الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
هل نتقدم بالشكر.. للذكاء الاصطناعى؟!

هل نتقدم بالشكر.. للذكاء الاصطناعى؟!

لا شك أن العام الذى يقترب من نهايته شهد نقاشًا حاميًا وجدلاً مستمرًا حول الذكاء الاصطناعى ودوره وتأثيره فى حياتنا بجميع جوانبها المتعددة. فلا حديث عن مستقبل حياتنا ودنيانا وعلاقاتنا الإنسانية إلا وتأتى سيرة الذكاء الاصطناعى. هناك ترقب وتخوف وقلق، وهناك أيضا تفاؤل لو بحذر بما يمكن أن يضيفه هذا الإنجاز التكنولوجى بتطبيقاته على ما نفعله فى حياتنا.



 

وقد لا نبالغ فى القول إن هذا التعبير «الذكاء الاصطناعى» صار من أكثر التوصيفات أو التعبيرات المستخدمة فى وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعى السوشيال ميديا. وأيضًا فى كلمات وخطط القيادات السياسية والاقتصادية والخبراء فى جميع المجالات فى جميع دول العالم وهى تحاول أن ترسم صورة المستقبل وتضع معالم الغد القريب والبعيد! 

وقد فاجأت صحيفة «واشنطن بوست» قراءها يوم 28 نوفمبر 2024  (يوم عيد الشكر) بافتتاحيتها الرئيسية التى تدعو فيها إلى تقديم الشكر هذا العام لما يقوم به الذكاء الاصطناعى فى مجال الطب.

 

ريشة: أحمد جعيصة
ريشة: أحمد جعيصة

 

وحرصت الصحيفة على تبرير قرارها لتقديم هذا الشكر بالإشارة إلى أن الذكاء الاصطناعى يحقق ثورة فى الطب ويجعل الرعاية الصحية أكثر دقة وأقل تكلفة لكل الناس حسب وصفها، وأن الذكاء الاصطناعى مازال فى بدايته إلا أنه يعد بنقلة نوعية فى كيفية قيام الأطباء بأداء مهامهم. وذكرت الافتتاحية نجاح استخدام الذكاء الاصطناعى فى حالات تشخيص لبعض أنواع السرطان وتحديدا سرطان الثدى.

وقالت «واشنطن بوست»: إن الاستعانة بالذكاء الاصطناعى لها فائدتان.الفائدة الأولى هى أن هذا التطور التكنولوجى يساعد على تحديد ومعرفة الخلايا السرطانية فى طورها المبكر، وبالتالى قد يساعد على الإسراع بالعلاج. أما الفائدة الثانية أنه أداة أفضل فى تحديد الأورام الحميدة، وبالتالى يتم الحد من تكرار محاولات أخذ العينات وفحصها، وهذه الخطوات بالطبع تزيد من كثرة التكاليف وأيضا من القلق المصاحب للمريض بتكرار أخذ العينات، ثم الانتظار لنتائج فحصها.

التفاتة «واشنطن بوست» للذكاء الاصطناعى لم تكن بالأمر المفاجئ فهو بشكل عام يمثل تجسيدًا لتطور وإنجاز تكنولوجى نتعامل معه حتى الآن بحذر وقلق وشك ورعب أحيانًا لأننا لا نعرف إلى أين سيأخذنا أو يطير بنا هذا المدعو الذكاء الاصطناعى؟ وكم من الوقت سوف تستغرقه هذه النقلة غير المحدودة المعالم أو الأهداف؟ ثم أهى وثبة نثق فيها أم سقوط مما نحن فيه إلى هاوية مجهولة ساحقة لإنسانيتنا التى اعتدنا عليها.

ولم تتردد الصحيفة الأمريكية وهى تتصدى لهذا التحدى الإنسانى الجديد أن تذكرنا بأن صعود وانتشار الذكاء الاصطناعى بلا شك أثار الكثير من الحذر والقلق فى السنوات الأخيرة ولأسباب وجيهة. هذه التكنولوجيا قد تربك الاقتصاد وقد تضع نهاية لمهن وصناعات بطرق وأساليب لا يمكن التنبؤ بها. إنها قوة مذهلة تستحق الحذر فى التعامل معها وليس الرعب. 

وأضافت الصحيفة:  فى إمكان الأمريكيين أن يطمئنوا بأن فيما يتعلق بالطب فإن الذكاء الاصطناعى صار غالبا قوة من أجل الخير. ومن المرجح أن يظل هكذا.

وحسب ما ذكرته «واشنطن بوست» فى افتتاحيتها طالما يتطور الذكاء الاصطناعى فإن الأطباء سيكون بإمكانهم أن يعطوا وقتًا أطول للتفاعل مع مرضاهم فى شرح الأدوية والتفكير والتواصل معهم حول احتمالات حدوث ما هو غير طبيعى وغير متوقع.

 

 

 

ونبهت أيضًا أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يساهم فى الإسراع بالتشخيص السليم مما يعد إنجازًا طبيًا بشريًا. وذكرت «واشنطن بوست» بأن حسب تقرير أعدته وزارة الصحة والخدمات البشرية عام 2022  فإن نحو ستة فى المائة من أكثر من 130 مليون شخص يذهبون إلى غرفة الطوارئ بالمستشفيات والمراكز الصحية يتعرضون لخطأ فى التشخيص. منهم 2.6 مليون شخص يكونون ضحايا لهذا التشخيص الخاطئ، وأن نحو 400 ألف شخص منهم إما يصابون بعجز شامل أو يرحلون عن دنياهم.

وسواء توجهنا بالشكر لما تحقق تكنولوجيا أو أبدينا شكوكنا تجاه كل ما يأتى باسم التقدم العلمى أو التكنولوجى يبقى التحدى الأكبر:

كيف يمكن الاستفادة بأقصى حد من أى إنجاز علمى أو تكنولوجى أو كل ما جديد وربما غريب عن حياتنا؟ وهل فى إمكاننا ونحن بكامل إرادتنا فى أن نتحكم فى هذه العلاقة ونملك زمام الأمور بعقولنا ومنطقنا وقدرتنا على الاختيار الصحيح؟

بالتأكيد هناك المليارات من الدولارات يتم استثمارها من أجل تحقيق المزيد من الوثبات الخاصة بتواجد الذكاء الاصطناعى فى حياتنا. مجلة «تايم» الأمريكية خصصت مؤخرًا عددًا خاصًا للمائة من أكثر الشخصيات العالمية التى تلعب دورًا مؤثرًا فى تمهيد أو تيسير الطريق أو الطرق التى تأخذنا إلى تواجد أوسع وأعمق للذكاء الاصطناعى. 

ولعل ما لفت انتباهى من خلال قراءاتى للكثير عما كتب وقيل بخصوص الذكاء الاصطناعى أو AI  (كما يعرف اختصارًا) بأنه حتى وقت قريب كان يوجد فى مراكز البحث والاختبار إلا أنه خلاص (بالفعل) خرج من هناك ودخل فى حياتنا وتفاصيلها. لذا من الصعب التكهن أو التوقع إلى أين سنسير معه أو سوف يسحبنا هو بنفوذه وسطوته؟ وإلى أى مدى سوف نستطيع تلجيمه أو الحد من جموحه أو تهوره؟!