توماس جورجسيان
عودة ترامب.. وعهد جديد لأمريكا
مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض لولاية جديدة. كان من الطبيعى أن كل من له تطلع أو نية أو مصلحة فى الاستفادة من عودته أن يشيد بما تحقق وأن يعيد ويزيد فى الحديث عن عظمة ترامب وحكمته.. وبالطبع أن يزايد على الدور الذى لعبه أو الدور الذى يريد أن يلعبه فى المرحلة الترامبية التى تبدأ من يوم 20 يناير 2025.
ولمن يتابع المشهد الأمريكى أو السيرك السياسى بكل تفاصيله عليه أن يتوقع وأن يترقب المزيد من طرح الأسماء المرشحة لتولى مهام ومناصب مهمة ومن اقتراح للتصورات والسيناريوهات المرتقبة وبالطبع الإشارة الدائمة إلى التمنيات المرجوة ومحاولة قراءة الطالع.. والنازل أيضًا فى الحياة السياسة الأمريكية وعلاقات واشنطن الداخلية والخارجية سواء كانت مع الشعب الأمريكى أو شعوب العالم.
وكما هو متوقع فإن حديث واشنطن منصب على أمرين: أولهما لماذا كسب ترامب؟ أو لماذا خسرت هاريس؟ أى الحديث عن الخطط المحكمة التى أدارتها حملة ترامب وهو نفسه (أولاً وأخيرًا) باقتدار وشعبوية وأدوات فعالة لتأجيج المشاعر وبث الدعاية السياسية عبر وسائط التواصل. وعلى الجانب الآخر يواصل الديمقراطيون وأنصارهم محاسبة النفس وجلد الذات وتبادل الاتهامات حول أسباب الانتكاسة والهزيمة الساحقة التى لحقت بهاريس وبمرشحى الحزب الديمقراطى.
وبالطبع لم ولن يتوقف الحديث عن السؤال الأكبر: إلى أين سيأخذنا ترامب عند توليه الحكم؟ إلى أين سيأخذ أمريكا والعالم خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار فترة ولايته الأولى وشخصيته الطائشة ومواقفه الصادمة بالنسبة لكل القضايا. وطبعا السؤال إياه: هل هناك ترامب جديد (موديل 2025) سيحل محل ترامب القديم (موديل 2017)؟.. والإجابة معروفة وهذا هو مصدر القلق والخوف والغضب أيضًا.
كيف سيكون شكل ومضمون الإدارة المقبلة بعد كل ما قيل وما تردد عن المستهدف من الغزو الجمهورى لواشنطن وهيمنة الآلاف من الموالين لترامب على مفاصل الدولة ومراكز صناعة القرار (حسب خطة أو مشروع 2025) ومن هم الأسماء المرشحة لتولى المناصب الكبرى أو الحسّاسة مثل وزراء الدفاع والخارجية والأمن الوطنى وقيادات الأمن القومى. وبما أننا نعرف كثيرًا عن ترامب وطريقته فإن أهل الثقة والولاء الكامل والطاعة العمياء تحديدًا هم غالبا سيكونون ضمن فريق ترامب. فهؤلاء يستطيعون تحقيق ما تم الوعد به فى حملة ترامب الانتخابية. ومن تلك الوعود مثلا الطرد الجماعى للمهاجرين غير الشرعيين من البلاد.
ولم يتردد المراقبون للمشهد السياسى الأمريكى بواشنطن فى أن يعربوا عن تخوفهم من صدام محتمل وحاد قد يحدث داخل البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) بين رجال المؤسسة العسكرية ورجال ترامب أو من هم سيتم تعيينهم لتمرير وإقرار ما يريده الرئيس المقبل ترامب. صدامات مماثلة حدثت فى ولاية ترامب الأولى وخاصة فى الفترة الانتقالية التى تلت فوز بايدن فى انتخابات عام 2020.
ما لفت الانتباه يوم 8 نوفمبر، أى بعد أيام قليلة من إعلان انتخاب ترامب دخول الملياردير إيلون ماسك على الخط فى حوار هاتفى دار بين ترامب وزيلينسكى رئيس أوكرانيا.. انخراط ماسك فى هذه المكالمة فى بداية مشوار ترامب الثانى إشارة واضحة إلى أن ماسك سوف يلعب دورا كبيرًا فى إدارة ترامب المقبلة ولو لفترة قصيرة. وذكر أيضا أن ماسك كان حاضرا أيضا لمكالمة أخرى أجريت فى اليوم ذاته ما بين ترامب والرئيس التركى أردوغان.. الرئيس القادم ترامب أعلن أكثر من مرة بأنه يريد أن يستعين بماسك صاحب إكس (تويتر سابقا) فى إدارة شئون البلاد وتحديدا فى التقليل من حجم الأموال التى يتم إهدارها فى الإنفاق الحكومى! (حسب وصفه).
وإذا كان عمالقة وادى سيليكون لتكنولوجيا المعلومات خلال ولاية ترامب الأولى فى موقف معارض أو بتعبير أدق غير متعاون معه فإن هؤلاء الجبابرة بشركاتهم العملاقة هذه المرة تشاوروا ويتشاورون مع ترامب ورجاله عن كيفية الاستفادة والمنفعة المتبادلة وعن مكاسب مالية هائلة (مليارات من الدولارات) سوف تضاف إلى رصيدهم الضخم للغاية.
ثم تأتى مسألة الانتقام الذى تم التلويح به كثيرا فى خطب ترامب الانتخابية. ترى كيف سوف يتجسد هذا الانتقام مع تسلمه للسلطة؟. وهل الانتقام سيكون كبيرا وشاملا مع كل من وقفوا ضده (بشكل أو آخر) وهل سيكون أيضا سريعا؟.. أم أنه سيأخذ بعض الوقت ولن يكون إلا من نصيب بعض معارضيه.
وحسب الحديث الدائر عن الناخبين الذين تغيرت مواقفهم وصارت أكثر ميلا لترامب ذكر الأمريكان من الأصول اللاتينية وذكر أيضا الأمريكان العرب. وبالطبع تباينت السرديات أو الحواديت عن خيارات أو اختيارات الأمريكى العربى خصوصا فى الولايات المتأرجحة وتحديدا فى ولاية ميتشجان. وبالتأكيد غزة كانت لها دورها الرئيسى فى تشكيل الآراء والمواقف. إلا أنه مهما كان التهويل أو التهوين فى قراءة هذه التقديرات أو التقييمات، فإن الأمريكى العربى والمسلم فى حاجة إلى دراسة وافية وشاملة لتحديد معالم طبيعته وحجمه وقدرته ورغبته فى العملية السياسية الأمريكية؟ وهل هو (وبالطبع هى أيضا) تريد وتستطيع أن تشارك فى المشهد السياسى الأمريكى بكافة تفاصيله أم أنه مجرد مستهلك ومشاركته محدود بالتصويت أو الإحجام عنه. وأيضا تعرضه لمزايدات ومقايضات من المرشحين والأحزاب ووعود انتخابية تتبخر مع انتهاء مواسمها.
أمر آخر جدير بالاهتمام والمراقبة وهو دور الإعلام التقليدى وتحديدا الصحف الأمريكية الكبرى وكيف ستواصل دورها الحيوى والأساسى فى متابعة ومحاسبة ترامب فى ولايته الثانية. خاصة أن ترامب وصف الميديا التقليدية بأنها «عدو الشعب» وحرص دائما على انتقاد الصحفيين بشدة ووصف ما ينشرونه بالأكاذيب. وجدير بالذكر أن عدد المشتركين فى الصحف الكبرى تزايد بشكل ملحوظ فى ولاية ترامب الأولى. كما تنامى الإقبال على الاشتراك لمجلات قدمت مضمونًا متميزًا وعميقًا لتسليط الأضواء على ترامب وإدارته. وتحديدا مجلة نيويوركر الأسبوعية ومجلة ذى أتلانتيك الشهرية نشرت كتابات مطولة تخاطب العقل والمنطق وتناقش كافة الأمور مهما كانت تعقيداتها السياسية وتفاصيلها. وقد أعلن مؤخرا أن عدد مشتركى نيويورك تايمز قد وصل إلى 11 مليون مشترك. فى حين عندما تدخل الملياردير جيف بيزوس مالك صحيفة واشنطن بوست ومنع الصحيفة من نشر مساندة هاريس (من جانب مجلس كتاب الرأي) أثار غضب المشتركين للصحيفة وقاموا بإلغاء اشتراكاتهم وعددهم 250 ألف مشترك من مجموع نحو 2.5 مليون مشترك لواشنطن بوست.
عودة ترامب تعنى عهدا جديدا لأمريكا.. وللعالم أيضا.