيرة ومع ترشيحات الأسماء لتولى الوزارات المختلفة أن اختيار السيناتور ماركو روبيو (53 عاما) وزيرا للخارجية لم يكن مثيرا للجدل كما كان الحال للمرشحين لوزارة العدل والدفاع. وهو من مواليد ميامى بولاية فلوريدا وابن مهاجرين من كوبا. وقد مثل فلوريدا فى مجلس الشيوخ وعمل فى لجان العلاقات الخارجية والاستخبارات. له آراء ومواقف شديدة تجاه الصين وإيران وروسيا وكوريا الشمالية. إلا أن مثلما هو الحال بالنسبة للوزراء فى إدارة ترامب المقبلة يتردد القول بأن البيت الأبيض وترامب (78 عاما) تحديدا هو أولا وأخيرا سيكون مركز القرار الأمريكى فى التعامل مع ملفات الداخل والخارج.
ولا شك أن إعادة النظر فى برامج التطعيم للأطفال فى أمريكا أمر يثير الدهشة والقلق تجاه تغول الشائعات حتى فيما يخص صحة الأطفال. التشكيك فى تطعيم شلل الأطفال تحديدا تصدر المشهد فى الأسابيع الأخيرة. انتقادات شديدة اللهجة توجه لروبرت كيندى (70 عاما) المرشح لتولى منصب وزير الصحة بهذا الخصوص وأيضا بخصوص سعيه لإنهاء إضافة مادة الفلورايد لمياه الشرب. ونحو 65 من سكان أمريكا يستعملون المياه المضاف إليها مادة الفلورايد التى تسهم فى حماية الأسنان من التسوس.

وإذا كانت استطلاعات الرأى لها بعض المصداقية ويمكن الاعتماد عليها فى التعرف على المشهد الأمريكى الحالى فإن 43 فى المائة من الأمريكيين لديهم درجة كبيرة من القلق تجاه حياتهم وذلك حسب جمعية الطب النفسى الأمريكى. كما أن استطلاعات أخرى بينت أن 78 فى المائة من الأمريكيين يرون أن أمريكا تسير فى اتجاه الخطأ. و55 فى المائة منهم يعتقدون أن النظام الاقتصادى والسياسى فى حاجة إلى تغييرات كبرى. وتبدو الأمور غير مرضية لدرجة أن 34 فى المائة من الأمريكيين لديهم استعداد لتحضير حقائبهم والسفر إلى الخارج إذا كان هذا ممكنا. وتعد هذه النسبة أعلى نسبة خلال الخمسين السنة الماضية. وكل هذه الملامح أو الأمزجة أو الاختيارات النفسية تشكلت فى زمن السوشيال ميديا. والأرقام تقول إن الأمريكى يمضى فى المتوسط ست ساعات و35 دقيقة يوميا وهو يبحلق فى شاشة هاتفه الذكى..
مع إقبال العام الجديد..
أتساءل أيها القارئ العزيز وأيتها القارئة العزيزة:
هل فى إمكاننا أن نقلب الصفحة ونبدأ صفحة جديدة أم أن ما سنجده أمامنا هو الصفحة ذاتها. ربما رقمها جديد إلا أن مضمونها متكرر وربما أكثر سوءا مما عشناه وشاهدناه وعايشناه فى السنوات الأخيرة. فى كل الأحوال علينا أن نتفاءل أو أن نقبل على الحياة وكلنا أمل فى أن العام المقبل سيكون جديدا وسعيدا بإذن الله. إنها جمل تتكرر على ألسنتنا ولكن ما باليد حيلة. فمع شروق كل شمس جديدة تتطلع النفس البشرية إلى يوم مختلف عن الأمس. يوم أكثر جمالا أو فلنقل أقل قبحًا وسوءًا أو أقل حزنًا وقلقًا.