الإنسان والطبيعة هدف أسمى للفنان وهو الترابط الوجودى لهما عبر الزمان والمكان
عماد إبراهيم وبهجة الحركة

أحمد رزق
ما الذى يجعل الفن جميلاً..؟
الجمال أكثر من مجرد مفهوم يتعلق بالمظهر الخارجى فقد نتفق على جاذبية أعمال فنية وقد لا نتفق على جمالهما.
الجمال لدى عماد إبراهيم مقياس لتواصل أعماله من خلال تصوير أعمق المشاعر المقصودة من الفنان والمفاهيم المرغوبة من المتلقى، فأعماله لا تعتمد على المحاكاة وليست مجرد استنساخ للواقع وإن كانت مستمدة منه، لكنه عملية تصوير فنى لنماذج ربما تكون مثالية لتظهر الجمال للنفوس النبيلة فيترجم ما يراه جمالاً يترك أثره.

وعلى مدى مراحل الفنان وتطورها نجد الطبيعة وعلاقتها بالإنسان هدف واضح وهو الترابط الأسمى بينهما والذى يستمد منها معنى وجوده، فهى حقيقة ثابتة فمنها البداية وإليها المنتهى، فمنذ البدايات استهوت الفنان مناظر القطارات - والتى كان لها أثر بعد ذلك بأبعاد فلسفية - وما حولها من تكتلات بشرية تضم عمال التراحيل ومسافرين مختلفى الأنماط والمظاهر انتظار وراء انتظار لا وصول لا سفر ليخرج لنا اسكتشات مبدئية حية ليضع بها بعد ذلك لوحات إنسانية خالصة تحمل الشجن الإنسانى فى أبهى صوره.. لتتطور بعد ذلك الأفكار ليمتزج الوجود الإنسانى بصورة القطار كرمز مزدوج للمكان والزمان والعلاقات البشرية والتقطاعات الوجودية بينه وبين الإنسان، فالقطار الدائرى أصبح مثالاً للحياة وما تحمله من تجارب معاشة ما بين معاناة الرحلة ومواصلة السعى للوصول فنرى الوجوه المرهقة بحركة سريعة متواترة للأجساد المنهكة وهو ما يواصله الفنان بعد ذلك فى أعماله، فالحركة هى ما تمد لوحاته بالجاذبية والجمال المستمر، حتى عندما قام الفنان بتجربة فريدة ومختلفة عنونها بالجهنمية رسم فيها الزهور فقط دون الوجود الإنسانى ظلت الحركة واللون ملهمًا أساسيًا له.

على الرغم من جماليات أعمال عماد إبراهيم وما تحمله من معانى مبهجة إلا أنها دومًا تحمل فلسفة الوجود الإنسانى، فالبشر هم الهم الأول والأساسى له.
يستمر الفنان فى مواصلة بحثه الأسمى عن الوجود الإنسانى فنرى عمال التراحيل لا يختلفون كثيرا عن جامعى البرتقال أو مرتادى الموالد فى المدن والقرى المصرية.
فالهموم البشرية واحدة فى كل زمان ومكان، إلا أن الجمال الإنسانى الطاغى فى أعماله يكسبها رونقًا وبهجة دائمة.
استطاعت فرشاة عماد إبراهيم ببراعة واقتدار تشخيص معاناة البسطاء والمهمشين، فألوانه تعبر على سطح لوحاته بنعومة وبساطة مدهشة لتعطى للمشاهد الإحساس بالدفء بما تحمله من خيالات وأحلام عايشها الفنان وتظهر من خلال مخزون بصرى مكثف ليخرج إلى النور بإلحاح فى وقته وزمانه المحدد.

تنوعت الخامة والأدوات عند الفنان ما بين الألوان الرمادية والتى أبدعها بواسطة القلم الأسود الجاف والباستيل أو حتى ألوان الأكليرك والتى أوجد بها عالماً سرمدياً غامضًا أحال لوحاته إلى جو الأساطير القديمة وما تحمله بين طياتها من مشاعر متضادة ما بين مآسى تراجيدية وتطلعات إنسانية.
للفنان تجربة خاصة مكتملة مع القلم الجاف بما يحمله من صعوبة المحو أو التعديل، فنحن أمام فنان يتعامل مع الخامة باحتراف واقتدار.
فى المقابل نرى الأعمال الملونة للفنان مليئة بالحركة وهو ما يكسب الألوان الطزاجة المبهجة ويجعلها مفعمة بالحيوية وكأنها شاشة سينمائية تدعوك للمشاركة فى أحداث المشهد بتعبيرية خالصة تسهل له الوصول إلى مبتغاه الفنى والتقنى، والتى تمتاز بالحداثة فى خطابه التشكيلى بنغم لونى رومانسى.
عماد إبراهيم فنان متميز بأصالته المصرية الخالصة واستيعابه للمدارس الفنية المتعددة ليقدم لنا أعمالا تستحق المشاهدة والتأمل.