وليد توفيق: ما بحبش النكد
حوار: رانيا الفقى
قبل أن يكون الفنان الكبير وليد توفيق «سوبر ستار» كانت الرحلة مليئة بالتحديات؛ بل كانت مَلحمة تمتزج فيها الأحلام بالصعوبات، والموهبة بالإصرار. من شوارع لبنان التى عايش فيها طفولة صعبة، إلى أنوار مصر التى احتضنت موهبته وجعلت اسمه يتردد فى كل بيت عربى.
ترك المَدرسة ليعمل كهربائيًا ويساعد والده، لكنه لم يترك حلمه يومًا. هاجر من وطنه الحبيب خلال سنوات الحرب؛ ليبدأ رحلته نحو النجومية وسط عواصف الحياة.
على مسارح الفن العربى، غنّى وليد للحب، للوطن، وللحياة، فأصبح صوته عنوانًا للفرح، وطلّته رمزًا للأناقة.
فى هذا الحوار، نقترب من الجانب الآخر من وليد توفيق، الرجل الذى اختار أن يجعل من موهبته رسالة أمل وسلام، ونكتشف أسرارًا جديدة عن مشواره الطويل، الذى جعل منه واحدًا من أيقونات الغناء العربى.. هنا نصه.
فى 2024 أثارت أغنية «كبرت البنوت» ضجة كبيرة.. فماذا عن كواليس التحضير لهذه الأغنية؟
- «كبرت البنوت» أغنية فيها كل الحب، ولفت انتباهى أستاذ جورج خباز وهو يغنيها بالصدفة، وهى من كلماته، وألحانه، وغناها بطريقته فى مسرحية، ومن هنا جذبتنى لأن أنا عندى بنت فقررت أغنيها، وعرضتُ على جورج ورحّب بالفكرة وغنيتها لأول مرة فى مصر فى زفاف ابن صديقى محسن جابر، وكنا نرتب لتصويرها لكن جاءت أحداث لبنان وأوقفت كل شغلى تضامنًا مع أهلى وناسى فى بيروت، وحاليًا إن شاء الله خلال أيام قليلة هنبدأ بفكرة جديدة وهننزلها، أمّا «كبرت البنوت» ففيها علاقة عاطفية بين الأب والبنت.
ما المعايير التى تقيس بناءً عليها نجاح أعمالك؟
- أحيانًا نبذل مجهود فى أغنية من كلمات وتوزيع وألحان ونتوقع أنها هتكسر الدنيا لكن بتكون نجاحها عادى، وأحيانًا هناك أغانى كثيرة غنيتها صدفة ونجحت بما يفوق توقعاتنا، مثلاً فى يوم قابلت شاعروأخذت منه كلمات ولحنتها لحن بسيط جدًا، وتوزيع بسيط، وغنيتها فى أمريكا وكسّرت الدنيا.
أغنيتك «ببعت السلام» لاقت إعجابًا كبيرًا من الجمهور.. هل يمكن أن تحدّثنا عن كواليس تحضيرها؟
- لاقت الأغنية صدًى إيجابيًا بين الجمهور العربى والمصرى بشكل خاص، اللحن مستوحى من الموسيقى التركية وجذب انتباهى منذ البداية، فتعاونت مع الشاعر المصرى هانى عبدالكريم لصياغة كلمات تُعَبر عن مشاعر الحب والشجن بأسلوب بسيط وقريب من القلب، وكان هدفى إمتاع الجمهور وإحياء ذكريات جميلة من خلال كلماتها وألحانها وكانت توزيع أكرم عادل.. الفكرة جاءت لمّا كنت فى السيارة مع أصدقائى واشتغل لحن اسمه دايال، جذبنى بطريقة غريبة وأجّلت التنفيذ سنة ورا سنة حتى ظهرت فى فكرة جديدة وقررت أنفذها، ولم أتوقع أن جمهورى يحبها بهذا الشكل، وطبعًا الجمهور أذواق والناس بتختلف، وبعدها جاءت أحداث فلسطين ولبنان، فتوقفت عن العمل، أنا كمان مرتبط أكثر بفيلم «من يطفئ النار؟» وكان أول فيلم لى ينجح كان متعلق بالجنوب اللبنانى، فدائمًا الأحداث تؤثر على مسيرة الأغنية.
أغنيتك الشهيرة «محلاها السمرا» لا تزال تحظى بشعبية كبيرة.. ما سر هذه الشعبية الطاغية رغم مرور كل هذه السنوات؟
- هذه الأغنية كسّرت الدنيا وجلبت ملايين المشاهدات، وكنت عامل فيها إعلانات كمان، وقتها كنت فى إذاعة فى الكويت وكان فيه حد قال كوبليه جزائرى، وسألته مين صاحبها؟ قالى: فولكلور، ومن هنا أخذت الجملة وكتبت عليها كلام مصرى، وكانت توزيع أخى توفيق، لكن بعد ما سجلتها حسيتها خفيفة وترددت لكن هو قالى «حط كايت الصوت وسيبهالى» ونجحت، وحتى يومنا هذا هى «نمبر وان» على المسرح وبغنيها كثيرًا.
أغنيتك «يا قلب حاجى تحن» تتناول مشاعر متناقضة.. كيف يمكنك أن تصف هذه المعادلة بين الحب والألم؟
- يعجبنى هذا السؤال «يا قلب حاجى تحن» لها حكاية كتبتها ولحنتها وعجبت جورج، ودمعت عينه كان هو هيغنيها، كمان كان نفسى أغنى أغنية اسمها «دار الزمان» لكن وقتها مرض جورج جدًا، دخلنا الاستوديو، وحاول يحط صوته على اللحن، حس إنه بيوصف مشكلته، وحياته، ولكن وقتها الأغنية لم تتسجل، وانتظرت أربع سنوات، وجربت صوتى عليها، ونزلت لكنها تعنى لى الكثير لأنها توصف مشاعر وفيها معانى مختلفة عن العمر، والأحباب اللى غابوا فى حياتنا، ولها موقع خاص فى الحياة، المعادلة بين الحب والألم؛ دائمًا الحب فيه سعادة وفيه ألم إذ استمر العاشقين تكون نهايته سعيدة ومفرحة، لكن إذا فرقتهم الحياة أو المواقف بيكون ألم غير طبيعى.
فى أغنية «دكتور فى الحب» تتحدث عن العواطف كعلاج.. هل ترى أن الموسيقى يمكن أن تكون علاجًا فعالاً فى مواجهة الألم العاطفى؟
- هذه الأغنية أيضًا لها حكاية، كثير من المطربين حطوا عينهم على «نقسم القمر» مثل جاد شويرى وزياد برجى صديقى وطلبها نغنيها ديو مع بعض، وبنات أصدقائى اقترحوا عليا نغنيها ديو، لغاية ما فضل المخرج جاد شويرى سنتين يناقشنى حتى اقتنعت أن نحط أغنية مع بعض مثل الأجانب مثلاً مقطع من « نقسم القمر» ويغنى هو شوية، واتعملت الأغنية الجمهور حبها جدًا، ونجحت نجاح غير متوقع، الموسيقى بالنسبة لى هى لغة القلب، وسيلة بنوصّل بيها مشاعرنا اللى ساعات الكلام ما يقدرش يُعبّر عنها. لما بقدم أغنية، بحاول أكون قريب من الناس؛ لأن الموسيقى مش بس ترفيه؛ هى كمان علاج، أوقات كتير لما بنكون متعبين عاطفيًا، الأغنية الصح تقدر تخفف من ألمنا وتدينا طاقة إيجابية، أنا مؤمن إن الفن ممكن يكون وسيلة للتعبير عن الألم بشكل راقٍ، وده بيظهر فى كل أعمالى، بأحرص دايمًا على إن الألحان والكلمات تكون بها لمسة دَفا لكل اللى بيسمعها.
كيف يختار وليد توفيق أغنياته؟
- الحقيقة أننى وصلت لمرحلة صعبة جدًا، غنيت كل الموضوعات التى من الممكن أن أقدمها، فأجد دائمًا صعوبة فى اختيار موضوع الأغنية، بالإضافة إلى التزامى بالكلمة الملتزمة، غير الخادشة للحياء، والتى أحرص على أن لا تكون مبتذلة، وللأسف السوشيال ميديا فتحت النوافذ السيئة «الهواء الأصفر» على الغناء العربى، ولكن ما زال لدينا أمل، طالما ما زال هناك من يسمعون وليد توفيق وكاظم الساهر وعمرو دياب وغيرهم من الأصوات المميزة، فلدينا أمل أننا نستطيع تقديم شىء جيد ومختلف.
من المعروف أن وليد توفيق دائمًا يسعى لتقديم تجارب غنائية جديدة.. فما هى الأغنية التى تُعتبر نقطة تحوُّل فى مسيرتك الفنية؟
- فى مسيرتى الفنية، كل أغنية كانت خطوة مهمة، لكن لو هتكلم عن نقطة التحول الكبيرة؛ فأكيد هى أغنية «انزل يا جميل»، الأغنية دى فتحت لى أبواب الشهرة على مصراعيها ووصّلتنى لكل بيت عربى، النجاح الكبير اللى حققته كان بسبب بساطتها وقربها من قلوب الناس، وفضلها لسّه معايا لحد النهاردة، وكل اللى غنيته فى حياتى بعتز به، ومبعرفش أفرّق بين أغنياتى، لكن من الأغانى اللى بعتز بها جدًا هى «وحدك حبيبى قمر الزمان» من ألحانى؛ لأنى قدرت أخرج من التوب الشعبى اللى اتعودت عليه فى أغنية «بهية، وأبوك مين» وأغانى فيها طرب خفيف، لكن «وحدك حبيبى» عجبت بليغ حمدى، وحلمى بكر، وملحم بركات، فهى لها مكانة خاصة بقلبى، والحقيقية إن جمهورى بيحبنى بنمط الفرح.
تُعَد من أهم المطربين فى أبناء جيلك.. إلى أى مدى راضٍ عن مشوارك؟
- راضٍ بشكل كبير جدًا على مشوارى الفنى الطويل الذى استمر نحو 48 عامًا، الطريق كان فيه بعض الصعوبات والعقبات، لكن الحمد لله تخطيت كل ذلك، وأهم شىء أن كل يوم تزداد محبة الناس لى، وهذا الشىء يجعلنى اجتهد وأُعطى أكثر وأكثر.
على مَرّ السنين قدمت العديد من الأنماط الموسيقية المختلفة.. هل لديك نوع معين من الموسيقى تفضله؟
- دايمًا بشوف نفسى باللون الغنائى للصباح، الحزين عندى قليل ولا أحب الكآبة، غنيت «صابرين، ومسيتك بالخير يا بحر» وغنيت كتير حزين، لكن الناس بتحب وليد توفيق فى «بنقسم القمر، بهية، أبوك مين يا صبية، انزل يا جميل على الساحة».
أصبحت تفضّل طرح أغانِ «سينجل» كل فترة بعيدًا عن الانشغال بتحضير ألبوم كامل الذى ما زال يتمسك به عدد من النجوم.. فما رأيك فى هذا الأمر؟
- منذ فترة طويلة أنادى بعدم صدور الأغانى على طريقة الألبوم، وهذا السبب يرجع إلى تفضيلى للأغنية السنجل، حتى تأخذ حقها بشكل كافٍ، كما أن هذا يجعل الناس تشتاق للمطرب أكثر وتكون فى انتظار باقى الأغانى، لذلك عندما انتهيت من ألبومى الجديد اتفقت مع الشركة المنتجة على طرح كل فترة أغنية واحدة فقط، وهذه فكرة جيدة وأنا معها ولست ضدها، لكن دائمًا أرى أن الأغنية السينجل هى الأساس، عندما كُنا نصنع ألبومًا غنائيًا، كانت هناك فرصة أن مطربًا جديدًا يجب أن يقدم أكثر من أغنية فى ألبوم واحد، حتى يتعرف الجمهور على قدراته وخامة صوته فى أكثر من لحن، ولكن كانت تنجح أغنية أو اثنتان من 12 أغنية؛ لأنه لا توجد مساحة بالسنة أكثر من أن لكل مطرب أغنية أو اثنين تنجحان.
رغم تجاربك التمثيلية الناجحة.. لماذا لم تستمر فيها.. وهل تفكر فى خوض التجربة مرة أخرى؟
- أحب السينما كثيرًا، وكانت تجربة جميلة ومميزة للناس؛ حيث قديمًا كان الكليب لا يصل إلى عدد كبير من الجمهور، لكن السينما تستطيع أن تصل إلى جميع الدول العربية، ومن أول ظهور لى فى برنامج «استوديو الفن»، والسينما خطفتنى وقدمت عدة أعمال سينمائية حققت نجاحًا كبيرًا، وكان أول عمل مصرى مع الفنانة نبيلة عبيد، ومثلت أكتر من 12 فيلم.
والسبب فى عدم استمرارى فى مجال التمثيل، هو أن الأفلام التى تُعرض عليّ جميعها تجارية وهذا ليس هدفى فى السينما، لكن إذا وجدت السيناريو الذى سيضيف إلى مشوارى الفنى لن أتأخر أبدًا، لكن يكون مناسب لعمرى وسأوديه بكل حب، فأنا لم أعد أقدر على لعب شخصيات شابة.
من الفنان المصرى أو العربى الذى تحب أن تقدم دويتو غنائى معه؟
- أى صوت حلو ويتناسب مع الأغنية اللى بقدمها، لكن عمرى ما سعيت أن أعمل ديو مع حد، وأعترف إن ده غلط منّى، لكن اشتغلت مع كل نجوم السينما، وعمرى ما استغليت نجمة من اللى اشتغلت معى عشان أعمل معها فيديو، فلازم «الديو» يكون صوته مناسب الأغنية شكلاً ومضمونًا وشخصية.
ما تعليقك على استخدام الذكاء الاصطناعى فى إعادة المطربين الكبار أمثال أم كلثوم وغيرها من نجوم الطرب؟
- سمعت عمّا قدمه الملحن عمرو مصطفى فى أغنية لأم كلثوم، تجربة مختلفة بالتأكيد، انبهرت بالتأكيد بما تصنعه التكنولوجيا، ولكن من وجهة نظرى أى شىء خارج عن ما خلقه الله عز وجل لا أحبه، عندما يجعلون أطفالاً صغيرة تتعامل بشكل أكبر من عمرها أجد ذلك تشويهًا لبراءة الأطفال، ما تفعله التكنولوجيا بهذا الشكل يلغى مذاق الأشياء الطبيعية فى حياتنا، فى فترة ما كان هناك برنامج يجعل صورة الشخص يتعرف على شكله وهو كبير، فكرة أن نسبق الزمن والحياة أمر لا أجده صحيّا إطلاقًا، للأسف نحن فى مشكلة كبيرة من فكرة أننا نرغب أن نسبق الزمن، وهذا يترتب عليه أننا نشوه كل ما هو طبيعى، بالتأكيد التطور التكنولوجى ساهم فى أشياء كثيرة نافعة للإنسان ولكن يجب أن لا يؤثر على طبيعته البشرية.
هل هناك أعمال تقوم بالتحضير لها فى الفترة المقبلة؟
- دائمًا عندى جديد، وكل أغنية بعلن عنها فى ميعادها.. انتظروا الجديد الفترة المقبلة إن شاء الله.