فيروز

مصطفى محمود يكتب:
صوت فيروز صوت مرشح، مصفي، معقم.. ولها طريقة تغنى بها.. تجرد بها الألفاظ من لحمها ودمها.. تخرج من فمها معان خالصة.. معان غير طبيعية فى صفائها.. نقية حتى من بشريتها.
صوتها نظيف.. يبدو من فرط نظافته كالحلم.. يهز العقل ولكنه لا يهز الرغبة.. ولهذا لا يمتزج بوجدان المستمع امتزاجًا كاملاً كما يفعل صوت أم كلثوم ولكنه يتعالى عليه.. ويطل عليه من بعيد مثل ليلة القدر.
أنت لا تستطيع أن ترفع الكلفة بينك وبين صوت فيروز وإنما يظل هناك نطاق من الرهبة بين أذنك وبينه.
إن روحانية صوتها تجعل جماله غير واقعى ولهذا قد تسمعه وتنتظره وتشتاق إليه وتتلقاه بشغف.. ولكنك لا تغنيه.. ولا تفكر فى محاكاته.. لأنه لا يعبر عن شىء فيك..
ولا يعكس اللحظة البشرية التى تعيشها من فرط شفافيته..
وهذه هى الميزة الأولى التى أصبحت عيبا فى أداء فيروز.
والميزة الثانية فى غنائها هى التفوق الكامل فى قيادة حنجرتها والتحكم فى صوتها واحترام الموسيقى والتزامها.
فى استطاعة فيروز أن تؤدى دقائق اللحن وذراته.. وفى استطاعتها أن تفرق كل شعرة فى اللحن إلى نصفين وكل نصف إلى نصفين فتشعرك بأن مساحة صوتها عريضة بينما هى ضيقة.. وبإمكانها أن تضيف إلى اللحن حساسية لم يحس بها الملحن نفسه.

وهى أقدر الأصوات النسائية فى فن التأدية.
وصوتها شىء جديد تماما فى أدائنا الشرقى ويكاد يكون الصوت الوحيد الذى يؤدى النغم الغربى بنفس الاتقان الذى يؤدى به النغم الشرقى.
وقد تسمعها من بعيد فيخيل إليك أنها تغنى بالفرنسية فإذا اقتربت منها وجدتها تغنى بالعربية الفصحى.. ونبراتها متميزة واضحة ونطقها سليم جميل وغناؤها حلو.. ولكنه خالٍ من الأنوثة.. ولو كان صوتها قويا لكانت أصلح الأصوات للأوبرا.