الحياة سلسلة اختبارات
ما الحياة إلا سلسلة متنوعة من الاختبارات، والتى قد تتفاوت فى سهولتها وصعوبتها، وفى كل الأحوال تترك تلك الاختبارات أثرًا فى النفس والروح، نكتشف أن مع كل اختبار يتغير شىء ما فينا من الداخل، ونتفاجأ أننا مع كل اختبار لا بد أن نعيد تحديد اختياراتنا وقراراتنا بناءً عليها، وربما كان بعضها أكثر إيلامًا من غيرها، ومع الوقت ومضى سنى العمر نكتشف أننا مختبرون فى أدق التفاصيل، ليس فقط فى الأحداث والأشخاص والأقدار وإنما فى مشاعرنا وقيمنا وأفكارنا ومختبرون كذلك بالنعم و بالخير والشر لنصبح أكثر يقينًا أننا أمام كل هذه الأنواع من الفتن لا يسعنا إلا السعى والاجتهاد فى اجتياز هذه الاختبارات بأقل الخسائر.
وأرى أن من أشد الاختبارات قسوة على النفس هو اختبار جودة علاقاتنا وصلاح «بطانتنا» أو فسادها، فكلمة بطانة فى اللغة دقيقة جدًا، ولقد سميت بهذا لقربها ومكانتها وشدة أثرها على سلوك النفس واستقرارها، وهى تلك العلاقات القريبة التى نختارها بعناية ووعى والتى نسعى جاهدين للحفاظ عليها وأن نكون فيها مصدرًا للأمن والأمان، فتكون لنا وبنا علاقات آمنة، صالحة.
ولا تكمن جودة هذه العلاقات بمدى تعقيدها فالبطانة الصالحة قد تكون بسيطة ومتواضعة، إلا أن صفة الصلاح أساسها، ولا ترتبط بالضرورة بالمستوى التعليمى أو الاجتماعى أو حتى الثقافى، فربما كانت أبسط العلاقات أجملها وأنقاها، فصلاح أى علاقة يقاس بصلاح قلوب من فيها وبساطتهم ونقاء دواخلهم وصدق نيتهم وأصالة تربيتهم.
وإذا قُدّر لنا أن نختبر مشاعر الخذلان فيها، يكون ذلك مصحوبًا بألم يَصعُب وصفه لأنه ممزوج بالحزن وبعلامات الاستفهام التى لا تنتهى، وربما لن نجد لها تفسيرًا ولن نفهم حكمتها، ولكننا بالتأكيد لن نعود كما كنا قبلها، وربما يكون هذا هو جوهر اختبارنا، أن ننضج، أن نغير نظرتنا للأحداث والأشخاص، أن نبحث عن تلك الرسالة الكامنة وراء كل ما يحدث، فنصبح أكثر حذرًا وانتباهًا للإشارات والتى قد تظهر أمامنا بين الحين والآخر وكانت عقولنا ترفض تصديقها.
ولأن ألم الخذلان فى حد ذاته رسالة.. فربما كانت رسالته أن نصبح أكثر حذرًا وأكثر حرصًا فى اختيار بطانتنا، ربما كانت الرسالة فى عمقها تحذير بأن نُفطم أنفسنا عن التعلق بمثالية وإخلاص من حولنا.. أرى أن من أكثر اللحظات إيلامًا هى اللحظة التى تتكشف فيها حقيقة سذاجتنا أمام من نحبهم، حين نُدرك أن الخيانة كانت منذ زمن وكانت مستمرة ومتكررة ونحن من غفلنا عنها.
ورغم قساوة كل ذلك فإن اكتشاف حقيقة.. أننا سنظل نُختبر فى صلاح وجودة علاقاتنا وصلاح أنفسنا إلى أن نتعلم ما ينبغى تعلمه من وراء كل هذه المشاعر والتجارب.