الخميس 20 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

جودة التعليم الجامعى.. ثقافة «مش تزبيط ورق»

هل التعليم الجامعى رفاهية أم وجاهة اجتماعية أم هو مجرد اعتياد لا نملك جرأة الإفلات منه؟



يبدو السؤال غريبًا، لكنه أصبح ضرورة، خاصة فى ظل أجيال جديدة زادت فيها نبرات أن التعليم الجامعى لم يعد ضرورة ويمكن الاستغناء عنه أو استبداله بمهارات تكتسب من الكورسات والمحاضرات «الأون لاين». 

 

يقول البعض إن الأهم هو أن يكون ذلك التعليم متمتعًا بالجودة! فما هى جودة التعليم العالى إذًا؟ هل هى جودة مناهج؟ هل هى ارتقاء مستوى أعضاء هيئة التدريس؟ هل هى فخامة منشآت تعليمية؟

 

الحقيقة أن التعريف الحقيقى لجودة التعليم أن يصبح ثقافة ومنهجا مستداما وليس تطورًا وقتيًا، وأن المعيار الحقيقى لجودة التعليم هو ذلك الأثر الذى يتجلى فى جودة «البنى آدم».. أى بوجود نهضة حقيقية للكائن البشرى «طالبًا ومعلمًا وصانع قرار ومسئولا» فهم جميعًا يمثلون المجتمع الإنسانى. 

الحقيقة أن فلسفة الجامعة هى كل ما سبق، ويزيد عليها أنها المكان الذى يتيح للطالب أن ينمو ويتطور «إنسانيًا قبل معرفيًا».

كان ذلك هو الإطار العام بل الهدف الذى انعقدت من أجله ورشة عمل مهمة بعنوان «تحقيق الاعتماد فى مؤسسات التعليم العالى» التى قامت بتنظيمها خدمة التبادل الأكاديمى الألمانية، وذلك تماشيًا مع الأهداف التى تسعى إليها منذ إنشائها فى مصر عام 1960 بموجب الاتفاق الثقافى الألمانى المصرى.

تم تنظيم هذا الحدث من قبل المكتب فى القاهرة بالتعاون مع «الحوار حول استراتيجيات التعليم العالى المبتكرة ومؤتمر رؤساء الجامعات الألمانية».

جمعت الورشة مجموعة متميزة من المدربين الخبراء من كل من ألمانيا ومصر، إلى جانب العديد من العمداء ورؤساء الجامعات ورؤساء أقسام ضمان الجودة من مختلف الجامعات الحكومية والخاصة فى مصر.

الهدف الرئيسى من الورشة كان تسهيل تبادل الخبرات وتعزيز الحوار الفعال، مما يؤدى فى النهاية إلى وضع خارطة طريق لتحسين جودة التعليم العام كما يهدف إلى مساعدة الجامعات فى دول الجنوب العالمى من خلال تعزيز إدارتها المؤسسية، وتوافق عروضها التعليمية مع المعايير الدولية للجودة.

ومعنى الجودة وفقًا للمفاهيم الدولية هى التحقق من أن المعايير الأكاديمية والمؤسسية المتوافقة مع رسالة المؤسسة التعليمية قد تم تحديدها وتعريفها وتحقيقها على النحو الذى يتوافق مع المعايير المناظرة لها سواء على المستوى القومى أو العالمى، وذلك يتحقق بالاعتراف الذى تمنحه الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد للمؤسسة التعليمية إذا تمكنت من إثبات أن لديها القدرة المؤسسية، وتحقق الفاعلية التعليمية وفقًا للمعايير القياسية الأكاديمية القومية.

الأستاذة الدكتورة يوهانسين يوسف عيد، عميدة جامعة النيل الدولية والمدير السابق للهيئة الوطنية لضمان جودة التعليم والاعتماد (نقاء)، عززت الورشة بشكل كبير من خلال تقديم معلومات قيمة ومناقشة الدور الحيوى للتعاون الدولى فى تقدم التعليم.

وأشارت إلى أنه يجب عدم مقارنة الأنظمة التعليمية بشكل مباشر، بل تحليلها للبحث عن فرص لتحسين الأطر المختلفة فى عرضها، وأوضحت دور الهيئة (نقاء) فى اعتماد مؤسسات التعليم العالى فى مصر، مشددة على مزايا الاعتماد المحلى.

أشارت الأستاذة الدكتورة يوهانسين إلى أن أحد الأهداف الرئيسية للورشة هو تشجيع التبادل بين المشاركين، مما يسمح لهم بمشاركة آرائهم وأسئلتهم، وأشارت إلى أهمية تطوير ثقافة تركز على المبادئ الأساسية لمعايير ضمان الجودة داخل مؤسساتنا الأكاديمية، بدلًا من التركيز فقط على «ترتيب الأوراق والملفات بشكل ظاهرى».

أوضحت أنه للحصول على الموافقة على الاعتماد، من الضرورى الإجابة على ثلاثة أسئلة أساسية: لماذا يجب أن نسعى للحصول على الاعتماد المحلى أو الوطنى؟ ما هى مزايا ونتائج الاعتماد المحلى؟ كيف يمكننا الاستعداد بشكل كافٍ لتلبية المعايير المطلوبة؟ 

كانت تؤكد باستمرار أن اعتماد ضمان الجودة لا بد أن يكون تنفيذه عمليًا، طويل الأمد وذلك لتعزيز النظام التعليمى.

كما قدمت الأستاذة الدكتورة سوزان هاريس-هيمرت من جامعة لودفيجسبرج عدة أوراق عمل مهمة، وبدأت محاضرتها بسؤال للعصف الذهنى: «لماذا يعد التعليم الجامعى مهمًا؟» كانت الإجابات المتنوعة من المشاركين هى أساس المناقشات خلال ورشة العمل. 

لخصت الآراء فى جملة بسيطة وعميقة قائلة: «التعليم العالى هو ثروة ثقافية غنية تمكّن من التنمية الشخصية وتعزز التغيير الاقتصادى والتكنولوجى والاجتماعى، كما تعزز تبادل المعرفة والبحث والابتكار وتزود الطلاب بالمهارات اللازمة لمواجهة أسواق العمل المتغيرة باستمرار».

استكشفت الدكتورة هاريس-هيمرت العديد من المواضيع مع الحضور، بما فى ذلك التحديات التى تواجهها الجامعات فى إنشاء أنظمة إدارة الجودة الفعالة مثل: «فقدان الثقة فى الجودة»، بالإضافة إلى التحديات الإدارية حيث كان هناك فجوة واضحة بين أعضاء هيئة التدريس والإدارة، حيث كان الأساتذة يشعرون بالضغط من الإدارة.

ومن التحديات أيضًا تغييرات القيادة فعلى سبيل المثال يتم تعيين نائب رئيس جديد دون مناقشة مسبقة، مما يؤدى إلى عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات.

الدروس المستفادة

قدمت الدكتورة هاريس-هيمرت رؤى قيمة حول الدروس المستفادة من تجارب الاعتماد فى مختلف الجامعات فى عرضها بعنوان «أهمية تمثيل الطلاب فى عملية الاعتماد والحاجة إلى تمثيل حقيقى، وليس مجرد تمثيل رمزى».

 أثار هذا الموضوع نقاشات مهمة بين الحضور. لإقامة اتصال قوى بين جميع الأطراف المشاركة فى العملية التعليمية سواء من الطلاب، وأعضاء هيئة التدريس وكذلك الإداريين.

فى إطار هذه المناقشة الجدلية تطرقت إحدى الأستاذات المشاركات بسؤال قائلة: أليس من المفترض إرجاء مهمة الطلاب فى المشاركة فى تقييم معايير ضمان الجودة حيث إنهم ما زالوا صغارًا وغير قادرين على صنع القرار!!

قوبل هذا السؤال بمعارضة شديدة من الحاضرين خاصة الأستاذة الدكتورة يوهانسين عيد التى تدخلت قائلة: «للأسف الشديد إن كانت نظرتنا نحن – الأساتذة- تجاه طلابنا أنهم غير مؤهلين بتحمل المسئولية فهذا يؤكد أننا المسئولون عن هذا القصور بل نحن المتسببون فيه، لأن أهم أدوار الأساتذة هى تدريب ودعم الطلاب ليس أكاديميًا فحسب بل إعدادهم واكتشاف قدراتهم وتعزيزها نحو صنع القرار ونحو الاستقلالية وإدارة الأزمات والاختلاف والاعتراض وتقديم البدائل، أن ندربهم على النقد الذاتى والتخطيط والابتكار.. هذا كله جزء من مسئولياتنا. 

أفردت الورشة لهذا المحور الخاص بالطلاب وتقييمهم داخل المؤسسات التعليمية مجالًا كبيرًا من أوراق العمل والمداخلات، وكان للأستاذ الدكتور أحمد حسنى رضوان أستاذ العمارة بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان والوكيل الأسبق للدراسات العليا والبحوث وهو عميد كلية الفنون والتصميم لجامعة السويدى للتكنولوجيا رأيًا مهمًا فيما يتعلق بطريقة تقييم الطلاب فى الجامعة قائلًا: «دعينا نتفق أنه من المفترض عدم وجود آلية واحدة لتقييم الطلاب لأن كل تخصص يختلف عن الآخر بل إنه داخل التخصص الواحد مقررات وأقسام مختلفة تختلف آلية تقييمها عن الأخرى». 

 

 

 

أكمل: «بمعنى أن التخصص النظرى يختلف فى تقييمه عن التخصص الذى يعتمد على البحث والمشروعات والأعمال خلال السنة كما أن الامتحان النهائى أو منتصف العام لا يصح أن يكون هو المعيار الأساسى لتقييم الطالب لأنه من الممكن أن يكون الطالب مجتهدًا خلال العام كله ثم يحدث له ظرف استثنائى أو مشكلة تمنعه من الأداء الجيد لامتحان آخر العام فكيف نظلم الطالب بأن تخصص النسبة الأكبر للامتحان النهائى والتغافل عن مجهوده طوال العام؟ كما أن آليات التعليم اختلفت والعالم ينتقل من مرحلة «التعليم» إلى مرحلة «التعلم» فهذا يعنى أن جزءا أساسيا من التقييم هو أن يتدرب الطالب على حل مشكلة ما، أن يكون لديه موضوعية النقد، أن يفكر بشكل تحليلى، ولكى نكون صريحين، علينا أن نعترف أن هذا هو الهدف الأساسى من الجامعة ولكن من الصعب تحقيقه بشكل مثالى فى ظل الأعداد الكبيرة من الطلاب، وفى ظل وقت محدود فالسنوات الأربع أو الخمس أثناء التعليم الجامعى ليست كافية لإعداد الطالب بكل هذه المهارات ولكن على الأقل علينا أن نتبنى فلسفة تنمية مهارات الطالب ومع الوقت هذا سينعكس على أدائه التعليمى بلا شك. 

«الزمن تغير، لم يعد التقييم هو الامتحان النهائى فهناك بعض الامتحانات قائمة على فكرة أن يدخل الطالب الامتحان ومعه الكتاب».

ويواصل الدكتور أحمد حسنى رضوان رأيه فى معايير تقييم الطالب الجامعى قائلًا: نحن فى عصر الذكاء الاصطناعى فليس من المنطق أن أتوقع طالبًا يحفظ المنهج كدليل على اجتهاده، بل العكس تمامًا، الأفضل هو تحفيز الطالب وتدريبه على البحث والاستنتاج والابتكار، فمثلًا أنا كأستاذ جامعى تعلمت البحث وأنا أحضر للماجستير فالأفضل لطالب هذه الأيام أن يعرف ويتعلم فكرة البحث والتحليل والاستخلاص بمعطيات هذا العصر وهذه هى الممارسة الإيجابية للتعليم التى نحتاجها. 

يكمل: «أنا كأستاذ وكعميد كلية، لا أتوقف عن التعلم وهذا هو سبب حضورى لهذه الورشة وهو أننى لا أبحث عن مجرد أوراق اعتماد بل الحصول على آليات وفكر الجودة الحقيقية وليست الجودة الورقية، وجئت إلى هنا لمعرفة معايير ضمان الجودة لتحقيق الاعتماد الدولى وليس المحلى وذلك إيمانًا منى بأنى أريد أن أحقق للمؤسسة التعليمية التى أعمل بها جودة تنعكس على الطالب وعلى مهاراته التى ستخدم يومًا ما السوق المحلية والذى يبحث عن معايير دولية فى العمل، لذلك علينا أن ننتبه لفكرة تخريج طالب مصرى درس فى مؤسسة تعليمية مصرية قادر على مواكبة السوق الدولية والعالمية قبل المحلية.

كل هذا من واقع تجربتى كأستاذ كان شاهدًا على سفر العديد من طلابه الأكفاء إلى الخارج، لذلك علينا أن نعد طالبًا قادرًا على المنافسة الدولية ولكن داخل بلاده، أو أنه يسافر ويكون قادرًا على المنافسة بل تطوير أدواته ومهاراته ويعود إلى بلده، كل هذا يصب نحو تعزيز اقتصاد قومى، الاستثمار فى «البنى آدمين» هو أفضل وسيلة لنمو وتطور اقتصاد البلاد».

أكمل: «من ناحية أخرى، يأتينا طلاب كثيرون من دول مختلفة للدراسة فى جامعات خاصة مصرية، عندما تحقق هذه الجامعات معايير جودة دولية، سينعكس هذا على الطالب الذى سيكون سفيرًا لجامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية المصرية فى بلاده بعد التخرج، وهذا ما نريده، المكسب سيعم على جميع الأطراف طالب وأستاذ ومؤسسة تعليمية ومجتمع واقتصاد وطنى نحن فى أمس الحاجة إلى تطويره والنهوض به، وهذا يتطلب بعد نظر وتأسيس فكر حقيقى مرتبط بجودة حقيقية وليست مجرد «تستيف أوراق» للحصول على اعتمادات سواء محلية أو دولية. 

نحن نحتاج لبناء ثقافة وفكر ونظام يحقق الجودة ويعكسها على كل أطراف المنظومة التعليمية، بناء حقيقى غير مرتبط بأفراد عندما يغادرون مناصبهم تغادر معهم «الجودة أو السيستم».