مؤشر صحة المصريين
تقرير: بسمة مصطفى عمر
فى عالم سريع التغير، أصبح التطور والتعليم المستمر، هو الركيزة الأساسية للتنافسية، كما أن الابتكار البشرى والتكنولوجى، يعزز من قدرة الدول على مواجهة التحديات، كما يحدث الآن فى خدمات الرعاية الصحية.
فمعايير الاعتماد الصحية ليست لوائح ونصوصًا فقط، ولكنها انعكاس لرؤية عالمية، تسعى لضمان أمان وسلامة المرضى، حيث تتداخل وتندمج التكنولوجيا، والخبرة البشرية، والمعايير الدولية، فى نسيج واحد، يهدف إلى تقديم خدمة طبية دقيقة وآمنة وغاية هذه الرحلة هى تطوير المنشآت والأجهزة الطبية، وتأهيل الكوادر البشرية، لبناء مستقبل صحى متكامل.
تنظم مصر وتشارك فى عدد من المؤتمرات والمحافل الدولية، بهدف تبادل الخبرات، فى مجالات تجهيز المستشفيات ومعامل التحاليل ومراكز الأشعة والأسنان، وجميع مفاصل المنظومة الصحية، وذلك للاطلاع على كل ما هو جديد فى العالم، ويشارك فى هذه المحافل، جميع شركاء المنظومة الصحية المصرية والعربية والشرق أوسطية، سواء كانت حكومات أو منظمات صحية أو مجتمعًا مدنيًا أو شركات.
وتعمل مصر من خلالها على استقطاب جميع التقنيات الحديثة، والاطلاع على التكنولوجيات المختلفة، وتدريب الكوادر البشرية العاملة فى المهن الطبية على هامش الفعاليات الدولية بهدف الارتقاء بالمنظومة الصحية، سواء كانت بنية تحتية أو كوادر بشرية، لخدمة المريض المصرى، ومواكبة العالم فى تطوراته المختلفة.
نسخة جديدة
فى تصريحات خاصة لمجلة «صباح الخير»، أكد الدكتور أحمد طه، رئيس هيئة الاعتماد والرقابة الصحية أنه وفقًا للاعتماد الدولى الممنوح من الجمعية الدولية لجودة الرعاية الصحية «الإسكوا»، يجب تحديث المعايير كل 4 سنوات.
موضحًا أن ذلك يتم من خلال جمع البيانات، من جميع المنشآت الصحية التى قامت بتطبيق معايير الاعتماد، بالإضافة إلى تقييم المقيمين التابعين لهيئة الاعتماد، والخبراء، وتتشكل لجنة موسعة لمراجعة المعايير، حيث يتم فحص ما إذا كانت تحتاج إلى مزيد من الإيضاح، أو إلى صياغة جديدة، أو تعديل فى قوتها، سواء بالزيادة أو النقصان.
وتم بالفعل تحديث هذه المعايير، مما أسفر عن إصدار نسخة جديدة لمعايير المستشفيات والتى تعتبر جزءًا من مجموعة من الإصدارات المقررة، وسوف تقدم هذه المعايير للجمعية الدولية للحصول على الاعتماد الثانى والتى تختص بمعايير المستشفيات، وسوف يتم تطبيقها فى مارس 2025.
وأشار الدكتور طه، إلى أن المعايير الجديدة طرحت عبر شبكة الإنترنت لمدة 3 أشهر، مما يتيح للمنشآت الصحية التأهل وفقًا لهذه المعايير، ولفت إلى أن العديد من المنشآت الصحية أبدت قبولًا لهذه النسخة، مؤكدًا أن النسخة الأولى من المعايير كانت بحاجة إلى مزيد من التوضيح والتفسير، وهو ما تم تحقيقه فى النسخة الجديدة حيث أُدرجت أدلة التوافق بشكل أوضح.
وأكد الدكتور أحمد طه، على تطبيق التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعى والتى لم تكن موجودة سابقًا، مثل التطبيب عن بعد وملفات المرضى الإلكترونية، هذه العناصر الجديدة تتطلب تقييمًا ورؤية مختلفة، تهدف إلى تعزيز سلامة وأمان المرضى.
وأشار إلى أن المنشآت الصحية التى حصلت على الاعتماد وفق النسخة القديمة ستظل كما هى، بينما ستطبق المعايير الجديدة على المنشآت التى لم يتم اعتمادها والتى ستتقدم بعد هذا التاريخ، لذلك يجب على المنشآت التى لم تحصل على الاعتماد أن تستعد لتلبية المعايير الجديدة.
وفيما يتعلق بالأجهزة والتكنولوجيا الطبية، أوضح الدكتور أحمد طه، أن الهدف الرئيسى من التجهيزات الطبية الحديثة، هو تقديم خدمة طبية أكثر سهولة ودقة وفعالية، وأكد على أن هذه الأهداف تتماشى مع أهداف الابتكار والجودة، مما يعود بالنفع على المريض، وأشار إلى إعداد «دليل قومى للتجهيزات الطبية»، بالتنسيق مع جميع الأطراف المعنية، بما فى ذلك وزارة الصحة والسكان، وهيئة الشراء الموحد، بالإضافة إلى خبراء آخرين فى الهندسة الطبية، بهدف تقديم دليل واضح للمنشآت الصحية، حول التجهيزات الطبية المثلى، وتحديد الحد الأدنى والأقصى للجودة والمعايير العالمية.
وقال: إن تطبيق معايير الجودة يتم بحزم ودقة على أى منشأة صحية، سواء كانت حكومية أو خاصة، مؤكدًا أن المواطن هو المستفيد من الخدمة، كما أبرز أهمية تحقيق العدالة فى النظام الصحى الجديد، حيث يحق للمواطن الذهاب إلى أى منشأة طبية يختارها، ويجب على هذه المنشآت أن تتنافس لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين.
وقال: لا يمكن أن تتم أى منظومة صحية حاليًا دون التحول الرقمى، حيث يتلقى المواطن، وفق النظام الجديد من 70 إلى 80 % من الخدمة فى وحدة رعاية أساسية، وعندما يحتاج تحويلًا إلى المستشفى، يتم ذلك إلكترونيًا، وحتى داخل المنشأة الصحية، يتم إنشاء سجل إلكترونى لكل مريض، وتتحول الروشتة العلاجية من الطبيب إلى الصيدلية إلكترونيًا لصرف الأدوية المطلوبة.
الهدف من هذا النظام هو تقليل الأخطاء الطبية، مثل صرف جرعة خاطئة أو علاج غير مناسب للحالة، ونوه إلى أن المعايير الصحية، تؤكد على جودة الخدمة، مما يعنى أخطاء طبية أقل وحسن استخدام وإدارة الموارد المتاحة، والاستخدام الأمثل للتكنولوجيا الطبية.
وقال أحمد طه: هناك تنسيق تام مع منظمة الصحة العالمية فى جميع المجالات، حيث تعتبر المنظمة شريكًا أساسيًا، وأفاد بوجود مشروع كبير يسمى «مؤشر صحة مصر»، الذى يقيس تأثير الاعتماد، وتطبيق معايير الجودة على القطاع الصحى، ويهدف المشروع إلى معرفة ما إذا كانت المعايير المعتمدة، تؤدى إلى تقديم خدمة أفضل، وتقلل المخاطر، ومكافحة العدوى داخل المستشفيات، والتقليل من التلوث الجراحى، والأخطاء الطبية، وتحسين إدارة الأدوية، والتخلص من النفايات الطبية الخطرة، جميع هذه المعايير تتم مراقبتها فى المنشآت الصحية، ويعتبر وجود نسبة من الأخطاء أمرًا طبيعيًا، ولكنها تبقى بسيطة، حيث قلت من 90 إلى 40 %، والهدف الوصول إلى صفر أخطاء طبية.
الطب الشخصى
من جانبها أشارت الدكتورة علا عزت، مدير مركز التميز البحثى والتدريب لتكنولوجيا الخلايا الجذعية والمواد الحيوية بكلية طب الأسنان جامعة عين شمس، إلى وجود علاقة وثيقة بين الخلايا الجذعية والأمراض الوراثية، وخاصة فى مجال الطب الشخصى، وما يتعلق بتطوير المنظومة الصحية فى مصر.
وأوضحت أن الخلايا الجذعية لها تطبيقات مهمة، فى معالجة الأمراض الوراثية، ويتم الآن التوجه نحو «التطبيب الشخصي»، حيث تستخدم البصمة الوراثية لكل فرد، لتحديد العلاج المناسب بشكل خاص، عبر تقنيات وأجهزة حديثة تسهل وتسرع من عملية الفحص والعلاج.
ويمكن الاحتفاظ بالأجزاء البسيطة المستأصلة من داخل الفم، لتعويض بنك الخلايا الجذعية، حيث يمكن استخلاص ملايين الخلايا، لتعويض الأنسجة التالفة أو المفقودة، وقالت إنه يوجد 13 مصدرًا للخلايا الجذعية فى منطقة الأسنان والأنسجة المحيطة، يمكن الاحتفاظ بأجزاء منها لعلاج نفس الشخص بالخلايا الجذعية المنتجة منه مستقبلاً.
وأكدت «عزت» على تدريب الفريق الطبى على تقنيات استخراج هذه الخلايا واستخدامها فى العلاج، وضرورة الحفاظ على الأنسجة، عبر تقنيات وأجهزة لعزل هذه الخلايا.
وقالت إنه على الرغم من عدم وجود شراكة رسمية حاليًا بين كلية طب أسنان ومركز الجينوم المصرى، فإن هناك تعاونًا فى تطبيقات الخلايا الجذعية لعلاج الأمراض الوراثية، مما يدعم الاتجاه نحو تقديم رعاية صحية فردية لكل شخص.
كفاءات تنافسية
فى سياق آخر، أكدت الدكتورة مى العسال، مدير الإدارة العامة للتعليم الفنى الصحى بوزارة الصحة، على سعى الوزارة لتطوير التعليم الفنى الصحى، بشكل مكثف، من خلال تدشين برامج تدريبية حديثة، بالتعاون مع نقابة العلوم الصحية، وجهات أخرى، لتأهيل الكوادر الفنية لتلبية احتياجات سوق العمل المحلية والإقليمية والدولية.
وأشارت إلى أن الوزارة بدأت فى تطبيق برامج تدريبية مبنية على الجدارات منذ عام تقريبًا، لتأهيل الفنيين فى مجالات متعددة، مع التركيز على سد الفجوة بين التعليم الفنى ومتطلبات سوق العمل فى القطاعين الحكومى والخاص.
ولفتت العسال، إلى أن الخريجين المصريين الفنيين، أثبتوا كفاءة عالية فى أسواق العمل الدولية، خاصة فى الدول الأوروبية، مشيرة إلى أن زيادة الطلب على الفنيين المصريين، يؤكد قدرتهم على المنافسة عالميًا، وقالت رغم هذا، فإنهم بحاجة إلى تحسين بعض المهارات، أبرزها إتقان اللغة الأجنبية.
ونوهت إلى بدء وزارة الصحة، فى تحديث المناهج التعليمية لتواكب المعايير الدولية، مع اعتماد برامج تدريبية تستهدف طلاب الامتياز لسد الفجوة بين التعليم النظرى ومتطلبات سوق العمل، مشيرة إلى أن تطوير التعليم الفنى الصحى، يتضمن دمج التكنولوجيا الحديثة، والذكاء الاصطناعى فى المناهج، خاصة فى تخصصات مثل الأشعة.
من جانبه أكد أحمد السيد الدبيكى، نقيب العلوم الصحية، سعى النقابة لتطوير وتأهيل الكوادر الفنية، فى مجالات متعددة من خلال تعزيز الشراكات والتعاون مع الجهات المعنية وذات الصلة.
وأضاف أن النقابة تركز على نشر ثقافة الاهتمام بالتدريب المستمر وتطوير المهارات، بما يعزز من كفاءة أبناء العلوم الصحية فى تلبية احتياجات سوق العمل المحلية والدولية، من خلال منح شهادات معتمدة. وأضاف أن هذه الشهادات جزء أساسى من تطوير مهارات الفنيين، لتلبية المعايير الدولية.
أمان طبي
من جانب آخر قال المهندس أحمد ندا، رئيس قسم معايرة الأجهزة الطبية، بالهيئة المصرية للمواصفات والجودة التابعة لوزارة الصناعة: إن اختيار الأجهزة الطبية ذات المواصفات العالمية، هو أساس لضمان نتائج صحية دقيقة للمرضى، مما يسهم فى تشخيص طبى سليم.
وأوضح أن مواصفات الأجهزة الطبية، يتم إصدارها من خلال لجان فنية متخصصة فى الهيئة، تحت إدارة المقاييس والمواصفات، وبما يتوافق مع أحدث المعايير الدولية، ويتم تشكيل هذه اللجان لوضع المواصفات التفصيلية لكل جهاز قبل اعتمادها نهائيًا، لتكون متاحة للمصنعين والعملاء.
وأوضح أن عملية المعايرة، تتطلب دقة شديدة، خصوصًا فى الأجهزة الطبية التى تؤثر مباشرة على صحة وحياة الإنسان، حيث قد يؤدى أى خطأ صغير إلى مخاطر صحية جسيمة، مشيرًا إلى أن المعايرة تتم على مرحلتين: الأولى، تختبر الأمان الكهربائى للجهاز، والثانية تختبر الأداء الوظيفى.
وأوضح ندا أن الهيئة خدمية، وتعمل على ضمان دخول الأجهزة إلى مصر وفق المواصفات القياسية المعتمدة، وقال إن هناك قرارًا وزاريًا، يمنع دخول أى منتج غير متوافق مع هذه المواصفات.
وقال: إن جميع الأجهزة المستوردة تخضع للاختبار من الجهات المختصة، قبل إرسالها إلى المعامل المعنية فى الهيئة، لفحص مدى مطابقتها للمواصفات، وبناء على نتائج الفحص، يتم اتخاذ قرار السماح بدخول الشحنة أو رفضها، وفى حال عدم المطابقة يتم إعدام الشحنة، أو إعادتها إلى الدولة المصدرة على نفقة المستورد.
وشدد على أهمية توعية المواطنين، والكوادر الطبية، بأهمية نشر ثقافة الاهتمام بمعايرة وصيانة الأجهزة الطبية، وأشار إلى وجود مراكز بيع للمستلزمات والأجهزة الطبية غير معايرة، موصيًا بمعايرة الأجهزة قبل الاستخدام والشراء، حتى رغم وجود الضمان الأوروبى.