يا رب وين نروح
![](/UserFiles/News/2024/12/25/61294.jpg?241225103819)
زاره: مصطفى عرام
«يا رب وين نروح».. هكذا عبر أطفال فلسطين عن حالهم وواقعهم المؤلم، من خلال عدد من اللوحات الفنية البسيطة، التى رسموا بعضها فى غزة والبعض الآخر فى مصر خلال رحلتهم للتعافى والعلاج مما لحق بهم من إصابات فى غزة جراء ممارسات قوات الاحتلال الغاشم.
اللوحات كانت ضمن معرض «غزة.. لون وفلك وبعث»، الذى افتتحه عماد حمدان وزير الثقافة الفلسطيني، ونظمته سفارة دولة فلسطين بالقاهرة، بالتعاون مع «مركز ميرا لتنمية المهارات»، حيث تضمن المعرض لوحات فنية رسمها الأطفال القادمون من قطاع غزة، وذوى شهداء حرب الإبادة الجماعية.
معرض العلاج بالفن الذى نظمته السفارة لأطفال فلسطين ـ غزة، يعد ضمن مراحل علاج هؤلاء الأطفال بمبادرة أهلية لتطبيب نفوسهم وأرواحهم من هول ما شاهدوه وما عايشوه من خوف ورعب بين القصف والحرق والتدمير وفقدان ذويهم، حيث فقد عدد كبير منهم القدرة على النطق نتيجة الصدمات المتتالية. قال ناجى الناجى، المستشار الإعلامى والثقافى لسفارة فلسطين فى القاهرة: نصف هذه اللوحات رُسمت فى فلسطين بقطاع غزة، والنصف الآخر بعد القدوم إلى مصر، أى أن جزءًا منها ذاكرة حية لما عايشوه، والجزء الآخر ذاكرة مستعادة.
وأضاف «الناجى»: المكون الرئيس أو اللون الغالب على العدد الأكبر من هذه اللوحات كان اللون الأحمر والبرتقالى بدرجاتهما، تعبيرا عما تعرض له هؤلاء الأطفال وما شاهدوه من تدمير وحرق ودماء، وما عداها من ألوان فهى تعبر عن حالتهم النفسية الصعبة، بينما كانت محاولات دفعهم إلى التفاؤل تثمر عن أعمال محاطة بدوائر مظلمة محبطة، فكانت النار مكونا رئيسيا لبعض لوحاته، حيث لا مهرب منها، بينما جاء الأشخاص باللون الأسود كظلال منعكسة لهذه النار.
وتابع: من بين هذه المجموعة توجد لوحات لـ 3 فتيات صغيرات موهوبات للغاية، والدتهن هى فنانة تشكيلية اسمها «فايزة يوسف» التى استشهد زوجها والد الفتيات الثلاث، فعبرت كل واحدة منهن عما واجهته من معاناة بطريقتها، ثم اجتمعت الفتيات مع والدتهن فى لوحة واحدة بعنوان «أحلام» فجاءت صادمة، حيث تقف الفتيات الثلاث مع والدتهن وسط الركام والحطام، بينما تنعكس ظلالهن جميعا داخل حفرة من النيران، فهكذا يشعر أطفال غزة.
وأكمل «المستشار الإعلامى والثقافى لسفارة فلسطين فى القاهرة»: الجزء الآخر من اللوحات، يفترض أنها تعبر عن مساحات الأمل لدى الأطفال، تحت إشراف مجموعة من المتخصصين بقيادة السيدة «وجدان دياب» التابعين لأكاديمية «ميرا» ضمن مشروع «علاج بالفن»، وكنت حريصا على سؤال الأهالى والمشرفين على علاج الأطفال: هل يوجد أى نوع من التوجيه لهم؟ فأكدوا أن هذا لم يحدث، خصوصا أن اللوحات غلبت عليها فكرة «المصير الجمعى» والتكاتف.
واستطرد: الجانب الآخر، أنهم عندما حاولوا التفاؤل ورسم لوحات تعبر ذلك مثلما فعل الطفل «يوسف الغرابلى»، فإن الشمس جاءت فى رسمته باللون الرمادى، كما أنه فى لوحة أخرى وظف صورة فوتوغرافية لبيته قبل التدمير، معبرا عما لحق به من قصف قوات الاحتلال بتكوين فنى يجسد المشهد بصورة واقعية، أما الطفلة «مسك»، فهى فتاة موهوبة للغاية رغم صغرها، فجاء الأمل لديها دائرة من الضوء فى نهاية دوائر مظلمة ما يعبر عن حقيقة الواقع.
وأوضح «ناجى الناجى»: بالنسبة لأصغر هؤلاء الأطفال وهو سليمان الغرابلى، فرغم أنه لا يجيد الرسم لكنه اتفق مع باقى الأطفال فى التعبير أيضًا عما عايشه من تجربة مؤلمة بها دم وحرائق باستخدام اللونين الأحمر والبرتقالى، وحتى من رسموا علم فلسطين، فإنهم رسموه يقطر دما مثلما فعل كريم الغرابلى.
وقال: الطفلة «ريتال عيد» عبرت عن أسرتها التى فقدتها وهم إخوتها: ريم ورزان وإسماعيل ووالدها بهذه اللوحة، متخيلة أنهم فى الجنة، بينما حاول المدربون تحفيز الطفل عبدالسلام الغرابلى على الرسم، فلم يكن بمقدوره الرسم، فقالوا له: تخيل بيتك، فلما تخيله كانت الدبابة التابعة لقوات الاحتلال الرابضة أمام بيته هى «المشهد الحاضر» فى ذاكرته، حيث ملأت عليه الأفق ولم يشاهد غيرها طيلة 3 أسابيع.
وأضاف «المستشار الإعلامى والثقافى لسفارة فلسطين فى القاهرة»: فى حين رسمت «رفيف فلفل» منزلها الذى كان يطل على البحر مباشرة بعد إلحاح من المدربين، أما «مصطفى الغرابلى» فرسم خيام الإيواء التى كان يقيم فيها قبل الخروج من غزة، وبعدما أنهاها سألنا: حلوة اللوحة مش هيك؟ فقلنا: آه حلوة؟ فرد: لكن إنتو مش متخيلين كيف إحساسنا وإحنا جواها، كان إحساس مرعب!
واختتم «ناجى الناجى»: كل هؤلاء الأطفال غالبيتهم لا يتكلمون، فكانت لوحات هذا المعرض هى محاولة لاستنطاقهم من خلال الرسم أو الأعمال الفنية والأدبية الأخرى، من خلال مبادرتين، الأولى «علاج بالفن» والثانية «العلاج بالأدب».
يذكر أن عماد حمدان وزير الثقافة الفلسطيني، وأحمد أبو هولى رئيس دائرة شئون اللاجئين وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ودياب اللوح ـ سفير دولة فلسطين فى مصر، وناجى الناجى المستشار الثقافي، سلموا شهادات تكريم للأطفال المشاركين فى المعرض، مثمنين جهود الأطفال وذويهم والسيدة وجدان دياب مديرة مركز ميرا؛ ومؤكدين استمرار دعم إبداعات أطفال فلسطين فى جميع القطاعات.