تفاصيل الاستراتيجية الوطنية للصحة 2024 - 2030
انفراد / رعاية طبية لكل مواطن
انفردت بالتفاصيل:بسمة مصطفى عمر
يحتاج مصطلح «بناء البشر» إلى جهود كبيرة من جميع الجهات المعنية بالدولة، خاصة التى تعمل على منظومتى الصحة والتعليم، حتى يصبح واقعًا حقيقيًا.
لذلك تجتمع كافة الجهود على غاية واحدة، تمثل استراتيجية رائدة للدولة فى جمهوريتها الجديدة، ترتكز على خلق إنسان واع، سليم صحيًا، قادر على الإنتاج، وقيادة قاطرة التنمية، وأهداف التنمية المستدامة.
ومؤخرًا، تسلم الرئيس عبدالفتاح السيسى، الاستراتيجية الوطنية للصحة 2024 - 2030، من الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء، وزير الصحة، خلال فعاليات المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية البشرية.
وارتكزت الاستراتيجية الوطنية على معلومات حديثة، أفرزتها المبادرات الصحية الرئاسية التى يتم تنفيذها فى مصر على مدارالـ6 سنوات الماضية، ورسمت من خلالها خريطة صحية جديدة، بجميع الأمراض والأوبئة، وأماكن تركزها، وزيادتها أو انخفاضها، وسبل مواجهتها، والتنبؤ بالأوبئة والأمراض لمنع حدوثها، أو التخفيف من آثارها وتداعياتها السلبية، على المواطن والاقتصاد المصرى.
وحسب رؤية الدكتور خالد عبدالغفار، وزير الصحة والسكان، نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية، فإن هناك تحديات عصرية فى عالم سريع التغير، تواجه النظام الصحى، وتسعى الدولة بجميع إمكانياتها إلى تلافيها ومواجهتها، ومواكبة أحدث التوجهات العالمية فى مجال الرعاية الصحية، وكيفية تقديمها بعدالة وفاعلية، وتعزيز قدرات النظام على مواجهة التحديات المستقبلية، لتلبية احتياجات المصريين ووقايتهم من الأمراض، وتحسين جودة حياتهم، باعتبارهم حجر الزاوية الذى يرتكز عليه استقرار الأمة وتقدمها.
ولتلبية احتياجات المواطنين، بعد ما شهدته مصر من تغيرات ديموغرافية واقتصادية، وتأثير الزيادة السكانية فى مختلف القطاعات، وضعت الدولة ممثلة فى وزارة الصحة والسكان، رؤية شاملة لتطوير القطاع، وتعزيز العدالة الصحية، وتحسين جودة الخدمات الطبية، والتركيز على الوقاية، وتوسيع استخدام التكنولوجيا الرقمية، ومعالجة الفجوات الصحية بين المناطق الحضرية والمدن والريفية، حيث تم تطوير الاستراتيجية الوطنية للصحة 2024-2030، لبناء نظام صحى شامل ومستدام، يضمن لكل مواطن الحق فى الرعاية الطبية، والتغطية الشاملة بحلول عام 2030، فى إطار رؤية دولة قادرة على بناء شعبها، من جميع فئاته وطبقاته، بشكل يرتقى بها ككتلة واحدة نحو مصاف الدول المقدمة.
وتعتبر الاستراتيجية الصحية نقطة انطلاق نحو المستقبل، ولا يقتصر دورها على الحلول اللحظية؛ بل تستشرف المستقبل الصحى، والاستثمار فى صحة الإنسان، باعتباره الركيزة الأساسية لبناء المجتمع، حيث تتضمن 7 أولويات هى: تحقيق التغطية الصحية الشاملة، وتحسين جودة الرعاية الصحية، وتعزيز الوقاية من الأمراض، والاستثمار فى تطوير الكوادر البشرية، وتحسين إدارة الموارد الصحية، وتعزيز الابتكار فى النظام الصحى، وتوسيع استخدام التكنولوجيا الصحية.
خارطة الطريق
تعد الاستراتيجية الوطنية للصحة 2024-2030، أحد أعمدة الدولة الأساسية التى تسعى إلى إحداث نقلة نوعية فى القطاع الصحى المصرى، وهى خارطة طريق تقودنا تحو التطوير والنمو، وضمان تمويل مستدام، والتزام الدولة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، وتحسين مؤشرات الصحة العامة، وترسيخ الريادة المصرية فى تقديم الخدمة، وتوفير الدواء للعرب وأفريقيا.
يتعاون القطاعان الحكومى والخاص، فى شراكات لتوسيع نطاق الخدمات الصحية وتحسين جودتها، ونظم التعليم والتدريب الطبى، لزيادة أعداد الكوادر الطبية المؤهلة، إضافة إلى الاستثمار فى التكنولوجيا، لتحسين جودة الرعاية الصحية الرقمية، من خلال التطبيب عن بُعد، إلى جانب تحسين برامج الوقاية والتوعية، للحد من انتشار الأمراض غير السارية.
وخلال السنوات الأخيرة شهدت مصر تطورًا ملحوظًا فى استجابتها لمكافحة الأوبئة، مثل فيروس كورونا، ولكن التحديات ما زالت قائمة فى مجال الاستجابة السريعة للأوبئة المستقبلية، خاصة فى ضوء زيادة الكثافة السكانية التى تضاعف من فرص انتشار الأمراض، ومن الإجراءات المستقبلية التى تواصل الاستراتيجية تطويرها فى هذا المجال، تطوير سياسات مكافحة الأمراض الوبائية، مثل الأنفلونزا الموسمية، وتحسين أنظمة المراقبة للأمراض المعدية، وتعزيز استعداد النظام الصحى لمواجهة الأوبئة المستقبلية، من خلال تطوير خطط استجابة سريعة فى حالات الطوارئ، وضمان توفير اللقاحات على مستوى واسع لجميع الفئات العمرية، وتشكيل حائط صد دفاعى يتمثل فى الحجر الصحى، لمنع دخول أية أمراض مستحدثة للبلاد، أو الحد من دخولها بشكل يمكن صناع القرار من وضع الخطط للسيطرة عليها.
الزيادة السكانية
تؤثر الزيادة السكانية السريعة بشكل مباشر على النظام الصحى، مما يمثل تحديًا بسبب الحاجة للتوسع فى البنية التحتية الأساسية لجميع المرافق والخدمات، وتوفير المزيد من الخدمات الصحية، والرعاية الأولية لجميع الفئات العمرية، إلى جانب متطلبات ذوى الاحتياجات الخاصة، وهذا ما تركز عليه الاستراتيجية الجديدة، كما تحاول سد العجز فى أعداد الكوادر البشرية العاملة فى المهن الطبية، من أطباء وتمريض وعلوم صحية، وكذلك أسرّة الرعايات المركزة والحضانات، والأقسام الداخلية، مع زيادة المنشآت الصحية المقدمة للخدمة سواء الحكومية منها، أو التى تتبع القطاعين الخاص، والأهلى، أو تلك التى تتبع بعض الجهات الرسمية، ومنها القوات المسلحة ووزارات وجهات مثل الداخلية، والكهرباء، والمعلمين، والزراعيين، والسكة الحديد، وغيرها، وذلك حتى تتاح الخدمة، بشكل مناسب وملائم، دون تحقيق قوائم انتظار، بسبب انتشار الأمراض المعدية أو غير المعدية، بما يتناسب مع الزيادة المضطردة للسكان، ويشمل الرعاية الصحية لضيوف مصر من العرب واللاجئين المقيمين بها، ووفاء الدولة بالتزاماتها تجاه الجميع.
ويعد الدواء من الملفات الحيوية والشائكة فى نفس الوقت، حيث يؤثر بشكل كبير على النظام الصحى فى كل الدول ومن بينها مصر، وتواجه السوق المصرية بعض التحديات تتمثل فى أزمات نقص الدواء، نتيجة تحديات عالمية ممثلة فى الحروب والكوارث والأزمات السياسية والاقتصادية التى يواجهها العالم، والمنطقة العربية، حيث تنعكس بالسلب على ارتفاع تكاليف إنتاج الأدوية، وزيادة أسعار المواد الخام، حيث تعتمد مصر على استيراد العديد من الأدوية الحيوية، والخامات والمواد الفعالة وغير الفعالة التى تدخل فى صناعتها.
وتحديات أخرى محلية تتمثل فى أزمات توفير الأدوية لبعض الأمراض، وخاصة المنقذة للحياة كأدوية الجلطات والأمراض القلبية والسكرى والضغط والأورام وغيرها، ومواجهة السوق السوداء الموازية للسوق الرسمية، وضمان وصول الأدوية بأسعار مناسبة لجميع الفئات، حسب السعر الجبرى المحدد لها من هيئة الدواء المصرية.
ولذلك تساهم الاستراتيجية الجديدة فى محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتى من الأدوية، وتطوير سياسات ضبط الأسعار لضمان عدالة التوزيع، من خلال تعزيز قدرات الصناعة المحلية، لتقليل استهلاك السوق المحلية الأدوية المستوردة، وتوطين الصناعة، حيث تمتلك مصر قاعدة صناعية قوية للأدوية، تضم حوالى 172 مصنعا، و80 ألف صيدلية، مما ينعكس إيجابيا على خفض الأسعار، فى سوق وصل حجم التعامل بها العام الأخير فقط إلى 277 مليار جنيه، بإجمالى 3.6 مليار عبوة دواء تم شراؤها من قبل المصريين، فى جميع ربوع مصر، حسب ما أعلنته هيئة الدواء مؤخرا، فى تقرير رسمى للمستهلكات الدوائية فيما بين سبتمبر 2023 و أكتوبر 2024.
وتحقيقا للريادة المصرية فى مجال الدواء فى محيطها العربى والشرق أوسطى، تسعى الدولة لأن تكون مركزًا إقليميًا لتصنيع الأدوية، وتحسين بيئة الاستثمار، وجذب الشركات العالمية لتوسيع قاعدة التصنيع المحلى للأدوية، كما يتم تطوير صناعة اللقاحات، خاصة بعد تجربة مصر الناجحة فى إنتاج لقاح «سينوفاك- فاكسيرا» للوقاية من كوفيد- 19، وتضع البنية التحتية لمدن كاملة فى صناعة الدواء، أولها مدينة الدواء المصرية، ومدينة الأبحاث الدوائية، والمدينة الطبية، وغيرها من الكيانات الضخمة التى تتشارك فيها الدولة مع المستثمرين الوطنيين والعرب والأجانب.
كما تضم استراتيجية الصحة الوطنية 2024 - 2030 خطة شاملة، للوقاية من الأمراض السارية وغير السارية، ويشمل ذلك تعزيز الوقاية من الأمراض المزمنة مثل القلب والضغط والسكرى، مع التركيز على أسلوب الحياة الصحى، خاصة بعد ارتفاع الوفيات بسببها، بعد أن كانت بسبب الأمراض المعدية، كما يتم دعم وتعزيز الصحة النفسية، واستدامة العمل فى مكافحة الأمراض المعدية، التى قد تؤثر على المواطنين بشكل متكرر مثل الأمراض التنفسية، مع تطبيق أساليب متطورة للكشف المبكر عن تلك الأمراض، لتعزيز الوقاية.
وتعزز الاستراتيجية النظام الصحى على مواجهة الأزمات، مثل الأوبئة والكوارث والاستجابة السريعة، من خلال تعزيز الأمن الصحى الوطنى والإقليمى، وتقوية نظام المراقبة المتكامل، من خلال تفعيل نظام رصد للأمراض الوبائية والمعدية، يشمل هذا تطوير البنية التحتية للصحة العامة، وتدريب العاملين فى مجال الصحة للتعامل مع الطوارئ الصحية بكفاءة، وذلك بالتنسيق مع جهات دولية فاعلة، على رأسها منظمة الصحة العالمية.
وفى هذا السياق، تم إطلاق العديد من المبادرات الصحية، التى تواكب استراتيجية الصحة الوطنية، لتعزيز الوعى الصحى فى المجتمع، وتوسيع نطاق الكشف المبكر عن الأمراض، مثل مبادرة «100 مليون صحة» وبدأت بالمسح القومى للأمراض غير السارية ومكافحة فيروس سى والتى نجحت فى القضاء عليه لدى ملايين المرضى، ومبادرة «حياة كريمة» التى تستهدف تحسين الرعاية الصحية، والظروف الاجتماعية فى القرى والمناطق النائية والأكثر احتياجا، من خلال تطوير البنية التحتية، والخدمات الصحية والتعليمية.
وكذلك مبادرة «تكافل وكرامة» التى تعكس التزام الدولة بتوفير الدعم الاجتماعى للفئات الأكثر احتياجًا، وتقديم الدعم المالى للأسر ذات الدخل المحدود، مما يساهم فى تحسين مؤشرات الصحة العامة، والحياة المعيشية بشكل كامل.
كما يمثل التأمين الصحى الشامل، نقلة نوعية فى قطاع الرعاية الصحية فى مصر، حيث يسعى لتحقيق تغطية صحية شاملة لجميع المواطنين بحلول عام 2030، بتكلفة مئات المليارات، عبر المنشآت الصحية الحكومية والخاصة والأهلية، وترتكز على طب الأسرة فى أكثر من 5200 وحدة ومركز طب أسرة فى مصر، ويطبق على مراحل خمسة، انطلقت أولاها فى نوفمبر 2019، من محافظة بورسعيد، وتختتم فى القاهرة قبل عام 2030.
الجينوم المصرى
يعد الجينوم المصرى، من المشروعات العلمية التى تهدف إلى استخدام التقنيات الحديثة فى الطب الشخصى، من خلال دراسة الجينات البشرية، ودورها فى إجراء تحليلات دقيقة، واستشراف وتشخيص مبكر ومعالجة الأمراض الوراثية والمزمنة، وتطوير أدوية تتناسب مع الخصائص الجينية للمصريين.
ويعتبر التمويل أحد التحديات المتعلقة بمشروع الجينوم البشرى، والتقنيات الحديثة التى تتطلب تدريبًا متخصصًا، بالإضافة إلى تطويع الفحوصات الجينية لتتناسب مع الاحتياجات الصحية المحلية، ويتوقع مساهمة المشروع فى تحسين الرعاية الصحية، من خلال تقديم العلاجات المستهدفة والمخصصة للأمراض.
كذلك فالتمويل أحد التحديات التى تواجه تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للصحة، فنجد هناك ارتفاعا فى الإنفاق الشخصى على الصحة، خاصة فى ظل الزيادة السكانية والتضخم الاقتصادى، كما أن توزيع الإنفاق لا يحقق العدالة بين جميع الفئات الاجتماعية، ويشير تقرير حديث إلى تراجع نسبة الإنفاق من الناتج المحلى الإجمالى، رغم إعلان الحكومة عن تخصيص ميزانيات ضخمة لتحسين الخدمة الصحية، إلا أن التمويل لا يزال غير كاف.
ولذلك تعتمد مصر فى استراتيجيتها على تمويل مستدام من خلال تنمية الإيرادات الحكومية، ورفع كفاءة الإنفاق، وتعزيز دور التأمين الصحى الشامل فى توفير خدمات الرعاية الصحية، وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، واستقطاب الاستثمارات المحلية والدولية.
وتعزز الاستراتيجية الوطنية للصحة، الشفافية والحوكمة فى القطاع الصحى، من خلال التنسيق بين الهيئات الصحية المختلفة، ولذلك تم تحديد أهداف رئيسية تشمل التعاون بين وزارة الصحة والهيئات المعنية، وتطبيق معايير الجودة فى تقديم الرعاية، لتقليل الفجوات الصحية بين مختلف فئات المجتمع، وضمان جودة الخدمات الطبية، كما سيتم الارتكاز إلى أنظمة رقمية متطورة لمتابعة أداء النظام الصحى، وقياس مستوى التقدم، والرقابة ولمتابعة، فى إطار منظومة محوكمة ذكية كاملة.
تستهدف استراتيجية الصحة الوطنية 2024-2030، تحقيق نقلة نوعية فى قطاع الصحة من خلال عدة مبادرات وتطورات محورية، ويتمثل أحد الأهداف الرئيسية فى زيادة الإنفاق على الصحة ليصل إلى %2.5 من الناتج المحلى الإجمالى، مما يعزز الاستثمارات فى هذا القطاع، كما تعمل الاستراتيجية على تطوير وتوسيع حوالى 2000 مستشفى ومركز صحى، إضافة إلى إنشاء 350 مستشفى جديدًا ومتطورًا لتلبية احتياجات السكان المتزايدة، كما تهدف إلى تحسين جودة الرعاية الصحية عبر تأهيل %70 من المنشآت الصحية، ورفع الطاقة الاستيعابية للمستشفيات بنسبة %20.
وفى إطار تعزيز الموارد البشرية، تخطط الاستراتيجية لإضافة 30 ألف متخصص فى القوى العاملة الصحية، وإطلاق 100 برنامج تدريبى يستهدف الأطباء والتمريض والفنيين الصحيين، مما يدعم تحسين مستوى الخدمات الصحية المقدمة، كما تسعى الاستراتيجية إلى تغطية السكان بالكامل بالتأمين الصحى الشامل بحلول عام 2030، وإقامة 50 مشروعًا صحيًا رقميًا، مما يساهم فى تحسين الكفاءة والوصول للخدمات، كما تستهدف الاستراتيجية علاج حوالى 15 مليون مريض سنويا، مما يعزز فرص الحصول على الرعاية الصحية فى مختلف الأنحاء.