الاحتلال الإسرائيلى يحاول القضاء على هويتنا بأعمال الإبادة للبشر والحجر
عماد حمدان وزير الثقافة الفلسطينى: الثقــافة سلاح مقاومة
حوار: مصطفى عرام
فى فلسطين، «الثقافة» ليست رفاهية، فهى بالنسبة لهم «سلاح للمقاومة»، وهى لأهل «غزة» زادٌ للبقاء، وأيضًا صوتهم ووسيلتهم للوصول إلى «ضمير العالم»، فالثقافة أحد أضلاع مثلث «الهوية» مع التعليم والإعلام، تلك الهُوية التي لا يدخر «الاحتلال الإسرائيلي» جهدا في محاولة القضاء عليها بكل السبل، بأعمال الإبادة للبشر والحجر على السواء.
فى سفارة فلسطين بالقاهرة، «صباح الخير» التقت الدكتور عماد حمدان وزير الثقافة الفلسطيني، فى لقاء خاص، بحضور ناجى الناجى المستشار الإعلامى والثقافى لسفارة فلسطين فى القاهرة، حيث أكد الوزير أن الفلسطينيين شعب جبار.. يقدر الحياة ويستحقها ومتمسك بهويته لآخر نفس، رغم ما تفعله قوات الاحتلال بحق البشر والحجر، بدليل ما رسمه أطفال غزة فى معرض «غزة.. لون وفلك وبعث»، فالثقافة يمكن أن تكون مدعاة للرفاهية فى أى مكان، إلا فلسطين.
كما حدثنا عن كتاب «رمال حمراء» الذى كُتب بأيدى وأقلام 30 كاتبا من غزة، تتخلله صور ورسومات بريشات فنانين من غزة أيضًا، مشيرا إلى مشاركة «كتاب دوليين» من روسيا والبرتغال وإسبانيا لدعم فلسطين، موضحا أن «السردية الفلسطينية» تكمن قوتها فى أن الفلسطينيين أصحاب الحق، بينما «السردية الصهيونية» تواجه صعوبة بسبب الكذب والتضليل، داعيا المثقفين العرب لتشكيل «جبهة عربية وإقليمية» تدعم السردية الفلسطينية، وكذلك المثقفين الدوليين الداعمين لتشكيل «جبهات دولية» داعمة لفلسطين، خصوصا أن السلاح الآن هو من يتكلم وليس بأيدينا سوى سلاح المقاومة بالثقافة لدعم الرواية الفلسطينية.
وإلى نص الحوار...
■ خلال «المنتدى العاشر لسانت بطرسبرج الدولى للثقافات المتحدة» قلت: «إن الثقافة فى فلسطين ليست رفاهية.. بل سلاح الكرامة والمقاومة.. وشهادة حية على حقكم الراسخ فى الوجود».. فكيف يدار العمل الثقافى الفلسطينى داخليا وخارجيا والحرب قائمة.. وما هى الأولويات؟
الثقافة يمكن أن تكون مدعاة للرفاهية فى أى مكان، إلا فلسطين، بدليل ما شاهدتموه من رسومات أطفال فلسطين فى معرض «غزة.. لون وفلك وبعث»، فهم عبروا عن ما بداخلهم وما عايشوه فى غزة وحملوه معهم، حيث يعد الرسم تفريغا لما فى النفس، فبقدر ما هى صادمة لكنها واقعية، تعبر عن حقيقة التدمير والشهداء الذين فارقوهم، فربما لو أن أطفالا مثلهم فى دولة أخرى لرسموا الألعاب والزهور وهذا ما نتمناه لأطفالنا.. لكن واقعنا مغاير، فأطفالنا يعبرون عن حالنا وواقعنا.
ونحن حريصون على أن نعكس دور الثقافة فى المقاومة، فتمسكنا بتراثنا وهويتنا وروايتنا / سرديتنا الفلسطينية، هو نوع من أنواع المقاومة، التى حاول الإسرائيليون ـ وما زالوا يحاولون ـ محوها على مدار الزمن، وبالتالى يأتى حديثنا عن ضرورة تمسكنا بالرواية ونشرها وترجمتها وإيصالها إلى العالم عبر ترجمة العديد من المنشورات، خصوصا أننا سنبدأ فى العمل على منشورات خُطت وكُتبت بأقلام وكتاب وأدباء وشعراء من داخل قطاع غزة، فهذه الشهادات على المأساة والمعاناة والروايات الحقيقية لوقائع عاشوها ستترجم لـ10 لغات ليتم نشرها، هى نوع من أنواع المقاومة.
بالأمس القريب عملنا على تسجيل عدة عناصر تراثية فى غزة منها: الكوفية، الدبس الخليلى، الصابون النابلسى، والنول الغزاوى، فهذا التوثيق للتراث ليس فقط داخليا، بل عالميا ودوليا ولدى المنظمات المعنية بالحفاظ على الموروث الثقافى مثل: اليونسكو، الإيسيسكو والإلكسو.
وهناك بالطبع يوم عالمى للتراث هو 18 إبريل كل عام، لكن فلسطين لها يوم خاص هو 7 تشرين الأول / أكتوبر من كل عام، وللأسف صادف هذا العام مرور سنة على حرب الإبادة الجماعية على غزة، وعلى الرغم من ذلك، سعينا لإقامة فعاليات وأنشطة لتسليط الضوء على التراث والموروث الفلسطيني، وأصدرنا بيانا قرئ على جميع الطلاب فى كل المدارس والجامعات لحثهم على ارتداء الزى الشعبى والتقليدى فى يوم التراث رغم كل المحددات التى تحيط بنا، حيث التقينا بحرفيى التراث وكل الفئات التى لها علاقة بموروثنا الثقافي، وهذه طريقتنا فى الحفاظ على التراث والموروث والمقاومة.
وفى غزة تم الترتيب مع «مؤسسة مياسم»، رغم كل هذا الدمار، والصور وثقت لهذا وسط والدمار وفى الخيام، حتى مهرجان القدس السينمائى أطلق من غزة من وسط الركام، وكذلك يوم التراث، ولما طلبوا منى تسجيل كلمة لافتتاح المهرجان وكذلك الاحتفال بيوم التراث، ثم عندما شاهدت هذه المشاهد على التلفاز أمام جموع من المواطنين، لم أكن أتخيل كم الحضور رغم الظروف التى يعيشها أهل غزة، لذلك نقول «نحن شعب جبار»، نستحق الحياة ونقدر الحياة، ومتمسكون بالهوية الثقافية الفلسطينية.
■ وسط هذه المأساة، الكلمة من خلال الأدباء والشعراء والمثقفين هى القادرة على التعبير عن واقع الفلسطينيين، فالكتابة هى الذاكرة، فكيف تقدمون الدعم داخليا وخارجيا لهؤلاء، خصوصا أن دورهم يتعاظم حاليا؟
لست كاتبا أو أديبا، ودورى الحفاظ على التراث، وأقف على مسافة واحدة من جميع القطاعات على اختلاف تخصصاتها، فنانين أو مسرحيين أو موسيقيين أو سينمائيين، لذلك أعمل على النهوض بكل هذه التخصصات بنفس المستوى، ولكن بحكم الواقع هناك محددات تمنعنا من الحديث عن مهرجانات أو احتفالات أو حتى مظاهر احتفالية أو ابتهاج، فكنا حريصين فى يوم التراث فيما يعرض ويقدم، فالغناء والموسيقى والأكلات الشعبية ممنوعة بالطبع، فقط كنا نركز بجدية على ما يتوافق مع الظروف التى يشهدها أهلنا فى غزة وفى الضفة فى مخيم «نور شمس ـ وطولكرم ـ نابلس ـ جنين»، وبالتالى ركزنا على الكلمة والقلم من خلال الكتابات للأدباء والشعراء والرواية التى نحاول نشرها بكافة الطرق لنستهدف المجتمعات كافة، سواء كانت موالية ومناصرة ومساندة لنا مثل أمريكا اللاتينية ومعظم دول أمريكا الجنوبية، وأيضا الدول التى نحن بحاجة لتغيير المفهوم لديهم تجاه القضية الفلسطينية ولديهم انحياز للجانب الآخر، وهذا يتطلب منا جهدا كبيرا.
كذلك بدأنا فى أن تكون الكتابات من خلال الاتحادات العامة وكتاب وأدباء وشعراء غزة، الذين عاشوا هذه الويلات والمعاناة، لأنهم يكتبون من واقع تجربتهم بشكل أقرب إلى الموضوعية وهذا يسهل علينا الوصول إلى العالم الخارجى.
وقبل أيام أصدرنا كتابا اسمه «رمال حمراء» بأيدى وأقلام 30 كاتبا من غزة، تتخلله صور ورسومات بريشات فنانين من غزة وسيتم العمل على ترجمته وتوزيعه، فهو عمل متكامل.
وفى اتجاه موازٍ لدينا محبون للسلام والعدالة بالخارج، فطلبنا من العديد من الكتاب الدوليين ليكتبوا ويوجهوا رسائل للأدباء والكتاب والشعب الفلسطينى فى غزة، فمن روسيا 3 ومن البرتغال 2 وكذلك من إسبانيا، ليتم جمعه وتوحيد اللغة وترجمته ونشره، وهكذا نستثمر فى الأقلام الفلسطينية.
■ «المسجد العمرى» أحد أهم الآثار الفلسطينية تم هدمه، كذلك كنيسة القديس «برفيريوس» فى غزة، التى تُعد ثالث أقدم كنيسة أثرية فى العالم، فى رأيكم ما مصير ما تم هدمه وهل من سبيل إلى إعادة ترميمه أو بنائه؟ وما حقيقة أن قوات الاحتلال تنقل الحجارة القديمة للمبانى الأثرية إلى أماكن أخرى؟
قبل تسلمى العمل وزيرا للثقافة، كنت مديرا عاما للجنة إعمار الخليل، ومن بين ما وثقناه هو سرقة المستوطنين للحجارة من المبانى التى يتعمدون هدمها، ففى إحدى الطرقات التى كان ينشئونها بين الحرم الإبراهيمى ومستوطنة كريات 4، وتمر خلال مناطق تراثية ومبانٍ تاريخية، حيث لا يعجزهم شيء عن تعمد التدمير، كانوا يرسلون أناسا يتعمدون سرقة هذه الحجارة فى الذهاب والإياب، ويحملونها معهم على الآلات إلى مستوطناتهم، ورصدنا أمثلة كثيرة منها «مستوطنة إسرائيلية» تقوم بتحميل الحجارة فى سيارتها الخاصة.
فهم بلا تراث ثقافى وبلا تاريخ، ومثلما يسرقون منا الأكلات مثل الحمص والفلافل والملابس المطرزة ويحاولون تسجيلها باسمهم، فهم يسرقون الحجارة بل يحاولون نقشها بكلمات إسرائيلية ووضعها فى أماكن عامة، ثم يدعون أنه مبنى يهودى قديم وحجارته منقوشة.
فى «غزة» موضوع المبانى التراثية بعد هدمها لا نستطيع إصلاحها بأثر رجعى، لأنها فقدت هيكلها الخارجى وبالتالى قيمتها التاريخية وأهميتها التراثية، ويبقى الموقع الأساسى الذى يمكن تعزيزه برواية مكتوبة تتحدث عن قيمته التاريخية وفيم كان يستخدم.
وفى «أدبيات إعادة ترميم الأماكن التاريخية» هناك مدرستان، الأولى تقول إنه يجب إعادة هذا المبنى بالحجارة نفسها، والأخرى يجب إعادته بحجارة جديدة لتدل على أنه فى حقبة زمنية معينة تعرض المبنى لهذا الأذى وتم إعادة بنائه ابتداء من تاريخ محدد لتوثيقه.
فهناك مبانٍ انهارت جزئيا ويمكن ترميمها بالدمج بين الحجارة الجديدة والقديمة، فالأماكن القديمة التى هدمت حتى لو أعيد بناؤها لا تستعيد قيمتها الروحية ولا الاهتمام التاريخى السابق ويجب أن تعزز بما يوثق ما حصل تاريخيا.
■ وما موقف المجتمع الدولى والمؤسسات الدولية مثل اليونسكو من هذا؟
اليوم.. نحن الفلسطينيون فقدنا الثقة فى كل هذه المنظومة الدولية، وبعيدا عن منظمات مثل اليونسكو، أين منظمات حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق المُقعَد من كل هذا، هم يرون كيف تذبح النساء وكيف تغتصب والأطفال كيف تقطع أجسادهم أشلاء وكذلك المُقعدون، ونحن نرى الأصحاء كيف تُهدم عليهم البنايات، ففى إحدى زياراتى مؤخرا لمؤسسة معنية بالمكفوفين وجدتهم يبحثون كيفية إيصال 2000 عصا للمكفوفين فى غزة لأنهم فقدوا عصيهم، فهؤلاء لأنهم من نفس الفئة لفتوا انتباهنا لمن هم مثلهم.. فكيف حال هؤلاء الآن.. أمور كثيرة أصبحت فوق تخيل البشر!
■ استكمالا.. هل هناك مشروع توثيقى لمثل هذه الأماكن التاريخية سواء بالرسم أو الحكايات الشعبية؟
الحفاظ على الموروث الثقافى المادى فى فلسطين مسئولية وزارة السياحة والآثار، بينما نحن معنيون بالتراث غير المادى مثل العادات والتقاليد والحكايات الشعبية والمنتجات الحرفية، واليوم نحن نعمل بتكاملية، فوزارة السياحة شكلت لجنة بعضوية وزارة الثقافة والعديد من الوزارات الأخرى مثل الأوقاف والتربية والتعليم، فى إطار جهود توثيق ورصد هذه المواقع، خصوصا التى تعرضت للقصف والتدمير لتقدير قيمة الضرر وجمع البيانات وتوثيقها من خلال ذاكرة السكان المجاورين الذى عاشوا حول المبنى وكذلك المعلومات التاريخية.
ومن خلال عملى فى «لجنة إعمار الخليل»، ساهمنا فى إعادة إعمار «المسجد العمرى» قبل نحو 25 عاما، فنحن لدينا المخططات الخاصة به، وتفصيلاته والتدخلات التى حدثت فى 2003 تقريبا أو 2001، ومهمة فريق العمل على التوثيق جمع المعلومات فورا لأنه وارد أن نخسره، فهناك جهود عديدة تُبذل.
وبالنسبة لليونسكو فالعديد من المواقع التاريخية مدرجة على قائمتها، ونبذل جهودا مستمرة لإدراج كل ما هو تاريخي، فملف الترشح لإدراج الموقع التاريخى بما فيه الحرم الإبراهيمى كان ضخما، بحيث يضم كل المعلومات والصور والوثائق والأرقام والخرائط والشروحات، فحرصنا أن ما يتم رفضه شكلا يكون على الأقل موجودا لأنه فى إطار الصراع السياسى حول الخليل مع الإسرائيليين التى يحاولون إثبات أنها تراث يهودى، لأنهم قد يهدمونه أو يمنعونا من ترميمه بما يخالف اتفاقية جنيف للحفاظ على الموروث الثقافى، من أجل بناء مستوطنة أو بزعم التهديد الأمنى.
فنحن نبلغ اليونسكو بما تضمه من 196 دولة أن الموقع مسجل لديكم وعليكم تحمل المسئولية، فتأتينا ردود شبه ثابتة بأنه جارٍ البحث ثم نعود إليكم، فهذه تجربة سابقة، فكيف الوضع بالنسبة لغزة.
■ ماذا عن العائلات أو الأسر الكاملة التى انقطع ذكرها من الدنيا فى ظل الإبادة التى ترتكبها قوات الاحتلال.. هل هناك وسيلة لتوثيق وجودهم؟
فى وزارة الثقافة لدينا لجنة مختصة برصد وتوثيق وإعداد قاعدة بيانات بكل ما له علاقة بالمثقفين والقطاع الثقافى فى غزة، ومن خلالها وصلنا إلى معلومات دقيقة بنسبة كبيرة تصل إلى 90%، حيث نعتبر أكبر خسائرنا الخسارة البشرية، فتم رصد من هو موجود من المثقفين ومن استشهد أو جرح، ومن ظل فى غزة، ومن نزح إلى خارجها ـ مصر مثلا، وإذا كانت توجد فجوات فهى ليست بسبب تقصير منا بل لطبيعة الحال القائم، هذا على مستوى وزارة الثقافة حيث يوجد تبويب لهذه الفئات من المثقفين.
■ هل توجد أرقام؟
وفق آخر تقرير من نحو شهر أو 40 يوما كان يضم 174، كذلك توجد قاعدة بيانات لجميع المكتبات والمراكز الثقافية. أما بالنسبة للأسر والعائلات فوزارة الداخلية لديها رصد لكل المواليد والوفيات.
■ وماذا عن آخر صور التعاون مع وزير الثقافة المصرى؟
التقيت بالدكتور أحمد هنو، وزير الثقافة، مؤخرا فى «منتدى سان بطرسبرج الدولى للثقافات المتحدة بروسيا»، ووعدته بالزيارة لكن للأسف لدى ارتباط مع مجلس الوزراء، فأنا مستعد لزيارته خصيصا بالطبع، فنحن دائما نشيد بالعلاقة الفلسطينية ـ المصرية ونعتبر أن جمهورية مصر العربية هى العمق للشعب الفلسطينى والحاضنة للقضية وما بيننا من ود وتعاطف يشكل هذه العلاقة الوطيدة.
■ ما الذى ينتظره الجانب الفلسطينى من المثقفين والمبدعين العرب؟
بعيدا عن الآداب والأدباء، نحن داخل فلسطين محدودون فى إقامة الفعاليات الاحتفالية بطبيعة الحال بسبب أعمال الحرب والإبادة، لكن بالخارج فى الدول العربية يمكن تنظيم بعض الفعاليات والأنشطة التى يكون عنوانها «غزة» وتعد من أجل غزة، وإذا كان يوجد «ريع» يخصص سواء لأهل غزة بشكل عام أو للفئة التى لها علاقة بمنظمى الفعالية مثل الفنانين او الموسيقيين وهكذا.. فهذا شكل من أشكال الاستثمار فى الثقافة من أجل المقاومة وتعزيز الاقتصاد الفلسطينى الذى يشهد اليوم حصارا من الاحتلال.
■ فى حرب الرواية والسردية الفلسطينية مقابل السردية الإسرائيلية.. ما المتوقع من المثقف العربى فى تشكيل جبهة مع الفلسطينيين واصطفافا وكيفية تأطيرها ضمن جبهة عربية واحدة قادرة على الذود عن الرواية الفلسطينية؟
اليوم.. وزارة الثقافة، والثقافة، هى الأجدر فى أن تتحمل هذه المسئولية فى موضوع المقاومة، لأن قوتنا فى سرديتنا وفى حقنا فى ظل تفاوت الإمكانيات المادية على الأرض، بينما الصعوبة لديهم فى سرديتهم الكاذبة المضللة، فالصراع يجب أن يكون من خلال الثقافة والرواية الفلسطينية ونشرها والتعاون مع جميع الجهات والأطر المساندة للقضية الفلسطينية، وبالتالى فالجبهة العربية هى الأجدر وكذلك الجبهة الإقليمية، قبل التطرق إلى جبهات دولية، وهناك العديد من الأفكار والحراك الذى نلمسه على قدر كبير من التعاون مع اتحاد الكتاب الفلسطينيين الذين نوجه لهم التحية ونشد على أيديهم ونقدر جهودهم، فنحن معهم فى اتجاه تعزيز الجبهات الثقافية على مستوى عربى وعلى مستوى دولى.
■ الطفل الفلسطينى يولد وﺳﻂ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺪم.. ﻓﻜﻴﻒ يمكن ترميم ﺟﺮاﺣﻪ؟
سؤال صعب، فعندما التقيت بعض الأطفال أصحاب رسومات معرض «غزة.. لون وفلك وبعث» خصوصا عن ذويهم الذين استشهدوا، وعندما استمعت إلى حكاياتهم التى تكررت عن الأب أو الأم أو الإخوة الذين استشهدوا بكيت، فالأطفال كانوا واقفين وصامدين، وأقول إن التعويل على هذا الجيل الذى عاش الويلات وشاهد التدمير والشهداء، فهم لديهم الحافز للعمل على تحرير فلسطين، وبالتالى سيكون ذلك بمثابة الثأر لأهله، فالأمر سيستغرق أجيالا، سواء القادمة أو الحالية حتى تتعافى من الصدمة التى نسميها كارثة.
■ ما الذى تغير أو اختلف فى المواجهة بين «الفلسطينى» و«الاحتلال» حاليا عما سبق؟
سابقا ومن تجارب حياتية، سألنى مرة صديق عند مرورى من حواجز الاحتلال.. ألست خائفا منهم؟ قلت له بكل عفوية: أنا على يقين إن هما اللى خايفين منا مش إحنا اللى خايفين منهم، لأن إحنا أصحاب الحق، وصاحب الحق أقوى من كل سلاح.
لكن الآن.. حتى مستوى العناد والتحدى بيننا فى الحوار لم يعد موجودًا سواء هذا الجندى أو هذا المستوطن، فـ«السلاح الآن هو من يتكلم»، فقد تم توزيع 170 ألف قطعة سلاح على المستوطنين باعتبارهم مدنيين من 7 أكتوبر إلى اليوم، فأصبح الوضع الآن أخطر والزمن للأسف فى صالحهم كلما مرت السنوات.