الجمعة 4 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

صوت العرب من القاهرة

للمطربة العملاقة «فيروز» حضارة غنائية.. حضارة لها آدابها وعلومها ولغتها الخاصة مثل الحضارات الغنائية العظمى التى شيدها أكابر الغناء» أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش».



كل اسم من هؤلاء يمثل حضارة غنائية مستقلة متماسكة ومتداخلة من حيث الهدف والدور.. هؤلاء أصحاب رسالات عابرة للأجيال والعصور،كما أنهم جسدوا الدور الوطنى للفنان «كما يقول الكتاب»  وبعدهم غاب هذا الدور ولم يعد.

 

 ريحة الحبايب

«فيروز» صوت الأوطان و«ريحة الحبايب»  فى لبنان هذا الوطن الغالى شكلت مع كبار المطربين فى مصر والعالم العربى المعنى الحرفى لمقولة كوكب الشرق أم كلثوم «المغنى حياة الروح، وبخلاف كتالوجها الغنائى المبهج والمنوع بالانفعالات الإنسانية النبيلة لعبت أغنياتها أدوارا تاريخية وطنية ليس فى وطنها لبنان فقط بل قدمت أدوارا قومية فى العالم العربى، فقد غنت الكثير من الأغانى الوطنية للعديد من المدن العربية (شط إسكندرية) و(عمان فى القلب) و(القدس) و(زهرة المدائن) و(شام أهلك أحبابى) كما غنت لوطنها (بحبك يا لبنان يا وطنى بحبك)، ولمصر رائعة «مصر عادت شمسك الذهب» بعد نصر أكتوبر المجيد:

مصر عادت شمسك الذهب تحمل الأرض وتغترب.. كتب النيل على شطه قصص فى الحب تلتهب.

مصر يا مصر لك ماض مصر تذكريه يحمل الحق وينتسب.. ولك الحاضر فى عزه قبب تقوى بها قبب.

  أرزة لبنان 

المدهش أن فيروز «أرزة لبنان» المتأثرة بالمدرسة الغنائية المصرية فتحت من مصر ملفها الوطنى الفلسطينى فى عام 1955 وبالتزامن مع الأحداث الدموية فى غزة الموعودة بالعذاب وبترتيب مصرى وتحديدا من إذاعة «صوت العرب» عندما دعاها الإذاعى الشهير أحمد سعيد رئيس إذاعة صوت العرب إلى القاهرة لتسجيل أعمال لفلسطين، ومعها عاصى ومنصور الرحبانى هذا الثالوث الذهبى وهم فى بداية الطريق، مما يؤكد دور الإعلام المصرى الريادى فى هذا التوقيت وتأثيره.

الطريف كما تردد أنه عندما وجَّهت صوت العرب الدعوة إلى الثلاثى اضطُر عاصى إلى التعجيل بالزواج من فيروز، وقال الإذاعى أحمد سعيد، إن إذاعة صوت العرب وجهت الدعوة للأخوين وفيروز وانتظرنا حتى تم الزواج، والثابت أنها قضت شهر العسل فى مصر وأنها وضعت مولودها الأول زياد فى مستهلّ 1956 بلبنان وأنها حملت به فى القاهرة، وسجلت المطربة الكبيرة فيروز فى هذه الزيارة عددا من الأغنيات منها أغنيتان لفلسطين، الأولى بعنوان «راجعون» تأليف الأخوين رحبانى وهى أول أغنية قدمتها فيروز لفلسطين وتقول كلماتها:

يا منشدين للغروبى يا منشدين، 

نحن من الأرض الخضيبة، نحن من الدار السليبة

يا هل ترى بعد ليالى، نجيئها تلك الحبيبة

الحب والقدس فى البال، رغم المحال.

أما الثانية فبعنوان «غرباء» تأليف الشاعر هاشم رشيد وتلحين الأخوين رحبانى وكلماتها ترسم المأساة التى تعيشها فلسطين الآن رغم مرور 69 عاما على انطلاقها وتقول فيها موجهة كلامها إلى أبيها:

«سألتك أمس عن أمّى التى ذهبت ولم ترجع.. سألتك عن أخى أحمد وكدت تقول لى قد مات يا ليلى قد استُشهد».

وفى عام 1956، قدم الأخوان رحبانى لفلسطين «سنرجع يومًا» وتقول فيها: «سنرجع يومًا إلى حيّنا ونغرق فى دافئاتِ المُنى.. سنرجع مهما يمرّ الزمان وتنأى المسافات ما بيننا»..سنُرجِعُ ذلك الوطن.. فلن نرضى لهُ بدلًا ولن نرضى لهُ ثمنا.. ولن يقتُلنا جوعٌ.. ولن يُرهقنا فقرُ لنا أملٌ سيدفعُنا. ورغم أن الأغنية كما تقول كلماتها لا تشير إلى فلسطين وتنطبق على أى مغترب أصابه الحنين إلى وطنه، ولكن أعادت فيروز تقديمها وظهرت فيروز بها بالملابس الفلسطينية وارتبطت «سنرجع يومًا» بالفلسطينيين وبحلم العودة.

شط إسكندرية

فى الزيارة الثانية لها لمصر ولد مشروع إعادة توزيع بعض ألحان الشيخ سيد درويش وكان قد ترسخت لدى الأخوين فى أثناء وجودهما بين القاهرة والإسكندرية فقدما مع فيروز «زورونى كل سنة مرة» و«طلعت يا محلا نورها» و«الحلوة دى» فى عام 1957، بينما سجَّلت فيروز أغنية «شط إسكندرية» من كلمات ولحن الأخوين، النابعة من ذكرى رحلة مصر الأولى عام 1955، حيث زار الثلاثى الإسكندرية.. وفى عام 1964 تحقق حلم فيروز بزيارة فلسطين وكنيسة القيامة، ثم قدمت أغنية حملت عنوان «القدس العتيقة» وتقول فيها: «مرّيت بالشوارع حكينا سوا الخبريّة وعطيونى مزهريّة.. قالولى هيدى هديّة من الناس الناطرين»

 

 

 

واشتهرت الأغنية باسم «المزهريّة»

وللأغنية قصة تقول: أنّ فيروز والأخوين عندما ساروا فى «شوارع القدس العتيقة» أهدتها إحدى السيّدات مزهريّة من بيتها. كما تحدّثت فيروز إلى الناس هناك، الذين اشتكوا إليها من ظروفهم الصعبة فى ظلّ الاحتلال، والمعاناة التى يعيشونها وأوحت بالأغنية لعاصى ومنصور. أما الأغنية الرابعة فكانت بالتعاون مع الشاعر اللبنانى سعيد عقل، وتحمل عنوان «أجراس العودة» وغنّتها فيروز على مسرح معرض دمشق الدولى.

 زهرة المدائن 

«زهرة المدائن» هى الأغنية الخامسة والأشهر فى كتالوجها القومى وهى درة الغناء لفلسطين وقدمتها عام 1967 بعد سيطرة قوات الاحتلال على القدس الشرقيّة وكتبها ولحّنها الأخوان وافتتحت بها مهرجان الأرز فى لبنان و(زهرة المدائن)»، هو الاسم القديم لمدينة القدس وحققت نجاحًا كبيرًا، على شاشات السينما إخراج هنرى بركات وتقول كلماتها:

لأجلك يا مدينة الصلاة أصلّى.. لأجلك يا بهيّة المساكن

يا زهرة المدائن.. يا قدس، يا مدينة الصلاة أصلّى.

زهرة المدائن الأغنية الأيقونة التى ترددها الأجيال ونجاحها المدوى دفعت نائبَى القدس إميل غورى ومحى الدين الحسينى «لحمل مفتاح القدس إلى بيروت، لتسليمه إلى فيروز مع صينيّة مصنوعة من الصدف تمثّل المسجد الأقصى» فى احتفالٍ تاريخيّ وتتوالى أغنيات فيروز حاملة مفتاح القدس عن فلسطين منها : «بيسان»، و«يافا»، و«أحترف الحزن والانتظار»، و«جسر العودة».

 المعجزة اللبنانية 

عندما سئل موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عن رأيه فى صوت فيروز - أطال الله عمرها - قال: «إنها المعجزة اللبنانية والصوت القادم من السماء»، وبينما فرض عليها الأخوان ستارا حديديا على صوتها لم ينجح فى اختراقه أسماء كبيرة مثل: محمد الموجى وبليغ حمدى، فإن موسيقار الأجيال الوحيد الذى كسر هذا الحاجز فقام بتلحين أول أغنية «سهار بعد سهار»، وشارك مع الكورس فى الغناء خلف «جارة القمر»، ثم لحن لها «سكن الليل»، وقصيدة «مر بى»، كما أصدرت ألبومًا ضمت فيه الأغنيات الثلاث، بالإضافة لـ«خايف أقول اللى فى قلبى» و«يا جارة الوادى» وهما من الأغانى التى قدمتها بصوتها من ألحان عبدالوهاب.