سيرة القبطان النبيل
طارق مرسى
قبل أن تنقل الصحف والمجلات الورقية والمواقع الإلكترونية خبر رحيل الممثل العملاق «نبيل الحلفاوى» فى 15 ديسمبر الحالى، انفجرت صفحات التواصل الاجتماعى وتصدّر اسمه محرك البحث الشهير «جوجل» ببرقيات العزاء فى حسابات زملائه وأحبائه ومتابعيه، وتعددت رسائل الحب المحقونة بالحزن على رحيله بعد رحلة قصيرة مع المرض وتحول إلى «تريند» غطى على كل الأحداث مما يعكس قيمته الفنية وتأثير الأعمال التى شارك فيها والشخصيات التى جسّدها عبر مشواره الفنى .
المخرجان «خالد ووليد الحلفاوى» نجلا الراحل الكبير، نشرا خبر وفاته فى صفحته على «منصة X» التى كانت بمثابة وكالة أنباء وتحشد 7 ملايين متابع، كتبا فيها:
«مش القبطان اللى كاتب التويتة ديه للأسف.. إحنا ولاده وليد وخالد الحلفاوى.. الوالد ربنا استجاب لدعاه ولم يمر بعذاب طويل مع مرض وألم طويل، كان دائمًا بيدعى بكده وربنا ما خذلوش. شكرًا على كل الحب والدعاء».
من أبرز برقيات العزاء التى تلت إعلان وفاته خرجت من صفحة النجم المصرى العالمى «محمد صلاح» فيسبوك ذات الـ 16 مليون متابع ومحب، وقال: «البقاء لله فى وفاة الفنان المحترم نبيل الحلفاوى.. هتوحشنا يا قبطان»، وتفاعل معها 140 ألف متابع .
«قلب الأسد»
لقبُ «القبطان» ارتبط بالفنان الراحل فنيًا وإنسانيًا بعد دوره فى فيلم «الطريق إلى إيلات» وقياسًا على مواقفه وآرائه وتغريداته التى لا تعد ولا تحصى رغم قيامه بأدوار مؤثرة ولا تنسى أبرزها دور «نديم هاشم» أو «قلب الأسد» فى مسلسل «رأفت الهجان» الذى تولى تدريب «رأفت» فى الجزء الثانى من المسلسل، ومن قبل دوره «المعلا قانون» فى المسلسل الشهير «غوايش» والأدوار الثلاثة لا ترسم شهرته فقط بل تنوعه وتأثيره.
راجعوا شخصيات «ملك سدوم» فى المسلسل الدينى «محمد رسول الله» الجزء الأول و«عبدالله النديم» فى مسلسل «أمير الشعراء أحمد شوقى»، ووكيل النيابة فى فيلم «اغتيال مدرسة» وربيع رئيس المباحث فى فيلم «شبكة الموت»، والزعيم جمال عبدالناصر فى مسلسل «دموع صاحبة الجلالة»، ورفاعى فى مسلسل «زيزينيا» وعلى باشا ماهر فى مسلسل «الملك فاروق»، وياقوت فى مسلسل «ونوس» وحسن فى مسلسل «القاهرة كابول» وغيرها من الأدوار المتنوعة التى ترسم قوة شخصيته على الشاشة.
فنبيل الحلفاوى كان يختار الأدوار التى يجسدها بعناية، ولعل رواية اختياره لدور نديم هاشم فى مسلسل «رأفت الهجان» تؤكد ذلك، فعندما رشحه المخرج يحيى العلمى للمشاركة فى المسلسل طلب تجسيد هذا الدور تحديدًا بناء على قراءة الدور من الرواية الأصلية التى كتبها صالح مرسى، ولكنه صدم بعد تأكيد «العلمى» بأن الشخصية لن تظهر فى الجزء الأول، وقبل بداية تصوير الجزء الثانى قرأ نبيل الحلفاوى خبرًا عن مشاركة الفنان الراحل كرم مطاوع فى تقديم شخصية «نديم» وحينها اعتقد الحلفاوى أن الفرصة قد ضاعت عليه، لكنه بالتواصل مع المخرج يحيى العلمى، أخبره الأخير بأن الدور سيذهب إليه بعد اعتذار كرم مطاوع لانشغاله بأعمال أخرى، ليعود الدور الذى تمناه ليصبح «نديم هاشم» أحد أبرز الأدوار التى قدمها فى مسيرته الفنية.
ورغم ذلك التصق لقب القبطان به لمواقفه الإنسانية والفنية، والمفارقة أن اللقب يجمع ما بين الدورين، فهو فى الحالتين قبطان وقائد وقلب الأسد لقوته على الشاشة وآرائه الجريئة خارجها.
الأهلى وبَس
كان نبيل الحلفاوى عاشقًا للكرة ومحبًا ومتابعًا وفخورًا بمعجزات نجم مصر الأول محمد صلاح مع ليفربول كما كان خط الدفاع الأول للأهلى ولم يترك مباراة أو حدثًا للأهلى إلا وترك انطباعه عنه ورأيه فيه، وتميز الحلفاوى برؤية كروية تنحاز كثيرًا للأهلى فائزًا أو مهزومًا «ولا أحسن ناقد أهلاوى رياضى»، وكانت آخر محطاته السعيدة مع الأهلى هى متابعة قرعة جدول بطولة كأس العالم الذى سيقام فى أمريكا العام القادم، واعتبر لقاء فريق الساحر ميسى «إنتر ميامى» مع الأهلى فى افتتاح البطولة حدثًا تاريخيًا، لكن القدر شاء أن يحرم حامل شعار «ولا حد غيره يفرحنى» من هذا الحلم الكروى الكبير.
وحرصت الكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول، أرملة الكاتب المسرحى والسيناريست الكبير لينين الرملى، على نعى الفنان الكبير ونشرت رسالة مؤثرة عبر حسابها الرسمى «فيس بوك»، قالت فيها: «ماذا لو كسبت العالم وخسرت نفسك، شعار النبيل منذ أن كنا شباب صغير، كان نوارة دفعتنا على قسم التمثيل، أحب مهنته واحترمها وأخلص لها، وأخلص فى كل ما يقوم به فى حياته، عاش بقناعاته وبمبادئه ولم يهادن أبدًا، توأم روح لينين الرملى وعم أولادى، وصديقى وأخويا الغالى».
دفعة نبيل الحلفاوى فى معهد الفنون المسرحية عام 1970 ضمت أسماء مهمة فى تاريخ الفن منهم: محمد صبحى ويسرى مصطفى وسامى فهمى ولطفى لبيب، وجمعتهم صورة شهيرة مع أستاذهم فى المعهد جلال الشرقاوى، واحتفظ كل هؤلاء بعلاقات متينة ولم يفرق بينهم إلا القدر، بالإضافة إلى علاقاته القوية مع الوسط الإعلامى وفى مقدمتهم الإعلامى محمود سعد.
وصية ونعى
القبطان النبيل «نبيل الحلفاوى» كان متعدد النشاط الابداعى، فقد كان ممثلاً فذًا وناقدًا كرويًا وأيضًا شاعرًا، ففى عام 1987 كتب قصيدة فريدة من نوعها فى ديوان شعرى، أهداه إلى زوجته «نادية»، وابنيه «خالد»، و«وليد»، وضم الديوان 14 قصيدة، منها حادى بادى، وسندريلا، نهاية رحلة الأحزان، اعتذار على شاعر بنى عامر، دموع المسرح، واحتوت وصيته بعد رحيله ضمت أسماء كل زملائه وأحبائه من الرجال ووضع فيها بروتوكول نعيه ويبدو فيها متأثرًا بشخصيته الصعيدية الشهيرة «المعلا قانون» فى مسلسل «غوايش» التى قدمها قبل عام من كتابة القصيدة، وقال فيها:
«فى نعيى ما تكتبوش أسامى القرايب
فى نعيى لازم تنكتب أسامى الصحاب
وصيغة الكلام بدون النظام وحسب الميزان مش حسب المحبة، حتبقى كده:
صديق كل من: السعدنى والصحن ولينين
فرغلى والدكتور أمين.. سامى ومرعى وأحمد ياسين
يحيى وحمدى وعبدالله غيث.. سامح وشامخ وعلوة وأديب
سيدهم وكيمو وسناء والطاهر بهاء
أحمد وحودة وعِماد.. محمد ودوحة ورِياض
أشرف وشاكر وطلعت.. عزت ومدحت وبهجت
حسين وسمرة وجلجل غنيم.. شريف وعادل وعز وكريم
هشام وخضر وجمال.. أحمد كمال منه حمايا ومنه صديق
محمد وفيق وعبده كمان قبل ما أناسبه بزمان
أسامة عكاشة ومحسن وحفـظ.. هادى وصبحى ولطفى وشعب.. روقه ورستم وزيـزو ودفـر.. عوض وزيكا ونور الشريف
عمر وأردش وهانى مطاوع.. حجازى اللى سابنا ف عز الشباب.. سيد خميس وسيد حجاب حتى ابنى وأبويا وخالى وأخويا ييجوا فى نعيى ضمن الصحاب
ولجل المناسبة ولجل العادات ما قلتش فى نعيىصحـابى البنـات».
وقبل الانتهاء من كتابة هذه الشهادات ورسم كل هذه الدموع فى العيون الجميلة من أصدقائه وصلنى على هاتفى الأشعار الآتية من صفحة نبيل الحلفاوى على x كتبها نجلاه وقالا:
القبطان كان دائمًا لما بيلاقى منكم الدعم والحب، كان بيقول «يعجز الكلام عن الشكر على المحبة والدعم» هو أكيد دلوقتى عايز يشكركم على الكم الهائل من الحب والدعوات، واحنا أسرته عاجزين عن التعبير عن الشكر».. بينما عَلق أحد متابعيه بما يشبه وصية أحبائه كتب فيها: لو لينا طلب من أسرة القبطان أتمنى عدم غلق حسابه.. كلامه يفضل موجود.
نتونس بيه من وقت للتانى ونفتكره.. رجاء منى وافتكر ناس كتير عندهم نفس الطلب، ونحن الموقعين أعلاه أضم صوتى لصوتهم.. رحم الله القبطان النبيل «نبيل الحلفاوى».